عدد الابيات : 35

طباعة

أسيلوا عليه الدمعَ.. فهوَ بهِ أجْدَى

ولا تَذْخرُوا شكراً.. ولا تذْخروا حَمْدا

فقدْ كان ذا فضْلٍ.. وقد كان ذا هُدىً

يُفيضان للعافين من رَبْعِه رفْدا

ولا قوْلَ إلاّ هدْيُه مترسِّلاً

ولا فعْل إلا رُشْدُهُ الجَمُّ.. مُمْتدّاً

وقدْ كان لا يَسْتشعرُ الفخْرَ بيننا

ولكنّه يستشعرُ الحبَّ والزُّهْدا

ويُغْضِي عن الذمِّ اللئيمِ. ولا يَرى

لصاحبه الجاني عليه به حقْدا!

أأَحمدُ.. كنتَ الرّوضَ فينا.. ثمارُه

وأزهارُه كانت لنا النّفْحَ والرّغْدا

فَصوَّحَ هذا الرّوْضُ.. جَفَّ نَميرُه

فلمْ نَلْقَ طعْماً لذّ فِيهِ ولا وِرْدا

لقد كنتَ فيه بُلبلاً مُتَفَرِّداً..

بأَنْغامِه يُشْجِي بها المجْدَ والوَجْدا

فأجْدبَ هذا الرّوْضُ بَعْدكَ باكياً

على طيرهِ الشادِي الذي سكَنَ اللّحْدا

ونحْنُ كمِثْلِ الطّيْرِ نشكُو فِراقَهُ

حنيناً إليهِ.. في المَراحِ وفي المَغْدَى

ونَذْكُرُه فينا شَذىً متضوِّعاً

يفوحُ.. فيَسْتَهْدِي به السائرُ القَصْدا

وما كان إلاُ الرُّمْدُ مَنْ لا يَرَوْنَهُ

ضياءً.. فما أشقى بإنْكارِه الرُّمْدا

ترفَّعَ عن نَهْجِ الغُواةِ تزهُّداً

ولم يَتَنفَّجْ كبرياءً ولا كَيْدا

فإنْ قلْتُ فِكْراً. فهو فيهِ محلّقٌ

وإن قلْت حِسّاً. فارْقُبِ الجَزْرَ والمَدَّا

هُما كِفَّتا فِكْرٍ وحِسٍّ تهَاطَلا

بغَيْثٍ.. حَمِدْنا قَبْلَه البَرْقَ والرّعْدا

وهل تُنْبِتُ الآلاءَ إلاّ هَوَاطِلٌ

عَمَتْ نَحْسَنا عنَّا وأبْدتْ لنا السَّعْدا!

أَأَحْمَدُ.. يا رُبَّ امْرِىءٍ مُتميِّزٍ

يُنَوِّرُ لحْداً مِثْلَما يُطْرِبُ المَهْدا

وقَدْ كُنْتَهُ شيخاً.. وقَدْ كُنْتَهُ فَتًى

فَمَا أَكْرَمَ المَثْوى. وما أكْرَمَ الخُلْدا

عسَاني إذا ما شاءَ رّي تباركَتْ

آيادِيه.. كم أَجْدَى علينا. وكم أسْدَى

رَحِيليَ.. أنْ أَلْقى لديه فواضلاً

وإن كنتُ لم أرْعَ الذّمامَ ولا العَهْدا

وأَنْ أَتَلاقَى والكرامَ من الأُلَى

تسارَعْنَ قبلي للرّحيلِ الذي أَرْدى

فكم أَشْتَهِي. والدمعُ يذرفُ والمُنَى

تُجاذِبُني شوقاً.. وتُخْلِفُنِي الوَعْدا

لِقائِي بهِمْ في مَوْطِن الخُلْدِ.. لا أَسىً

بهِ أو وَنىً يُضْنِي المساعيَ والجهْدا

ترقَّبْتُهُ يوماً فيَوْماً.. فَلَمْ يَفىءْ

إِليَّ.. ولكنْ سامَني النَأي والصَدَّا

ووَلَّى وأَبقى الهَشَّ.. ما يَسْتويَ بِهِ

وقَدْ لانَ –عُودِي لَيْتَه تركَ الصَّلْدا

فَعُدْتُ وما أقْوى على السّيرِ قابعاً

بِدارِي. فلا جَذْباً أطيقُ ولا شَدَّا

وعُدْتُ وفي حَلْقي من الصّابِ غصّةٌ

وفي مُهْجَتي من بَعْدِ ما طَعِما.. شُهْدا

مَتَى يَجْتَوِ المَرْءُ الحياةَ يَجِدْ بها

مَرَازِىءَ تُنْسِيه المباسِمَ والنَّهْدا

وكيْفَ.. وقد أَصْلَى الفِراقُ بِنَارِه

حناياهُ.. حتَّى ما يطيقُ لهُ وَقْدا

وقد خانَهُ حِسٌّ.. وقد خانَهُ حِجًى

فلمْ يُبْقِيا حَيْلاً ولمْ يٌبْقِيا رُشْدا

وكان له رَهْطٌ نِدادٌ.. فلم يَعُدْ

له مثلهمْ. فهوَ الذي افْتقَدَ النِّدا

كمَا افْتقَدَ اللَّذْوَى. كما افْتقَدَ الكَرَى

بشَيْخُوخَةٍ تَطْوِي المواجعَ والسُّهْدا!

سَلامٌ على الدّنيا.. سَلامُ مُودِّعٍ

تطلَّعَ للأُخْرَى. لمَوْلاهُ واسْتَجْدَى

على أنَّهُ ما كان في مَيْعَةِ الصِّبا

صبُوراً على رَيْب الزمان ولا جَلْدا

عساهُ بعَفْوٍ منه يَنْجُو من اللَّظَى

فما أكْرم المَوْلى وما أَفْقَرَ العَبْدَا!!

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد حسن فقي

avatar

محمد حسن فقي حساب موثق

السعودية

poet-mohamed-hassan-faqi@

99

قصيدة

128

متابعين

محمد حسن بن محمد بن حسين فقي،أديب وكاتب وشاعر سعودي. ولد في مدينة مكة المكرمة سنة 1914م، تلقى علومه بمدرستي الفلاح بمكة المكرمة، وجدة، وتخرج من مدرسة الفلاح بمكة المكرمة.وثقف نفسه ...

المزيد عن محمد حسن فقي

أضف شرح او معلومة