الديوان » لبنان » فوزي المعلوف » لا القبر مسحور ولا في بابه

عدد الابيات : 48

طباعة

لَا القَبْرُ مَسْحُورٌ وَلَا فِي بَابِهِ

رَصَدٌ يَذُودُ هُنَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ

لَكِنَّ فِيهِ حُرْمَةً مَدْفُونَةً

هِيَ حُرْمَةُ المَدْفُونِ بَيْنَ رِحَابِهِ

فِي ذِمَّةِ القَبْرِ الوَفِيِّ مُكَفَّنٌ

لَا يُسْتَبَاحُ قُبَيْلَ يَوْمِ حِسَابِهِ

نَصَبَتْهُ أَوْصَابُ الحَيَاةِ فَعَافَهَا

مُسْتَشْفِيًا بِالمَوْتِ مِنْ أَوْصَابِهِ

فِي مَخْدَعٍ تَقِفُ النَّوَائِبُ عِنْدَهُ

مَشْلُولَةً وَتَغُورُ تَحْتَ قِبَابِهِ

يَلْقَى بِهِ العَاتِي نَذِيرًا عَاتِيًا

وَيَرَى بِهِ العَانِي مَحَطَّ رغابِهِ

لَيْسَتْ تخيرُ الروحُ غيرَ سكونِهِ

لَوْ خُيِّرَتْ وَالجِسْمُ غَيْرَ تُرَابِهِ

فَدَعِ الدفينَ يَنَامُ مِلءَ جُفُونِهِ

فِي نعشِهِ، وحذارِ مِنْ إِغْضَابِهِ

حَرَمٌ عَلَيْكَ رُفَاتُهُ فَارْبَأْ بِهِ

وَارْبَأْ بِنَفْسِكَ مِنْ مَسَاسِ نِقَابِهِ

إِنَّ المُغِيرَ عَلَى القُبُورِ وَأَهْلِهَا

يَغْدُو الرَّدَى المَحْتُومُ بَعْضَ عِقَابِهِ

إِنْ يَنْجُ مِنْ صَمْصَامِهِمْ وَذُبَابِهِ

لَمْ يَنْجُ مِنْ غَضَبِ الثَّرَى وَذُبَابِهِ

هَذَا الدَّفِينُ وَإِنْ ثَوَى ذُو صَوْلَةٍ

مَا فُلَّ سَيْفٌ زُجَّ ضِمْنَ قِرَابِهِ

أَتُبِيحُ نَفْسَكَ للرَّدَى مُتَعَمِّدًا

فَيَنَالُهَا، وَتَحَارُ فِي أَسْبَابِهِ

مَنْ رَاحَ يَقْتَحِمُ الخِضَمَّ مُكَافِحًا

أَمْوَاجَهُ دَفَنَتْهُ طَيَّ عُبَابِهِ

وَمُدَغْدِغُ الثُّعْبَانِ دَاخِلَ جُحْرِهِ

مُسْتَهْدِفٌ عَمْدًا لسُمِّ لُعَابِهِ

وَمُرَوِّعُ الضِّرْغَامِ فِي عِرِّيسِهِ

يَهْوي فَرِيسَةَ مِخْلَبَيْهِ وَنَابِهِ

دَعْ لِلقَضَاءِ كِتَابَهُ يَقْضِي بِمَا

يَقْضِي فَلَسْتَ رَهِينَ أَمْرِ كِتَابِهِ

مَا كَانَ سَعْدُكَ مِنْ صُدَاحِ هَزَارِهِ

أَوْ كَانَ نَحْسُكَ مِنْ نَعيبِ غُرَابِهِ

كَلَّا وَلَا أَولاكَ مَاءَ غَدِيرِهِ

غَيْرُ الَّذِي أَوْلَاكَ لَمعَ سَرَابِهِ

حُكْمُ الرَّدَى فِي الكَوْنِ حُكْمٌ مُبْرَمٌ

وَلَوِ اعْتَصَمْتَ بِنَجْمِهِ وَسَحَابِهِ

لَكِنَّ مَنْ يَقْضِي بِعَجْزِ مَشِيبِهِ

غَيْرُ الَّذِي يَقْضِي بِزَهْوِ شَبَابِهِ

إِيهٍ أَخَا اللُّوردَاتِ كَعْبَةَ فَخْرِهِمْ

وَمُحَلِّيَ الأَنْسَابَ مِنْ أَحْسَابِهِ

تَاللهِ مَا أَنَا شَامِتٌ بِمُلِمَّةٍ

طَعَنَتْ صَمِيمَ العِلْمِ فِي أَعْصَابِهِ

نَزَلَتْ عَلَيْكَ فَغَيَّبَتْ بِكَ كَوْكَبًا

سَرْعَانَ بَيْنَ سُطُوعِهِ وَغِيَابِهِ

رُمْتَ الخُلُودَ وَقَدْ خَلَدْتَ وَإِنْ تَكُنْ

ذَهَبَتْ حَيَاتُكَ فِي سَبِيلِ طِلَابِهِ

مَا مَاتَ مَنْ مَلَأ المَجَالِسَ ذِكْرُهُ

وَحَبَاهُ كُلُّ الكَوْنِ مِنْ إِعْجَابِهِ

لَمْ تَأْلُ فِي وَادِي المُلُوكِ مُنَقِّبًا

فِي سَفْحِ قِمَّتِهِ وَرَأْسِ هِضَابِهِ

حَتَّى وَقَعْتَ عَلَى دَفِينِ كُنُوزِهِ

وَأَذَعْتَ آيَ حِجَابِهِ وَعُجَابِهِ

أَشْرَفْتَ مِنْهُ عَلَى القُرُونِ خَوَالِيًا

فَأَعَدْتَ مَاضِيهَا عَلَى أَعْقَابِهِ

وَرَأَيْتَ فِي التَّارِيخِ أَكْبَرَ ثَلْمَةٍ

وَأَضَفْتَ أَبْوَابًا إِلَى أَبْوَابِهِ

فَسَمَوْتَ بِالوَادِي إِلَى أَسْمَى الذُّرَى

لَكِنْ جَنَيْتَ عَلَى نَزِيلِ شِعَابِهِ

وَلَوِ اكْتَفَيْتَ بِسَلْبِ كُلِّ كُنُوزِهِ

وَمَتَاعِهِ وَطَعَامِهِ وَثِيَابِهِ

لَعَفَا وَلَمْ يَحْقِدْ عَلَيْكَ وَإِنَّمَا

حَدَّثْتَ نَفْسَكَ بِانْتِهَاكِ حِجَابِهِ

أَيُهَانُ فِرْعَوْنُ الكَبِيرُ بِقَبْرِهِ

وَهُوَ العَزِيزُ بِمُلْكِهِ وَجَنَابِهِ

أَفَمَا رَأَيْتَ أَمَامَهُ وَحِيَالَهُ

حرسَ البَلَاطِ مُدَجَّجًا بِحِرَابِهِ

وَرَأَيْتَ «أَنُّوبيسَ» فِي نَاوُوسِهِ

مُتَحَفِّزًا، وَ«أمونَ» فِي مِحْرَابِهِ

هُوَ صَامِتٌ لَكِنَّهُ فِي صَمْتِهِ

أَقْوَى وَأَبْلَغُ مِنْهُ فِي إِعْرَابِهِ

أَعْيَى الفَنَاءَ فَلَمْ يَنَلْهُ وَلَمْ يَزَلْ

مُتَأَلِّقَ اللَّمَعَانِ نُورُ إِهَابِهِ

الروحُ حَائِمَةٌ عَلَى تَابُوتِهِ

وَالجِسْمُ رَطْبُ العودِ فِي جِلْبَابِهِ

مَضَتِ القُرُونُ عَلَيْهِ وَهْوَ كَأَنَّهُ

بِالأَمْسِ حَطَّ هُنَاكَ يُمْنَ رِكَابِهِ

فترى اللَّظَى مُتَنفِّسًا بطعامِهِ

وَتَرَى الحبَابَ مُشَعْشِعًا بِشَرَابِهِ

وَكَأَنَّهُ فِي قَصْرِهِ لَا قَبْرِهِ

مُتَرَبِّعٌ بِالعِزِّ فَوْقَ وِثَابِهِ

وَالعِلْمُ مِنْ كُهَّانِهِ، وَالمَوْتُ مِنْ

حُرَّاسِهِ، وَالدَّهْرُ مِنْ حُجَّابِهِ

مَهْلًا بَنِي «التاميز» في غُلوَائِكُمْ

فَالظُّلْمُ كَمْ يَجْنِي عَلَى أَرْبَابِهِ

أَقْلَقْتُمُ فِي البَحْرِ حُوتَ عُبَابِهِ

وَذَعَرْتُمُ فِي البَرِّ قَسْوَرَ غَابِهِ

وَثَلَلْتُمُ فِي الأَرْضِ عَرْشَ مُلُوكِهَا

وَنَزَعْتُمُ في الجَوِّ حُكْمَ عُقَابِهِ

وَسحقْتُمُ الشعْبَ الضعِيفَ بجَوْرِكُمْ

ووضعتُمُ الأَغْلَالَ فَوْقَ رِقَابِهِ

فَدَعوا المُكفَّنَ آمِنًا تَحْتَ الثَّرَى

بَعْدَ الجِهَادِ وَبَعْدَ طُولِ عَذَابِهِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن فوزي المعلوف

avatar

فوزي المعلوف حساب موثق

لبنان

poet-fawzi-maalouf@

30

قصيدة

65

متابعين

فوزي بن عيسى إسكندر المعلوف شاعر لبناني ولد في زحلة في 21/5/1899. أتقن الفرنسية "وهو زهرة منتقاة من الطبعة النبيلة في أمته، إذ يمتُّ بنسبه إلى أسرة عريقة في القدم، ...

المزيد عن فوزي المعلوف

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة