جاءني من نعاسٍ بعيدْ لم يُرِقْ دمعةً إذ رأى جثَّتي، قال لي: لا تنمْ، وانثنى باتجاهِ نشيدٍ جديدْ مُتعباً كنتُ مستغرقاً في الكآبةِ منفرطاً مثل سورٍ قديمْ سادراً في براري الغيابِ السقيمْ هاجمتني الخيولُ الخرافيةُ.. اقتادني التيهُ في غيِّهِ المرتمي في فراغٍ يتيمْ شدَّني الصمتُ من شعر بوحي، وسدَّ فمي، ورمى كتبي في غموض السديمْ. من غروب قصيٍّ أتيتُ على صهوةِ العزلةِ الراجفةْ حاملاً قلقَ الأرصفةْ، في إيابي ورذاذ البحار الغربية في غُرَّتي وثيابي، والمدى خلف روحي يُرتِّبُ صفَّ العماراتِ، صمت امتداداتها في الفضاءِ البليدْ، والمساءُ الشريدْ، يقتفي ظلَّ خطوي ويحشرُ في سلَّةِ الوقتِ فوضى النهارِ المراوغِ نهرَ المشاةِ، الزنوجَ، البناتِ الملولاتِ، تيهَ المصانع وهي تخاتلُ تمضغُ عمالَّها السادرين وتغمرُ أحلامهم بالأسى والحديدْ الرصيف الجليدْ والرغيف الجليدْ والحواس الجليدْ من غروبٍ قَصيٍّ أتيتُ وبي وجعي، من غروبٍ شريدْ عندما جاءني صاحبي من نعاسٍ بعيدْ هدهد الروح إذ فاجأتها ارتباكاتُ أحلامها، باح بالسِّرلي، ما بكى إذ رأى جثتي قلت يا صاحبي وأبي: إنّني من بقايا النساطرة التائهينْ، خانني أسقفي ورعاتي ومدى الأبرشية ضاقتْ به مِلَّتي، ضاق يا أبتي النساطرة انقرضوا يا بنيَّ.. ولكنني يا أبي لم أزلْ، إنَّ روما التي سرقتْ ديننا مثَلما سرقتْ حنطةَ الروحِ من كل أهرائنا لم تزْل تستبيح الذرى، هل ترى يا أبي، هل ترى؟ هَدْهَدَ القَلْبَ إِذ فاجأته ارتباكاتُه قال للبيت ربٌّ فلا تغمض الروحَ في اللحظة العابثةْ، واتئدْ في المرارةِ والشكِّ فالديكُ صَاحَ هنا صيحتين فلا تنكر الربَّ في الثالثةْ، وفضاء الوطنْ، مثخناً لم يزلْ بالكوابيس والكارثةْ لا تنمْ، قال لي، وانثنى باتجاهِ نشيدٍ جديدْ عندما جاءني من نعاسٍ بعيدْ
جريس سماوي شاعر وأديب وأعلامي ومثقف أردني،من مواليد الفحيص ولد سنة 1956م، درس الأدب الإنجليزي والفلسفة وفن الاتصالات الإعلامية في أميركا.عمل في التلفزيون الأردني وقدم مجموعة من البرامج التي تتصل ...