عدد الابيات : 53

طباعة

يومٌ من العُمْرِ في واديكِ مَعدودُ

مُستوحِشاتٌ به أيَّاميَ السُودُ

نزلتُ ساحتَكِ الغنَّاءَ فانبعثَتْ

بالذكرياتِ الشَّجيَّاتِ الأناشيد

واجتَزتُ رغمَ الليالي بابَ ساحرةٍ

مرَّ الشبابُ عليه وهو مسدود

قامَتْ قِيامتُه بالحُسْنِ وانتشرتْ

فيه الأهازيجُ والأضواءُ والغيد

ما وحدَهُ غرَّدَ الشادي لِيرْقِصَهُ

الماءُ والشجرُ المهتزُّ غِرِّيد

واد هو الجَّنةُ المحسودُ داخلُها

أو أنَّه من جِنان الخُلدِ محسود

ثقي " زحيْلةُ " أنَّ الحسْنَ أجمَعَهُ

في الكونِ عن حُسنكِ المطبوعِ تقليد

أنتِ الحياةُ وعمرٌ في سواكِ مضى

فإنما هو تبذيرٌ وتبديد

أقسمتُ أُعطي شبابي حقَّ قيمتهِ

لو أنَّ ما فاتَ منه اليومَ مردود

وكيفَ بي ونصيبُ المرء مُرْتَهَنٌ

به ، ومَغْنَمُهُ في العُمْرِ محدود

لم يأتِ للجَبَلْينِ العاطفَيْنِ على

واديكِ أبهى وأنقى منهُ مولود

زَفَّتْ له مُتَعُ الدُّنيا بشائرَها

واستقبلَتْهُ مِن الطيرِ الأغاريد

أوفى عليه يَقيهِ حَرَّ هاجرةٍ

سُرادِقٌ من لطيفِ الظلِّ ممدود

بالحََوْرِ قامَ على الجنبينِ يحْرُسُهُ

مُعَوَّذٌ من عُيونِ الناسِ مرصود

تناولَ الأفْقَ معتزّاً بقامتهِ

لا ينثني فَنَنٌ منه ولا عود

يقولُ للعاصفاتِ النازلاتِ بهِ

إليكِ عنيّ ، فغيرُ " الحَوْرِ " رِعديد

صُنْعُ الطبيعةِ ، بالأشجارِ وارفةً

لَهُ ، وبالنَّهَرِ الرّقراقِ ، تحديد

خَصَّتْهُ باللُطفِ منها فهو مُنْبَعِثٌ

ورُبَّ وادٍ جَفتْهُ فهو موءود

طافَ الخيالُ على شَتَّى مظاهرهِ

واستوقَفَتْني بهِ حتَّى الجْلاميد

تَفَجَّرَ الحجرُ القاسي بهِ وبدا

في وَجْنَةِ الصَّخرةِ الصَّماءِ توريد

تجري المياهُ أعاليهِ مُبعَثرَةً

لها هُنالكَ تصويبٌ وتصعيد

حتى إذا انحدَرَتْ تبغي قَرارتَهُ

تَضيقُ ذرعاً بمجراها الأخاديد

استقبلَتْها المجاري يَسْتَحِمُّ بها

زاهي الحصى فَلهُ فيهنَّ تمهيد

فهُنَّ في السفحَِّْ عَتْبٌ رقَّ جانبُهُ

وهن يزفُرْنَ فوقَ الصخرِ تهديد

ما بينَ عَيْنٍ وأُخرى فاضَ رَيِّقُها

أنْ تُلْفَتَ العينُ أو أنْ يُعطَفَ الجْيد

هذي " المسيحيَّةُ " الحسناءُ تكَّ على

شرعِ " المسيحِ " لها بالماءِ تعميد

كأنَّها ، وعُيونُ الماءِ تَغْمُرُها ،

مُستْنزَفُ الدَّم مِن عِرْقَيْهِ مفصود

بُشرى بأيلول شَهرٍ الخْمرةِ اجتَمَعَتْ

على العرائشِ تَلْتَمُّ العناقيد

للهِ درُّ العَشِيَّاتِ الحِسانِ بها

يُسْرِجْنَ ظُلمتَها الغِيدُ الأماليد

لُطْفُ الطبيعةِ محشودٌ يتّمِمُهُ

جمعٌ لطيفٌ من الجنسَيْنِ محشود

في كلِّ مُقهىً عشيقاتٌ نزلنَ على

" وادي الغرامِ " وعُشَّاقٌ معاميد

تدورُ بينهُمُ الأقداحُ لا كَدَرٌ

يعلو الحديثَ ولا في العيشِ تنكيد

الرَّشْفَةُ النزرُ من فرط ارتياحِهِمِ

كأسٌ مُفايَضَةٌ والكأسُ راقود

خَوْدَ البِقاعِ لقد ضُيّعْتِ في بَلدٍ

تنَاثَرتْ فوقهُ أمثالُكِ الخُود

أُسلوبُ حُسْنكِ مُمتازٌ فلا عَنتٌ

في الروح منهُ ، ولا في السَبْكِ تعقيد

نهداكِ والصدرُ " ثالوثٌ أُقدّسُه

لو كانَ يُجمَعُ تثليثٌ وتوحيد

الخَمْرُ ممزوجةً بالرِّيقِ راقصةٌ

والكأسُ مرَّتْ بثغرٍ منكِ عِربيد

لو يُستجاب رجائي ما رجوتُ سوى

أنّي وشاحٌ على كَشْحيكِ مردود

جارَ النِطاقُ عليها في حكومتهِ

فالرِّدفُ مُنتعِشٌ والخَصْرُ مجهود

وأْعلَنَتْ خيرَ ما فيها مَلابسُها

مُنَمَّقاتٌ عليهنَّ التجاعيد

وكشَّفَتْ جَهْدَ ما اسطاعَتْ محاسنَها

ولم تدَعْ خافياً لو لا التقاليد

ما خَصرُها وهو عُريانٌ تتيهُ بهِ

أرقُّ منه إذِ الزُّنَّارُ مشدود

أمَّا البديعانِ من عالٍ ومُنْخَفِضٍ

فِداهما كلُّ حُسْنٍ أُعطىَ الغيد

فقد تجسَّمَ هذا غيرَ محتَشِمٍ

من فرطِ ما ضَيَّقتهُ فهو مشهود

ونطَّ ذيّاك مرتجّاً تقولُ : بهِ

رِيِشُ النعامِ على الوِرْكَيْنِ منضود

إيَّاكَ والفتنةَ الكبرى فنظرتُها

مسحورةٌ ، كلّها همٌّ وتسهيد

إذا رَمَتْكَ بعينَيْها فَلبِّهِما

واعلَمْ بأنَّكَ مأخوذٌ فمصفود

وإنَّما الحبُّ زَحليٌّ فلا صِلةٌ

ولا صدودٌ ، ولا بُخْلٌ ، ولا جود

يا موطِنَ السِحرَ إنَّ الشِعر يُنعْشُه

فيضٌ من الحُسْنِ في واديكَ معهود

خيالُهُ من خيالٍ فيكَ مأخذهُ

ولطفُ معناه من معناكَ توليد

اهتاجني موعدٌ لي فيك يجمعُني

كأنَّني بالشَّباب الطَّلْقِ موعود

وريعَ قلبيَ من ذكرى مُفارَقَةٍ

كأنَّني من جِنانِ الخُلْدِ مطرود

لا أبعدَ اللهُ طيفاً منك يؤنسني

إذا احتوتنيَ في أحضانها البيد

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

2341

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة