الديوان » لبنان » جبران خليل جبران » عفا العلم الراسي كما يقشع الظل

عدد الابيات : 51

طباعة

عَفَا الْعَلَمُ الرَّاسِي كَمَا يَقْشَعُ الظِّلُّ

فَمَا يُوسُفٌ إِلاَّ حَدِيثٌ لمَنْ يَتْلو

لَئِنْ كَانَ حَتْفَ الأَنْفِ عَاجِلُ مَوْتِهِ

لَمَصْرَعُهُ فِي مِيلِ مَوْقِفِهِ قَتْلُ

قَضَى يُوسُفُ الْجِنْدِيُّ جُنْدِي قَوْمِهِ

بِحَيْثُ قِوَامُ العِزَّةِ الرَّأْيُ لاَ النَّصْلُ

بِحَيْثُ الْقَنَا وَالمَشْرَقِيَّةُ خُضَّعٌ

لِمَا تَزَعُ الشَّورَى وَمَا يَشْرَعُ الْعَدْلُ

فَرَاحَ شَهِيدَ البَذِل مِنْ ذَاتِ نَفسِهِ

وَمِنْ خَيْرِ مَا يَقْنِي وَذَاكَ هُوَ الْبَذْلُ

يُنَهْنَهُ عَنْ إِسْرَافِهِ غَيْرَ مُنْتَهٍ

كَأَنَّ بِهِ جَهْلاً وَلَيْسَ بِهِ جَهلُ

إِذَا مَا سَبِيلُ اللهِ كَانَتْ سَبِيلَهُ

فَمَا فِي سَبِيلِ اللهِ حِرْصٌ وَلاَ بُخْلُ

وإِنْ يَكُ حُبَّ النَّفْسِ وَالوُلْدِ شِرْعَةً

فَحُبِّ البِلاَدِ الفَرْضُ وَالآخَرُ النَّفْلُ

وَلَيْسَ امْرُوءٌ لَمْ يَمْنحِ الْمَجْدَ نَفْسَهُ

بِبَالِغِهِ أَو يَبْلُغَ الجَبَلَ السَّهلُ

عَذِيرَ الأُولَى يَبْكونَ يُوسُفَ إِنَّهُ

مَضَنةُ وَادِيهِ فَمَا رُزؤُهُ سَهْلُ

طَوَتْهُ المَنايَا وَهْوَ أَوْحَدُ أُمَّةٍ

فَلاَ تُنْكِرُوا أَنْ شَاعَ فِي الأْمَّةِ الثكْلُ

لَقَدْ جَمَعَ الشَّمْلَ الشَّتِيتَ بِبَيْنِهِ

أَلَيْسَ بِغَيْرِ البَيْنِ يَلْتَئِمُ الشَّمْلُ

عِتَابٌ أَجَازَتْهُ خُطوبٌ مُغِيرَةٌ

عَلَيْنَا وَعَنْ إِنْذَارهِنَّ بِنَا شُغْلُ

بِأَيِّ مُحَامٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُمْ

أُصِيبُوا وَأَعْزِزْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ

مَكَانُ الْمُحَامِي غَايَةٌ فِي سُمُوِّهِ

إِذَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ النَّزَاهَةُ وَالنُّبْلُ

وَلَمْ يَكُ سَوَّاماً ولَمْ يَكُ مُتَجِراً

متى أَعْضَلَ المَوْضُوعُ أَوْ أَشْكَل الشَّكْلُ

يُهَيِّءُ فَصْلَ القَوْلِ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ

بِحُجِّتِهِ المُثْلَى لِمَنْ قَوْلُهُ الفَصْلُّ

وَيَدْفَعُ تَضْلِيلَ الَّذِينَ افْتِرَاؤُهُمْ

عَلَى اللهِ حَقٌّ وَالحَرَامُ لَهُمْ حِلُّ

فَذَاكَ مُلاَذٌ يُرْتَجَى وَمَنَارَةٌ

لأُمْنِ الأُولَى رِيعُوا هَدْيِ الأُولَى ضَلُّوا

تَعَاطَى المُحَامَاةَ الشَّرِيفَةَ يُوسُفٌ

فَأُّحْمِدَ فِيهَا قَوْلُهُ الحُرُّ وَالْفِعْلُ

وَكَانَ الَّذِي يَبْلُوهُ فِي كُلَّ حَالَةٍ

شَكُوراً لِمَا يَلْقَى فَخُوراً بِمَنْ يَبْلُو

وَفِي الوَفْدِ إِنْ تُوصَفْ مَوَاقِفُ يُوسُفِ

أَكَانَ لَهُ فِي الذَّودِ عَنْ حَوْضِهِ كِفْلُ

فَدَاهُ بِأَغْلَى مَا يُسَامُ أَخُو الْفِدَى

وَلَمْ يَثْنِهِ ضَيْمٌ وَلَمْ يُغْرِهِ جُعْلُ

عَقِيدَةُ نَفْسٍ أَوْرَدَتْهُ مَهَالِكاً

وَلَمْ تَأْبَ أَنْ يُرْعَى الخُصُومُ وَإِنْ زَلُّوا

وَفِي مَجْلِسِ النُوُّابِ هَلْ سَارَ سَيْرَهُ

أَخُو مِرَّةٍ جَلْدٌ عَنِ الجَهْدِ لاَ يَأْلُوا

بِيُوسُفَ وَالْمَشْهُورِ مِنْ وَثَبَاتِهِ

إِلَى كُلِّ إِصْلاَحٍ تَمَهَّدَتِ السُّبْلُ

هُنَاكَ مَجَالُ الْعَبْقَرِيَّةِ وَاسِعٌ

لِمُسْتَبِقٍ يَشْأُو وَمَنْطَلِقٍ يَعْلُو

هُنَاكَ رَمَى جَيْشَ الأبَاطِيلِ نَاثِلٌ

كِنَانَةَ صِدْقٍ لاَ يَطِيشُ لَهَا نَبْلُ

فَآبَ بِفَتْحٍ بَعْدَ فَتحٍ وَلَم يُثِرْ

حُقُوداً وَلَمْ يَعْدُ الصَّوَابَ وَلَمْ يغْلُ

وَمَنْ جَدَّ فِي التَّصْرِيفِ لِلأمْرِ جِدَّهُ

وَقَدْ بَاتَ فِي تَصْرِيفِهِ العَقْدُ وَالْحَلُ

فَقَامَ بِأَعْبَاءٍ تَنُوءَ بِهَا الْقُوَى

وَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ رُقِيَّ الْحِمَى سُؤْلُ

وَمَنْ فِي الشُّيُوخِ الْمُنْتَدِينَ كَيُوسُفٍ

بِهِ حِلْمُ شَيْخٍ وَهْوَ فِي سِنِّهِ كَهْلُ

يُعِيدُ وَيُبْدِي رَابِطَ الجَأْشِ مُنْصِفاً

وَلَيْسَ بِهَدَّارٍ كَمَا يَهْدِرُ الفَحْلُ

وَما يَمْلِك الأَسْمَاعَ إِذْ يَنْطِقُ الهَوَى

كَمَا يَمْلِكُ الأَسْمَاعَ إِذْ يَنْطقُ الْعَقْلُ

قُصَارَاكَ مِنْهُ أَنَّهُ فِي كِفَاحِهِ

جَريءٌ صَرِيحٌ لا اقْتِحَامٌ وَلاَ خَتْلُ

وَلَيْسَ يُدَاجِي فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ

يَصِيدُ بِهَا سُحْتاً وَمَعْبُودُهُ الْعِجْلُ

فَمَاتَ وَمَا مِنْ ثَرْوَةٍ غَيْرُ عَيْلَةٍ

ثَوَى رَبُّ نُعْمَاهَا وَحَاقَ بِهَا الأزَلُ

تَرَى مَا اعْتِذَارُ الكَاذِبِينَ الأُولَى سَعَوْا

سِعَايَاتِهِمْ فِيهِ وَقَدْ زَهَقَ البُطْلُ

حُكُومَةُ خَصْمٍ أَنْصَفَتْهُ فَوُفِّقَتْ

إِلَى الْخَيْرِ لاَ يَعْرُوهُ رَيْبٌ وَلاَ دَخل

وَمنْ مِثْلهُ فِي أَهْلِهِ وَرِفَاقِهِ

لَهُ شِيِمٌ كَالرَّوْضِ بَاكَرَهُ الطَّلُّ

فَحَلَّ مَحَلاًّ مِنْهُمُ لَمْ يَفُزْ بِهِ

أَبٌ أَوْ أَخٌ حُلْوُ الشَّمَائِلِ أَوْخِل

وَمَنْ مِثْلهُ وَافِي الرجُولَةِ كُلُّمَا

دَعَا الْحَقُّ لاَ يَأْبَى عَلَيْهِ وَيَعْتَل

كَرِهْتُ وَحَاشَاهُ أَنَاساً وجَدْتُهُمْ

رِثَاتَ الأوَاخِي لاَ ذِمَامٌ وَلاَ إِل

لَقَدْ كَثُرُوا وَالأَكْرَمُون خَلاَقهُمْ

قَلِيلٌ مِنَ الدُّنْيَا فَلاَ بِدْعَ إِنْ قَلوا

فَهَلاَّ هَدَاهُمْ ذَلِكَ النَّورُ فَاهْتَدَوا

أَلاَ إِنَّ مَحْلاً فِي النُّفُوسِ هُوَ الْمَحْلُ

أَيُوسُفُ إِنِّي قَبْلَ مَنْعَاك لَمْ أَثُرْ

وَلَمْ يَتَيقَّظْ لِلْمُلِمَّاتِ بِي قَبْلُ

وَكُنْتُ امْرَءًا لا يَعْرِفُ الْغِلُّ قَلْبَهُ

فَأضْحَى بِهِ حُزْنٌ يُخَامِرُهُ الْغِلُّ

بِرَغْمِ وَفَائِي إِنَّهُ الْيَوْمَ خَاذِلِي

وَمَاذَا يَرُد البَث وَالْمَدْمَعُ الجَزْلُ

كَفَى سَلْوَةً أَنْ شيَّعَتْ مِصْرُ كُلُّهَا

فَتَاهَا بِمَا لَمْ يَشْهَدِ النَّاسُ مِنْ قَبْلُ

مِثَالُكَ مِلْءُ الدَّهْرِ وَاسْمُكَ خَالِدٌ

وَفَضْلُكَ بَاقِي الذَّكْرِ مَا ذُكِرَ الفَضْلُ

إِذَا نَحْنُ عَزَّيْنَا الرَّئِيسَ وَلَمْ نَزِدْ

فَقَدْ عُزِّيَتْ فِيكَ الكِنَانَةُ وَالأهْلُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جبران خليل جبران

avatar

جبران خليل جبران حساب موثق

لبنان

poet-khalil-gibran@

1075

قصيدة

829

متابعين

جبران خليل جبران فيلسوف وشاعر وكاتب ورسام لبناني أمريكي، ولد في 6 يناير 1883 في بلدة بشري شمال لبنان حين كانت تابعة لمتصرفية جبل لبنان العثمانية. توفي في نيويورك 10 ...

المزيد عن جبران خليل جبران

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة