الديوان » لبنان » جبران خليل جبران » رؤية أربت على الرؤيا بما

عدد الابيات : 94

طباعة

رؤية أربت على الرؤيا بما

لم يكن يوما بظن ليمرا

دار فيها طرب مختلف

تارك في مسمع الأحقاب وقرا

تركض الأم تغني هلعا

وبنوها حولها يبكون ذعرا

ويهد الكهل هد الفحل في

غرق والوقد لا يألوه هدرا

كاد رحب الجو من حشرجة

وحوافيه الربى يشبه قدرا

في اختلاط مرهق سماعه

واختلال مزهق حشدا وحشرا

سرحات قصفت محضأة

بين منكوسة إكليل وعقرى

رجبة من عوسج محتدم

فنيت ضربن لألاء ووغرا

ضبغ تعوي وذئب ضابح

وصدى يزقو مهيجا مزبئرا

ضيغم من سورة الحمى ومن

ثورة الحمي به يزأر زأرا

طالما زمجر يشكو أسره

فهو يشكو أنه لم يقض أسرا

ثعلب يضغو وفهد ضاغب

وغراب ناغب عشرا فعشرا

ومن الأكلب حامي بركة

مس بعد القر بالحر فهرا

ما سموم نفختها سقر

تنسف الدوح وتذوي العشب صقرا

خافتت آنا وآنا عزفت

وتوالى هزقها عزما وفترا

عندما في مارج من لاعج

بثه بثا وقد ضويق حصرا

ما اصطخاب اللج في حيرته

بين تيار ودردور ومجرى

كاصطخاب من وطيس هادم

لم يصن تاجا ولم يستثن جذرا

ذاك يا نيرون لحن زاده

طربا مزهرك الرائع نبرا

جمع الضدين لم يجتمعا

في مزاج يفطر الأكباد فطرا

بين أصوات على نكرتها

جعلت وفقهما خفضا وجهرا

هيكل يسقط في قعقعة

وذماء من حشى يصعد زفرا

هكذا التصوير أحيا ما يرى

هكذا التطريب مؤتا أو أحرا

هز بالإيقاع أفلاكا ولم

يصحب العود به طبلا وزمرا

هكذا الشعر بلا قافية

خف وزنا وجرى بالدم بحرا

عظمت فتنته من فرط ما

رق فالناس أرقاء وأسرى

لا كنايات ولا تورية

إنما العاجز من كنى وورى

من كنيرون أتى بالرسم لم

يستعر صبغا له أو يجر حبرا

مثبتا في ليلة مبصرة

آية يمحو بها قوما ومصرا

بينما تنظر ربعا أهله

ملء هذا الكون إذ تلفيه صفرا

يا لها غر فنون بهرت

ظرفاء الوقت بالإبداع بهرا

أين منها شأن مفني عمره

يتقرى الخلق أو يقرأ سفرا

ليراه بعد جهد محسنا

إن شدا أو متقنا إن خط سطرا

دمرت حاضرة الدنيا ولم

يجد الناجون في ذلك نكرا

أوشكوا أن يجمعوا رأيا على

أن في الغيب لذاك الهول سرا

لست محزونا على القوم وهل

كبد تلقى على الأنذال حرى

غير أني لي على إبداعه

عتب فن وهو بالإبداع أدرى

فلقد أغرق في إيقاعه

وغلا رسما وزاد النظم نثرا

ولعل الهفوة الأخرى له

أنه لم يعتدل نقشا وحفرا

ذاك همي ليس همي بلدا

باد خنقا أو توى حرقا وثبرا

ما علينا من غريم غارم

إن أزرى الخلق شعب مات صبرا

ليس بالكفؤ لعيش طيب

كل من شق عليه العيش حرا

إن روما جعلت نيرونها

وهو شر القوم مما كان شرا

بلغته الملك عفوا فبغى

كل ملك جاء عفوا راح هدرا

يقدر الشيء معاني كسبه

فإذا ما هان كسبا هان خسرا

عاث فيها مستبدا مسرفا

دائب الإجرام عوادا مصرا

لا يمنحها من باله

غير هم الخطر المكسوب قمرا

ليس في تشنيعه من بدعة

إن للخامل عند الذكر ثأرا

لا ولا في ظلمه من عجب

إن للظالم عند العدل وترا

بم غر القوم حتى غفروا

ذلك الذنب له ما شاء غفرا

بل قضوا أن يمحنوه حمدهم

حيث لا يجدر أن يبلغ عذرا

ذاك أن أتهم ظلما منهم

معشرا مستضعف الجانب نزرا

فرمى ملة عيسى بالذي

كان منه ملحقا الوزر وزرا

زاعما أن النصارى قارفو

ذنبه ما كان أنآهم وأبرا

والنصارى فئة يومئذ

لم تكن فيهم من المعشار عشرا

ما بها حول ولا طول ولا

تقتني جاها ولا تملك وفرا

لا تبالي دون من تعبده

جهد ما تمنى به خسفا وعسرا

دينها في فجره والسحب قد

تحجب النور ولا تعتاق فجرا

عن للغاشم أن يطعمها

لجياع الوحش في الملعب جهرا

وبهذا يترضى شعبه

فرط ما الشعب بذاك اللهو مغزى

فيظل البطل فيه عاليا

ويظل الحق عنه مستسرا

أمر الطاغي بها فاحتشدت

في مقام زاخر بالخلق زخرا

ورماهم بالضواري قرمت

فارتمت مجنونة وثبا وجأرا

فتلقاها النصارى وهم

لم يضق إيمانهم بالضيم حجرا

سجد شادون سام طرفهم

ضاحكو الآمال ما الخطب اكفهرا

بربرت تلك الضواري دونهم

ثم شدت وهي لا ترحم شفرا

هشمت وانتهشت وافترست

ما اشتهت نهمتها علما وهبرا

ثم كلت شبعا وافترقت

في الزوايا تتوخى مستقرا

سكر الأشهاد إعجابا بها

وهوت مملوءة بالدم سكرا

ذاك ما رام به نيرون أن

يتلافى إثمه الأول سترا

وإذا ما أسعد الجهل غلا

آثم في الإثم لا يرهب عزرا

شيمة الموغل في إجرامه

كلما ازداد انطلاقا زاد حضرا

شاد للإلهاء ذاك المنتدى

قبل أن يبني للإيواء جدرا

والأولى زالت مغانيهم بما

شيد للألعاب محبورون حبرا

بطء يوم فيه إيداء بهم

وهو يقضي في بناء اللهو شهرا

خاب من خال النصارى هلكوا

حين راح الموت فيهم مستحرا

فالذي أولده الفتك بهم

أنهم قل غدوا بالقتل كثرا

ثم أضحى ملك روما ملكهم

ومولاهم على الأحبار حبرا

هكذا الفكرة من أرهقها

كمنت ثم علت وثبا فطفرا

درت الأمة من ظالمها

كلما جر عليها الظلم دفرا

وعلى ذاك تغابت مرة

بعد أخرى وتمادى مستشرا

لو أراد القسط لم يكفؤ له

أو تصدى للوغى لم يحم ثغرا

فاته في نفسه السر الذي

يمنح الدائل مجدا مستمرا

فتوخى الفخر من سخرية

مثل الدهر بها هزءا وهزرا

لاهيا بالناس قتالا لمن

شاء فعالا لما استحسن جبرا

لاعبا حتى إذا ضاق به

ملعب الدنيا تخطاه ومرا

فقضى حين اقتضى منتحرا

بيدي مستأجر أوسع برا

راكبا متن النوى لما نوى

ضاربا بين غد والأمس سترا

ملقيا جسما إلى أمته

خشيت حرمانه دفنا وقبرا

سرفا في الذل حتى إنها

لم تكن تدري لما تفعل قدرا

من يلم نيرون إني لائم

أمة لو كهرته ارتد كهرا

أمة لو ناهضته ساعة

لانتهى عنها وشيكا واثبجرا

فاز بالأولى عليها وله

دونها معذرة التاريخ أخرى

كل قوم خالقو نيرونهم

قيصر قيل له أم قيل كسرى

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جبران خليل جبران

avatar

جبران خليل جبران حساب موثق

لبنان

poet-khalil-gibran@

1075

قصيدة

829

متابعين

جبران خليل جبران فيلسوف وشاعر وكاتب ورسام لبناني أمريكي، ولد في 6 يناير 1883 في بلدة بشري شمال لبنان حين كانت تابعة لمتصرفية جبل لبنان العثمانية. توفي في نيويورك 10 ...

المزيد عن جبران خليل جبران

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة