الديوان » المغرب » محمد الساق » الدمعة الأخيرة لأبي العلاء..

(من يصرخْ عند الولادةِ؛ يفهمِ السببَ عند الموت..)
مثل بلغاري
وأنَا أُجالِسُ وحـدَتِي
أُحصِي الهـزائِـمَ كلَّها
في رحلةِ العُمْـر الطّويلِ..
سأستعيدُ الآنَ وجـهَ الأمـسِ، مُذْ
أبصَرْتُهُ وأنا صغيرٌ أحمَراً ( 1 ) ..
متنبئاً بعذابِ أيّامِي الذي
سيصيبُ
روحِي سهمُهُ قبْل الجسَدْ..
لن أخفيَ الجـرحَ
القديمَ وراءَ هذَا الصمتِ في لغتي..
سأكتبُ دمعتِي، وأنا حـزينٌ مذْ عـزفـتُ عنِ الحياةِ
ولم أذُقْ من غيْمَةِ الدّنيا سِوَى
مطرِ الشّقاءِ.. وكنتُ مكتوباً
برغم الموتِ فيِ صُحُفِ الأبَدْ..
مُذْ خُطوَتِي الأُولى، تفَجّــرَ
في دمي قلقُ السؤَال..
وكان أفْقِي –رغم هذا الليلِ في عيْنَيَّ
نُوراً، سِـرتُ أحْمِلُ في مداهُ مطامِحاً
قـدْرَ النّجُومِ بلا عــدَدْ..
___________________
( 1 )قيل إن آخر لون رآه أبو العلاء قبل أن يفقد بصره هو الأحمر.
مذْ أيقظَتْ فِيَّ الحياةُ
براءةَ الأطفالِ وابتدأ الرهانْ..
وأشعلَتْ نارَ الشكـوكِ قصَائِداً
تتَنَفّسُ الآلامَ فِي رئَةِ الزّمانْ..
لمْ يَنْطَفِئْ
جُـرحِي الذي بايعتُهُ
ملِكاً على أيّامِيَ الحُبْلى بأدمُعِ خيْبَتي..
وامتدّ فِي ليلِ العَمَى جُــرْحــانْ..
سفَـرِي رُؤَايَ..
وحِكْمَتِي لغَةٌ تسَامَى وجهُهَا حتّى
أصابَ ملامِحَ الغيبِ الدّفِينْ..
لمْ لا أكـونُ كأيِّ نفـسٍ فــوقَ هــذِي الأرضِ؟ أعبُدُ شهْــوَتِي..
أحْيَا عـدِيمَ الشّكّ
ممتَلِئاً بآيَاتِ اليقِينْ..
ظِلُّ احْتِضَارِي كانَ
يكبُـرُ تحـتَ شمـسِ العُمْـرِ،
مثلَ الغيمِ تدهَمُهُ رياحُ التّيهِ
في أفْــقِ الظّنُونْ..
أمْحُو، وأكتـبُ دمْعتِي
في أعْيُنِ الإيقاعِ حرفـاً سوفَ
يُبصرُ فيهِ كـلُّ معذّبٍ بعْدِي
ملامِحَهُ سرابـاً مِنْ حنينْ..
ومعَـرَّتِي عِشقٌ
يسافــرُ في دمي مثلَ النّجُوم
مُقـدساً منذُ الأزلْ..
وأنا اختصارُ الحُــزْن
في دنيا المواجعِ لمْ أزلْ..
وأنَا الذي
لمْ تَسْتَعِدْ
فيهِ النّبوةُ شمْسَهَا بعدَ انتشَارِ الليلِ
في زمَنِ الضّلالْ..
وأنَا الذي أنفَقـتُ عُمْـراً
فِي تَرَقُّـبِ مَوعـدٍ حَيٍّ معِي
لمْ يَأْتِ!
كُنتُ أرَاهُ دَوماً كُلّمَا اقتـربَ ابْتَعَدْ...
مازلتُ حتّى الآنَ أشْـربُ حيْرتِي قَلِقاً..
وأسأَلُ: مَنْ أنَا؟
ماذَا جنَيتُ منَ الحيَاةِ، وما جَنَتْ مِنّي
ليَالِيهَا الطِّوَالْ؟..
ماذا تبَقَّى بعدُ منْ رُوحِي لتَأْخُذَهُ
سِوَى تَعَبِي..
ودمعٍ فِي رُفــوفِ الحُـزْنِ تكْتُبُهُ
عيونُ الأمْسِ مِنْ جــرحٍ خَفِيّ لا يُقَالْ..
من سوفَ يبْكِينِي غــداً بعْدَ الرّحِيلْ؟
ومنْ سيَذْكُــرُ غُـرْبَتِي
أبَداً؟
سِوَى كُتُبٍ تهَجّيْتُ الحياةَ بِهَا.. تعبْتُ..
طـرقْـتُ بابَ المُستحِيل..
وهلْ سَيشْرقُ في القصيدةِ
من سيكسِرُ خَيْبَتي
ويعيدُ للنّفْسِ الشّريدَةِ ضَوءَهَـا
المكْبُـوتَ فِي ليلِ الألَـمْ..
هيّا اقْتَـرِبْ
واكْسِرْ بفأسكَ قيْدَ رُوحِي ضُمَّهَا..
واصْعَدْ بها حيثُ الحقِيقَةُ جنَّةٌ
فلَعَلَّ وجْهَكَ وهْوَ يُشْرِقُ فِي دَمِي
يمْحُو اغْتِراباً
سطَّرَتْهُ يَدُ الحَياةِ هَـزَائِماً
لمّا سُرقْـتُ مِنَ العَـدَمْ..
هيّا اقْتَـرِبْ،
واخْتِمْ حيَاتِي أيُّهَا المَوتُ الجمِيلْ..
لا خوفَ بعدَ اليَومِ
منْ شبَحٍ يسيرُ علَى حُـرُوفِي
سَائِلاً عَنْ حِكْمَة الميلادِ..
عنْ موتٍ يحيلُ حقِيقَتِي عَــدماً،
ويمنَحُنِي السّلامِ إلى الأبَـدْ..
لا سـرَّ يمْلأُنِي يقيناً
بعدمَا أمْعَنْتُ فِي شَكِّي سِوى صَوْتٍ،
يُرَدَّدُ فِي دمِي نَاراً،
ويكتُبُ فِي عُـيُـونِ العُمْـرِ آخِـرَ دمْعَةٍ:
(هذا جناهُ أبِي علَيّ، ومَا جنَيْتُ علَى أحَــدْ.)
مارس 2019

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد الساق

avatar

محمد الساق حساب موثق

المغرب

poet-mohammed-al-saq@

19

قصيدة

72

متابعين

محمد الساق شاعر مغربي ولد سنة 1993م،خريج جامعة القاضي عياض بمراكش. المشاركـات: المشاركة في نهائيات جائزة كتارا لشاعر الرسول في دورتها الرابعة (2019)، والتأهل للدور نصف النهائي. المشاركة في مهرجان الشارقة للشعر العربي بالإمارات ...

المزيد عن محمد الساق

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة