أَتَظُنِّين أنني سوف أَسْلو بعد طُول النَّوى وطول التَّجنِّي؟! كيف هذا الظَّنُّ المُريبُ ومالي من حياةٍ إذا تَباعَدْتِ عنِّي؟! أَفما تعرفين أنَّكِ يا أَنْتِ هوايَ الذي يُؤَرِّقُ عَيْني؟! وهوائي الذي أَشُمُّ فأحيا إن تَنَشَّقْتُه. وِريِّي ودَنِّي؟! فَدَعيني يا ربَّةَ الحُسْنِ والدَّلِّ دَعيني من بعد حُزْني أُغَنِّي! *** أنا في غَمْرةٍ من اليأْسِ تُذْوِي من حَياتي جَوىٌ. وتَهْدِم رُكْني! غير أنِّي جَلدٌ. ولا أقبل الذلَّ ولو كانَ في مباهِجِ عَدْنِ! أنا كالمُزنِ في الصَّفاءِ وفي البذْلِ وفي الرَّوْعِ كالحُسامِ المُرنِ؟! لا تَظُنِّي الهوى هَواكِ وإن كانَ عَصُوفاً يَطْوي الكرامةَ مِنِّي! لا. فإنِّي أطيق من صَبْوَتي الدَّلَّ يُناغِي. ولا أطيقُ التَّجنِّي! *** أنا لا أُنْكِرُ الصَّبابَةَ تَطْويني وتُغْري بِيَ الجوى والسُّهادا! فإذا بي الكئيبُ بين الأناسِيِّّ نَشاوى.. الشَّجِيُّ يَشكو البِعادا! وكانِّي مُزارعٌ بدَّدَ الدَّهْرُ أمانِيَّهُ فَأفْتى الحَصادا..! هم يُناجُونَ زيْنَبا تَتَجلَّى فِتْنَةً تَسْلِبُ العُقولَ الرَّشادا! فَتُناجي.. ولا تَغُولُ الأحاسيسَ وتُبْدي.. ولا تَمُنُّ.. الودادا! ولقد تَعْجَبُ الرَّبابَ وهِنْداً يَتَأَلَّقْنَ بالنَّدى.. وسُعادا! إنَّهُنَّ الظِّباءُ لا ساخِراتٍ بالهوى العَفِّ يَسْتَمِيلُ الفُؤادا! ويُضِيءُ النُّهى فَتَشْدوا بما راعَ وما يَسْتَرقُّ حتى الجَمادا! باحْتِشامٍ يَطِيبُ للشَّاعِرِ الشَّادي بهذا الهوى. فلا يَتمادى! لَتمَنَّيْتُ أَنْ تسيري على النَّهْجِ قَويماً.. فَتَمْلِكينَ القِيادا..! *** لا تَظُنِّي الأنِينَ يَبْدو ولا الشَّكْوَى فإنِّي جَلْدٌ على البُرحَاءِ! قادِرٌ أَنْ أُجَمِّدَ الدَّمْعَ في العَيْن. وأّطْوِي عَنِ الأَنامِ بُكائي! وإذا عَزَّني الوُصًولَ فإنِّي أَكْتَفي بالعَزاءِ دَونَ الشِّفاء! إنَّ في هذه الرُّبوعِ كثيراتٍ يُرَجيِّن صَبْوتي وإبائي! ولقد تّنْدَمِينَ أّنَّكِ بالَغْتِ فأدْمَيْتِ بالنَّوى كِبْرِيائي! فَتَنَاءَيْتُ باعْتِزازٍ عن الحُبِّ وما أكْرَمَ الهوى بالتَّنائي! هل تَطِيقينَهُ؟! وقد آثَرَ النَّأيَ حَبيبُ السَّرَّاءِ والضَّراءِ؟! واسْتَوى عِنْدَكِ المُراؤونَ في الحُبِّ. وما أَتْعَسَ الهوى بالرِّياءِ! بَعْد حِين سَيَصْدِفُونَ إلى الحُبِّ الذي لا يَلِيقُ بالشُّرَفاء! لِلْغواني الأُلى يتاجِرْنَ بالحُبِّ وما يَبْتَغِينَ غَيْرَ الثَّراءِ! ولقد تَعْصفُ النَّدامةُ بالحُسْنِ ويَلهُو بلاؤُها بالرُّواءِ! فاذْكُري الماضِيَ الوَضِيءَ تَوَلَّى عن حَضيضٍ. وراكِضاً للسَّماءِ! واذْكُري الحاضِرَ الدَّجِيِّ وما فيه سوى كلِّ حِطَّةٍ واجْتِواءِ! النَّسيمُ العليلُ راحَ وخلاَّكِ لِقَفْرٍ تجِيشُ بالرَّمضاءِ..! فأنا منه في انْتِشاءٍ وأَمَّا أَنْتِ فلْتَنْعمي بِنُعْمى الجَفاءِ! لَسْتُ بالشَّامِتِ الجَرِيحِ من الدَّرْكِ. فإنِّي كالقِمَّةِ الشمَّاءِ! قد تَركْتُ الهوى الظَّلومَ وأَفْضَيْتُ بِقَلْبي إلى الهوى الوضَّاءِ! تَتَسامى به النُّهى ويَسْتَشْرِفُ الحِسُّ بأشواقِه إلى العَلْياءِ! *** رُبَّ طُهْرٍ يَرْنُو لِحواءَ حُبّاً ثم يَرْنُو سُخطاً إلى حوَّاءِ!
محمد حسن بن محمد بن حسين فقي،أديب وكاتب وشاعر سعودي. ولد في مدينة مكة المكرمة سنة 1914م،
تلقى علومه بمدرستي الفلاح بمكة المكرمة، وجدة، وتخرج من مدرسة الفلاح بمكة المكرمة.وثقف نفسه ...