الديوان » لبنان » أحمد فارس الشدياق » أنا الولي على كل المفاليس

أنا الولي على كل المفاليس
وغرفتي ذي مزار للمناحيس
يأتي بهم زُحَل القوّاد سدّتها
وثم تصرعهم ريح الكراكيس
لا يدخلنّ مقامي ذو حجى أبدا
فإنما هو منتاب المآفيك
يلفون فيه أكاذيب المديح على
زمّارة أو على نذل من النُوْك
يا طالعاً درجات قدرها مائة
إليَّ ماذا ترجيّ بعد ذا الدرج
إن كنت من حركات طالباً فرجاً
فإنني بسكون طالب الفرج
ما زارني إلاّ خليع ما جن
فدع الحياء إذا حضرت حصيري
إن الحياء أخو النفاقّ وما صفت
دون المجون سريرة لعشير
يا زائري رأسك أحفظ
من ضرب زيد وعمرو
فما بكسري هذا
يصاب جابر كسر
أيها الزائري لفائدة لا
ترم المستحيل ما ذاك عندي
راح علمي في طلب الجدّ
والجدّ شرود فضاع علمي وجدّي
للناس نار بلا دخان
ولي دخان بغير نار
فها أنا اليوم منه قار
ضيفي وفيه أبيت قاري
إن للصالحين معجزة أن
يجعلوا إن شاءوا الضرير بصيرا
عكسُ ذا اليومَ معجزاتُ دخاني
إنه يجعل البصير ضريرا
تجود عليّ زواري ولكن
أكافئهم بَواء وهو شأني
تُقلّ نعالهم لي تربَ كُحْل
فأكحلهم بشيء من دخاني
نعم لي غرفة عليا ولكن
بأسفل سافلين هبوط نجمي
فكيف أطيق أصعد مرتقاها
وأحمل حمل أشجاني وهمي
من يكن مثلي رفيع الدرجات فهو أولى بمفاعيل السّراة
من معاطاة فضول الشعر في فاعلات فاعلات فاعلات
كل زوّاري ذكور
ليس فيهم من إناث
أفما في الكون من
أنثى ولا جنس الخناث
قصرت عن الورى وأمن
تُ منهم سَبَّة غدْرا
فلا عجب إذا ما قلت
صارت غرفتي قصرا
إذا زارني مُلوٍ نظيري أمنته
وإن يك ذو جَدّ حذرت محاله
فإني أدري بالمناحيس كلهم
وما فيهم من أجهل اليوم حاله
من أوى إلى البيت من
مثل بيتي الحرج
ضاق صدره سدما
وانزوى مع الهمج
ولي داخل البيت جثة قطّ
وخارجه صيت فيل عظيم
وقد كنت أحسب أن بالعظام
تكون العظام وأهل العلوم
تعالوا وافقهوا عني ثلاثاً
تعلمكم مراعاة النظير
خلاقي ثم جسمي ثم بيتي
صغير في صغير في صغير
أمسى بيتي قبراً حرجاً
لكن زواري أحياء
مع أني لست أرى فيهم
حيّاً لي منه إحياء
إذا عصفت ريح وثارت زوابع
وهدّت رعود والغيوم مواطر
ومادت زوايا غرفتي وتزلزلت
علمت بأن عندي يشرّف زائر
ارفعوا لي حاجاتكم فأنا اليومَ
رفيع المقام والدرجات
إن يكن مُفْلسون فليستعيروا
مُدْيتي لانتحارهم أو دَواتي
يقولون إني لضيق وِجاريَ
قد رك شعري وصار ركيّا
وأجدر بشيء إذا ما تبعَّث
من ضيق أن يكون قويا
مقامي بذي الغرفة
لحرمان ذي الحرفة
فمن زارني فيها
فلا يَرْجُوَنْ ترفه
أصبحت في غرفتي رهن الهموم فما
يعتادني غير أشجاني وأوطاري
أرى لكل امرئ أنثى تؤانسه
وليس عندي من أنثى سوى النار
ألا لا يطمعن أحد
لكوني صاحب الغرفه
بإنَّ لديَّ مأدبة
له من فيضها غرفه
حقّ المزُور على الزوار أنهم
يؤمنون له في الصدق والكذب
وما عليه لهم حقّ ولو جلبوا
إليه من سبأ وسقا من الذهب
ولي حرفتان فلا أحذر ال
بطالة عندي أن ترسخا
أصوغ القوافي في ليلتي
وفي الصبح أستقبل المطبخا
طبخ المحاشي رائج في عصرنا
لكنما طبخ القوافي كاسد
من أجل ذلك صرت طباخاً فما
أنا شاعر فالشعر شيء فاسد
حوت غرفتي كتبي ورزقي كله
فبرنطتي فيها عزاء وسلوان
إذا غبت عنها خلتني أفقر الورى
وإن جئتها أوهمت أني سلطان
يفوح من حجرتي عرف الشواء على
عرف القريض ومعه عرف ميَّان
فمن يكن جائعاً ينعشه أوّلها
ومن يكن كاذباً ينعش من الثاني
أرى في الحلم أني ساقط من
مهدَّم طاقتي في مثل غار
فأصبح في الفراش ولا قوى لي
فلست إلى المعبّر ذا اضطرار
بيني وبين دخاني أُلفة ثبتت
إن نمت نام وإلا فهو لم ينم
وإن يزرني أمرؤ غطّى على بصري
إذ عنده رؤية الزوَّار كالسقم
لي غرفة ملأى من الكذب الذي
أنفقته في مدح كل بخيل
لم يبق فيها من محلَّ فارغ
للزائريّ ولا مقيل خليل
قالوا نزورك حيث كنت خليلنا
فأجبتهم لا ريب فيه زور
قد محّص العرفان عن أخلاقكم
وخلاقكم فلكم بذا التعزير
أقول لزائريّ قفوا قليلاً
إلى أن ألبس الثوب القشيبا
فإني في الخليع أُرى خليعاً
وفي لبس القشيب أُرى أديبا
لبابي صريف حين يفتح هائل
يقول لزوّاري دعوني مغلقا
فهذه عَدْوى كفكم فيَّ قد سرت
ولم يُعْدِكم داب افتتاحي مطلقا
كانت مقاماً للكواعب غرفتي
والآن صارت معدن التشبيب
ما زال فيها من عبير العشق ما
هاج المحبّ إلى عناق حبيب
يراني الناس في كِرج حقير
فيحتقرون منزلتي احتقارا
فهل يا قوم عندكم المعالي
علوّ مباءة تحوي حمارا
من زارني ورأى مكاني ضيقاً
فلبِرّه صدري يكون رحيبا
أهلاً به للنار والأصلاء مع
كِسف الدخان ونعم ذاك نصيبا
طوّقت بابي بأبيات منمّقة
لمّا بدا عُطُلا من خير زوّاري
فصار كنز علوم غير ذي رصد
تنقير أظفاره في نقر أظفار
ألا يا داخلين إليّ مهلاً
لأسألكم سؤالاً عن مزاري
أأعجبكم له شكل فجئتم
لتبنوا مثله دار القِمار
نعم المهندس من بنى
كوخي بأشكال وهندس
هو كالمثلث والمربَّع
والمخمس والمسدس
من جاءني تَعِباً وأبصر سدّتي
نسي الذي قاساه من أتعابه
فالناس تعرف من تزور إذا هم
نظروا ولو لمحا إلى أعتابه
لا يطلعنّ إليَّ اليوم مشئوم
فطالعي بضروب الشؤم موسوم
ومن يكن واحداً مثلي فليس له
لطالعين احتياج قاله البوم
يحسدني الناس على غرفتي
لشبهها أعينهم ضيقا
مع إنها تحوي جهازا له
طول وعرض بلغا الشيقا
قرَوْتُ المصر بيتاً ثم بيتا
فلم أرَ مثل مجلسي الشريف
يرد الشمس إنْ تدخُله كبراً
لرؤيته لها فوق الكنيف
ولي في غرفتي أدوات طبخ
على مقدار أسناني جميعا
وإن يُكَسر من الأدوات شيء
أصاب الكسر أسناني سريعا
ليس بالرفس فتح بابي ولا
بالقرع فأعلم لكن بنقر خفيف
فهو من جوهر الزجاج لطيف
لا يسنّى إلا لكل لطيف
مقامي أولّ في القدر لكن
أتى في الصيف عن خطأ أخيرا
فلا تلووا على شيء سواه
إذا جئتم إليه ولو كبيرا
إذا صعّدت في درجات كوخي
وجاوزت الأخيرة وهي أعسر
يخيّل لي بأني طالع كي
أؤذنُ صارخاً: اللّه أكبر
لا يراني الناس في غرفتي
لا أرى من غرفتي الناسا
ربّنا يعلم من لذَّ من
بيننا البَيْنَ ومَن قاسى
سمّوا على منزلي قبل الدخول ولا
تستعجلوا بعد فتح الباب واحتشموا
فإنه حَرَم ذو حُرمة ولئن
لم يُلفَ لي حرمة فيه ولا حُرَم
إن قلت سمّوا على مقامي
فلست أعني سمّا يميته
وإنما القصد أن تقولوا
تبارك الله عز صيته
لا تنظرنّ ملاوصاً يا زائري
من ثَقْب مفتاحي إلى أغراضي
كالعرض لي غرضي ومن ينظر إلى ال
أعراض لم يأمن من الإعراض
بشرى لمن ينظر المفتاح في بابي
دليل أني موجود بأثوابي
أو لا فإني في فرشي أغطّط أو
أني خرجت وأمن اللّه أشعى بي
أنا ساكن في غرفتي متحرك
لزلازل العجلات تجري تحتها
لكن بحمد اللّه ليس بواطئ
من فوق رأسي مَن يحاول نحتها
إلى اللّه أشكو ما أرى تحت طاقتي
أموراً غداً تكليفها فوق طاقتي
أرى كل يوم ألف ماش مخاصراً
لأنثى على أني مخاصر فاقتي
لي غرفة ما شأنها شيء سوى
أن ليس تجري تحتها الأنهار
وغنيت عن هذا بما يجري من ال
عجلات تحسد من بها الأقمار
عجبت لكم يا قوم مع ضعف دينكم
وشدة برد كيف لم تعبدوا النارا
كأني بكم تلهون عنها بحرّ من
تذيقكم في حبها النار والعارا
شرط الزيارة من بعد الطعام على
حكم المزور وأن لا تمنع الشغلا
ومن يزرني صباحاً فهو في خطر
أن لا أقول له أهلاً ولا سَهْلا
رأوا دخان قميني صاعداً فجرى
بالماء قوم ليطفوا سورة اللهب
فقال بعض أقينُ أنت قلت نعم
أقين شعراً وعندي معمل الكذب

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أحمد فارس الشدياق

avatar

أحمد فارس الشدياق حساب موثق

لبنان

poet-ahmad-faris-alshidyaq@

207

قصيدة

65

متابعين

أحمد فارس بن يوسف بن منصور الشدياق. صحفي لبناني من مواليد سنة 1804م،في قرية عشقوت (بلبنان)،وأبواه مسيحيان مارونيان سمياه فارساً عالم باللغة والأدب، ورحل إلى مصر فتلقى الأدب من علمائها، ...

المزيد عن أحمد فارس الشدياق

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة