يال قُيودي من قُيودٍ ثِقالْ
أَرْسُفُ منها في لُغُوبٍ شديدْ!
كأَنَّني أَحْمِلُ منها الجِبالْ
ولَيْسَ لي عن حَمْلِها مِن مَحِيدْ..!
***
كأَنَّني أَحْمِلُ منها الرِّثاءْ
لعالَمٍ يَشْقى بما يَصْنَعُ..!
ما كانَ أَحْرَاهُ بِصُنْعِ الهَناءْ
فالرَّوْضُ لا يَفْضُلُه البَلْقعُ..!
***
قُلتُ لِنَفْسي وهي تّذْرِي الدُّمُوعْ
وما تَرى في جَنبِها مِن رَفِيقْ..!
تَبَصَّري في كلِّ هذي الرُّبوعْ
أَثَمَّ فيها غَيْرُ هذا الطَّريقْ؟!
***
هذا الطَّريقُ الوعر ما يَسْتَوِي
عليه.. رَغْمَ الدّجْنِ يَلْوي المَسِيرْ!
إلاَّ الذي غامَرَ ما يَنْتَوِي
إلاَّ التَّسامي. وشُموخَ المَصِيرْ!
***
ما أَرْهَبَ الدَّرْبَ على أنَّه
دربوإنْ أَظْلَمَ– دَرْبٌ قَوِيمْ!
مَشى به قَوْمٌ فَأَلْفَيْنَهُ
يُفْضي –وإنْ أَضْنى– بهم للنَّعِيمْ!
***
سَلَكْتُهُ والنَّاسُ حَوْلي تَرى
أنِّي عَمِيٌّ.. وهُمُ المُبْصِرون!
يا لَيْتَني أَرْقى لِشُمِّ الذُّرى
به.. ولّوْ كانَ شَمُوساً حَرُون!
***
أُحِسُّ في غَوْرِ ضَمِيري هَوىً
إلى نَقاءٍ من ضروب السَّوادْ!
كانتْ رُكاماً من أَثامٍ ثَوى
به. فأشْقَتْني وخِفْتُ المَعادْ!
***
قامَ صِراعٌ بَيْنَنا عاصِفٌ
ما بَيْن نَصْرٍ وانْهِزام مُخِيفْ!
أَنا به مُنْطَلِقٌ.. راسِفٌ
وَطِربٌ حِيناً. وحِيناً أسيفْ!
***
وقُلْتُ. هل أَغْدو بهذا الصِّراعْ
شلْواً.. وإلاَ فأَنا الظَّافِرُ!
هذا مَصِيري.. وَيْلَ صَرْعى النَِزاعْ
من حُفْرَةٍ يَثْوِي بها الخاسِرُ!
***
وقُلْتُ.. يا رُبَّتَما خاسِرٍ..
.. أَحْظَى من الرَّابِحِ في بَعْضِ حينْ!
إنْ كان لا يَيْأَس من حاضِرٍ
يَنالُ منه الرِّبْحَ. رِبْحَ اليَقينْ!
***
فَرُبَّ رِبْحٍ كان فيه الطَّوى
لِلرُّوح. والتخمَةُ للهَيْكَلِ
ومَا أَرَى فِيه لِمثْلِي اعتلاءْ
.. بَلَ إنّه المُفْضِي إلى الأَسْفَلِ
فَلَيْس رِبْحُ الأرْضِ مِثْلَ السَّماءْ
وليْسَتِ البُومةُ كالأَجْدَلِ!
***
مَنْ أنا يا نَفْسي. لقد هالني
مما أُقاسِيهِ شُواظُ اللَّهيبُ!
لَشَدَّ ما يَقْسُو الذي نالَني
من حَيْرةٍ تَدْفَعُني لِلْقَلِيبْ!
***
فهل أَنا وَحْدِي الَّذي أَنْتَهي
دُونَ سِوائِي لِلْعماءِ الرَّهِيبْ؟!
أَعْرِفُ ما يَنْفَعُ.. ما أَشْنَهِي
وأَنْثَنِي عنه إلى ما يُرِيبْ!
***
يالَ قضاءِ القادِرِ العاجزِ
مِن يَوْمِهِ.. من غّدِهِ المُلْتَوى!
فَليْس بالرِّاضي ولا النَّاشِز
وليس إلا الواهِمَ المُكْتَوى!
***
هل ثمَّ في الدُّنيا كهذا الجوى
يُذِيبُ مَن لم يحْتَفِلْ بالهوى؟!
ما ذاقَه لُقْيا.. وذاقَ النَّوى
فما اهْتَدى يَوْماً.. ولكنْ غوى!
***
أَحْسَبُني لُغْزاً فما يَهْتَدي
لِحَلِّه بَرُّ ولا فاجِرُ.. ..!
أَوَّلُه يَسْدُرُ في غَيْهَبٍ
وما لَهُ في مَشْمِسٍ آخِرُ..!
***
فهل له في مُلْهِمٍ يَسْتَوِي
بِفِكْرِهِ فَوْقَ مَسارِ النُّجومْ؟!
يَشْفِي الفُؤادَ اللاغب المُنطوِي
على كُلُومٍ فَتَّحَتْها السُّمومْ!
***
لو أَنّني أَلْقاهُ أَعْطَيْتُهُ..
.. نَصْفَ حَياتي. وهو شِعْرٌ هَزِيلْ!
وإنْ أَبى الصَّفْقَة أَغْرَيْنُه
بها جميعاً. فهي حَمْلٌ ثَقِيلٌ!
***
رُبَّ حياةٍ أصْبَحَتْ نِقْمَةً
على الذي عانى بها شِقوَتَيْنْ!
عانى بها نَبْذَ الهوى مَرَّةً
والغَيِّ أُخْرى فَهوى مَرَّتَيْنْ!
محمد حسن بن محمد بن حسين فقي،أديب وكاتب وشاعر سعودي. ولد في مدينة مكة المكرمة سنة 1914م،
تلقى علومه بمدرستي الفلاح بمكة المكرمة، وجدة، وتخرج من مدرسة الفلاح بمكة المكرمة.وثقف نفسه ...