الديوان » الإمارات » إبراهيم محمد إبراهيم » حوار ساخن مع البحر

للبَحْرِ زُرْقَتُهُ ..
وللشُّبّاكِ آلاءٌ تدل على النّزيلْ .
والوجْهُ وجْهي ،
حيثُما يمّمْتُ لي وطَنٌ
ولكني أَحِنُّ إلى النّخيلْ .
مازادَني التِّرْحالُ
إلا رَغْبَةً في المُكْثِ ،
لكِني أبَيْتُ المُكْثَ
حتى يُبْعَثَ السِّرُّ الذي دفنوهُ
في جَوْفِ القَتيلْ .
أمضِي ،
وتَتْبَعُني ظِلالُ السَّمْرِ أنَّى رُحْتُ ...
يَدْفَعُني إلَيَّ المُسْتَحيلْ .
بين الشَّبابيكِ التي غادَرْتُها
والبحرِ
سِرٌّ ليسَ تمحوهُ الرِّياحْ .
أشْفَقْتُ من حُمّايَ
ذاتَ صَبيحَةٍ غَيماءَ
مُنْتَصِباً ،
على قدمينِ من ثلْج ٍ
تَكَسَّرَ عندَ أوّلِ نسمةٍ ..
يا بحرُ ،
لاتدع ِ السَّواحِلَ تُشْتَرى
باللُّؤْلُؤِ المسمومِ،
لا تدَع ِ النِّساءَ
يَلُذْنَ بالحُجَج ِ الرَّخيصةِ ،
إذْ يَبُحْنَ بِسِرِّكَ الأَزَلِيِّ
في سوقِ الإماءْ .
لا تُلْقِنا حُمَماً
تَبَدَّدُ في صهيلِ الرِّيح ِ
أُغنِيَةً ..
يُحَرِّفُها السّفيهُ كما يشاءْ .
بينَ الشَّبابيكِ التي غادَرْتُها والبَحْرِ
يلْتَهِبُ الشِّتاءْ .
روحي وروحُكَ يا مُحيطُ
حمامتان ِ
تُرَفْرِفانِ على رُؤوسِ الماكِثينَ
على ظُهورِ مَطِيِّهِمْ .
مُنذُ احْتِواءِ الرِدِّةِ الأولى
وفتْحِ الشّامِ ،
حتى آخِرِ الرِّدّاتِ
في قَرْنِ القُرونِ،
وعودةِ القِرْدِ المُدَلَّلِ
في ثِيابِ الأُسْدِ
قالوا ،
سوفَ يُمْضي ليلةً أو ليلتينِ
فأكرِموا مثواهُ ..
أكْرَمَهُ الحُفاةُ،
وسلَّموهُ الدّارَ والمُفْتاحَ
وانْصَرَفوا ...
والنّوقُ غارِقَةٌ
إلى أعناقِها في الجوعِ
تنْتَظِرُ الخليفَةَ ...
والخليفةُ غارِقٌ
في ثوبِهِ الفَضْفاضِ
ينتَظِرُ السماءْ.
يانوقُ ،
هُزّي جِذْعَ هذا الكَوْنِ ..
تَنْهَمِرُ الجِبالُ عليكِ أودِيَةً
تُزَلْزِلُ هَجْعَةَ التاريخ ِ ،
تَكْنِسُ ماتشاءُ من الغُثاءْ .
أُشْرِبْتُ هذا الحُبَّ ،
حتى صِرْتُ قافِيةً
لكُل حمامةٍ
تَجْتَرُّ غُصَّتَها وتُلحِنُ في الغِناءْ.
أُشْرِبْتُ هذا الحُبَّ ،
من ظَمأِ الصَحارَى ،
من دُموعِ الوَرْدِ ،
من عَبَقِ المساءْ .
أُشْرِبْتُ هذا الحُبَّ ،
حتى عُدْتُ كالطِفْلِ
الذي عَجِزَتْ يداهُ عن الْتِقاطِ النَّجْمِ ،
فالْتَهَبَتْ دِماءُ العَجْزِ في خديهِ ثائِرَةً
وأَجْهَشَ بالبُكاءْ.
يا بحْرُ ،
شُدَّ ‘عباءَةَ اللَّيْلِ الطويلِ إليكَ
علّي أملاُ الكأسَ التي سُكِبَتْ
على ظَمَأِ الأَحِبَّةِ،
من رَحيقِ الفجْرِ
أمْلأُها ضِياءْ.
يا بَحْرُ ،
هلْ لي أن أراكَ
كما يراكَ العاجِزونَ وأستريحْ ؟
ماعدْتُ أحتمِلُ البقاءَ،
فقد تداعى ذلك الطَّوْدُ الجريحْ.
لم يبقَ منهُ سوى الظِّلال ِ علىالرِّمال ِ
ونِصفِ أُغنيةٍ حزينةْ.
لم يبقَ منهُ
سوى التَّرَقُّبِ والسَّكينَةْ.
لم يبقَ منهُ عدا أنينهْ.
للبحرِ زُرْقَتُهُ ،
وللشُّباّكِ آلاءٌ تدُلُّ على النَّزيلْ .
والوَجْهُ وجهي ،
حيثُما يمَّمْتُ لي وطَنٌ ،
ولكنِّي أَحِنُّ إلى النَّخيلْ.
فإِلامَ يَتِّسِعُ الفراغُ ؟
وتنتهي كالطَّيْفِ هاتيكَ السّفينةْ.
وأَظلُّ أسَْقِي ورْدَةً
ذَبُلَ الرَّجاءُ بفرعِها
بينَ السَّنابِكِ والصَّهيلْ.
يابَحْرُ ،
هاتِ يدَيْكَ
إنّي غارِقٌ في البَرِّ
ألْتَمِسُ النَّجاةَ
فَهَلْ إلى مَوْتٍ جديدٍ من سبيلْ ؟
خُذْني إلَيْكَ ،
إلى الجُذورِ ،
وحَرِّرِ الرّوحَ الَسَّجينةْ.
قَدْ ضِقْتُ بالسِرِّ الدَّفينِ من الفِرارِ
وضاقتِ الأَرْضُ الكَبيرَةُ بالقتيلْ .

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن إبراهيم محمد إبراهيم

avatar

إبراهيم محمد إبراهيم حساب موثق

الإمارات

poet-ibrahim-mohammad-ibrahim@

73

قصيدة

72

متابعين

إبراهيم محمد إبراهيم من مواليد،عام 1961 في دبي دولة الإمارات العربية المتحدة . خريج كلية الآداب – قسم اللغة العربية – جامعة بيروت العربية. بدأ بنشر قصائده في الصحف والمجلات الإماراتية في ...

المزيد عن إبراهيم محمد إبراهيم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة