الديوان » أبو الحسنى » كَتَبَت دِمِشقُ عُهُودَ مَوصِلِ مَريَمِ

عدد الابيات : 88

طباعة

كَتَبَت دِمِشقُ عُهُودَ مَوصِلِ مَريَمِ

بِالإِيمَرِيَّةَ فَالأَزِقَّةُ تَعلَمِ

سَرَحَت عَلَى أَعتَابِ دَارِكِ مُقلَتيِ

فَتَذَكَّرتُ عَهدَ الوِصَالِ بِمَعلمِ

يَا دَارُ نَادِ الأَهلَ بَعدَ رَحِيلِهِم

إِنَّ الحِجَارَةَ بِالجَفَا تَتَأَلَّمِ

أَم لَا يَحِنُّ لَكَ الجُفَاةُ لِلَحَظةٍ

كَي لَا تُلَبِّي الاِستِغَاثَةَ مَريَمِ

غَنُّوا العَتَابَا لَيتَهَا ابنَةَ خَالِدٍ

بِاللَّحنِ تَشتَاقُ أَو تَتَنَدَّمِ

رَاحَت مَعَ القَومِ الَّذِينَ تَشَتَّتُوا

عَن دُورِهُم بِالشَّامِ بَعدَ تَهَجُّمِ

نَظَرَاتُهَا لَمَّا الرِّحَالُ تَهَيَّأَت

كَانَت كَوَقعِ مَضَارِبٍ تَتَهَكَّمِ

قَالَت عَلَيَّا لَا تَلُم أَو تَبتَئِس

فَاليَومُ لَا يُجدِي مَلَامُ مُلَوِّمِ

فَأَجَابَت العَينَانِ دَمعًا جَارِيًا

وَبَقَى اللِّسَانُ لِذَاكَ لَا يَتَكَلَّمِ

وَوَقَفتُ أَبكِي الأَهلَ بَعدَ رَحِيلِهِم

وَالدَّارُ جَنبُهُ مُرشَقٌ مُتَحَطِّمِ

وَلِقَاؤُنَا قُدَّامَهُ بَينَ الفِنَا

وَالوَردُ كَانَ يَحُفُّنَا وَيُجَمِّمِ

وَاليَاسَمَينُ يَهِبُّ فَوحُهُ رَائِجًا

إِذمَا هَفَت رَيدَانَةٌ تَتَنَسَّمِ

مِن فَوقِنَا أَغصَانُ بَانٍ تَنثَنِي

وَالطَّرنِجَانُ بِعُشِّهِ يَتَرَنَّمِ

وَجِنَانُ سَاحَاتِ الدِّيَارِ بِصَدرِهَا

نَافُورَةٌ رَقرَاقَةٌ تَتَغَمغَمِ

بِالرَّبوَةِ اعتَدنَا اللَّقَاءَ بِسَفحِهَا

يَومَ العَرُوبَةِ وَالهَوَاءُ يُنَسِّمِ

يَجرِي بِهَا بَرَدَى بِسِحرِ مِيَاهِهِ

وَتَرَى الجِبَالَ بِخُضرَةٍ تَتَلَثَّمِ

قَالَت لِتَقطُف لِي مِنَ التُّوتِ الَّذِي

تَتَهَدَّلُ الحَبَّاتُ فِيهِ وَتُطعِمِ

فَقَطَفتُ لِي وَلَهَا مِنَ التُوتِ الغِنَى

نِعمَ القَطِيفَةُ مَا تَزِيدُ وَتَعظُمِ

أَطَعَمتُهَا الحَبَّاتِ فِي فَمِهَا سِوَى

خَمسٍ لِأُطعَمَ مِن يَدَيهَا فِي فَمِي

مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ أُقَبِّلُ ثَغرَهَا

وَأَذُوقُ مِنهُ التُوتَ نِعمَ المَطعَمِ

قَبَّلتُ فَاهَا تِسعَ عَشرَةَ قُبلَةً

بِثَنِيَّةِ الفَمِ ذَالِكَ المُتَبَسِّمِ

حَتَّى وَإِن أَتمَمتُ عِشرِينَ استَقَرَّ

لِسَانُهَا بِفَمِي وَطَرفُهُ مُلقَمِ

بَيضَاءُ عَبهَرَةٌ خُضُلَّةُ بَشرَةٍ

مَرمَارَةٌ مِفنَاقُ عُودٍ غَيلَمِ

غَيدَاءُ رَحبَلَةٌ وَغَيرُ مُفَاضَةٍ

أَبدَانُهَا مَلسَاءُ جَارِيَةُ الدَّمِ

رَجرَاجَةٌ مَا عَابَهَا تَجعِيدَةٌ

وَإِذَا مَشَت صَرَفَت نَوَاظِرَ مُغرَمِ

وَلَهَا مِنَ الأَثدِي أَحَاسِنُ قَطفِهَا

إِذ يَملَآنِ الكَفَّ دُونَ تَعَظُّمِ

لَم تَلقَ تَطرِيَةٍ عَلَى أَبدَانِهَا

وَالحُسنُ فِيهَا فِطرَةٌ عَلَيهَا تُفطَمِ

وَيَفُوحُ مِنهَا كُلُّ طِيبٍ مِثلَمَا

يَشذُو الخُزَامَى مِن حَدَائِقِ هَرلَمِ

أَهدَابُهَا مِن غَيرِ كُحلٍ كُحِّلَت

كَالهُدبِ فِي عَينِي مَهَاةٍ أَفحَمِ

حَدَقَاتُهَا مُخضَرَّةٌ كَزُمُرُّدٍ

فِيهَا تَلَألَأَ دُرُّهُ كَالأَنجُمِ

نَكعَاءُ قَد يَنَعَت بَوَاطِنُ خَدِّهَا

وَكَأَنَّ فِيهَا الزَّعفَرَانَ مُفَعَّمِ

فَرعَاءُ مَضفُورٌ مُثَنَّى شَعرُهَا

مُصفَرَّةُ الخُصَلِ اصفِرَارَ الكُركُمِ

وَالشَّوقُ يُضرِمُ بَينَ أَضلُعِي لَظًى

تَغلِي صَبَابَةَ مُهجَتِي وَتُأَجِّمِ

قُولُوا لِمَريَمَ أَنَّنِي مُستَنظِرٌ

بِالشَّامِ عَودَةِ أَهلِهَا بَمُخَيَّمِي

هَل نَلتَقِي فِي غُوطَةٍ شَرقِيَّةٍ

غَيرَ الَّتِي بِالشَّامِ أَو نَتَلملَمِ

هَل نَلتَقِي بِدِمِشقِنَا وَالشَّامِ أَم

بَعَدَت عَلَينَا شُقَّةٌ فِي المَصرِمِ

أَمشِي مُكِبًّا فِي الأَزِقَّةِ بِالبُكَا

وَأَقُولُ أَينَ الدَّارُ بَعدَ تَوَهُّمِ

أَضحَت دِيَارُ القَومِ بَعدَ عَمَارِهَا

تَحتَ المَجَانِقِ تُستَبَاحُ وَتُردَمِ

وَالعَينُ كَيفَ لَهَا بِأَن تَلقَى الكَرَى

وَدِمِشقُ هَذَا سُورُهَا مُتَهَدِّمِ

كَم مِن وَقَائِعَ قَد لَقَاهَا سُورُهَا

وَزَمَانُنُا فِيهِ البَلَاياَ تَفقُمِ

كُلُّ المَبَانِي مَا لَهَا لَا تُرتَضَى

بَاتَت قِفَارًا خُرِّبَت بِتَهَجُّمُ

مِن بَابِ شَرقِيٍّ دَخَلتُ مُغَاضِبًا

وَدِمِشقُ كَيفَ غَدَت لِمَن يَتَرَسَّمِ

سَمُّوهُ شَرقِيًّا عَلَى الشَّمسِ الَّتِي

بِهِ أَشرَقَت وَاليَومَ هَا تَتَجَهَّمِ

حَدَثَّتُ رَسمَ الدَّارِ بَعدَ تَهَدُّمِ

مَن ذَا اجتَنَى فِيكَ الصُّرُوفَ وَهَدَّمِ

هُوَ لَم يُجِب عَمَّا يُقَالُ وَكَيفَ لَا

أَيُجِيبُ دَارٌ قَد هَوَى وَتَلَدَّمِ

وَالسَّيرُ أَوصَلَنِي لِغَربِ السُّورِ فِي

أَسوَاقِ جَابِيَةَ الَّتِي تَتَرَمَّمِ

هَل يَنفَعُ التَّرمِيمُ بَعدَ تَفَرُّقٍ

لِلأَهلِ بِالأَرجَاءِ دُونَ تَلَملُمِ

وَالدَّارُ دُونَ الأَهلِ يُصبِحُ قَفرَةٍ

حَتَّى وَإِن كُنَّا بِجَنَّةِ أَرأَمِ

وَتَرَى عُهُودَ الأَمسِ كَيفَ تَقَلَّبَت

وَعَزِيزُ أَزمَانٍ ذَلِيلٌ مُرغَمِ

وَإِذَا تَكَالَبَتِ الضِّبَاعُ بِضَرغَمِ

فَاللَيثُ مِن ذَنَبَاتِهِم قَد يُهزَمِ

يَتَحَالَفُ الأَعدَا عَلَيكَ لَعَلَّهُم

يَومًا يُدَارُونَ المُصَابَ الأَقدَمِ

فَاذكُر شُعُوبَ الرُوسِ يَومَ لِقَائِهِم

بِجَنُوبِ أَرضِ القَبقِ إِذ هِيَ تُدهِمِ

حَقَدُوا عَلَى الجَرَّاحِ بَعدَ دَحرِهِم

بِهَزِيمَةٍ هُم وَالسَّلَافِ تُوَصَّمِ

ضَمُّوا أُلُوفَ الجُندِ يَومَ كَرِيهَةٍ

حِينَ اعتَدُوا دَهمًا بِأَرضٍ تُسلِمِ

قَتَلُوا هُنَاكَ المُسلِمِينَ فُجَاءَةً

وَسَبُوا النِّسَاءَ فَحُقَّ رَدُّ المَظلَمِ

بِالأَردَبِيلِ تَقَاتَلَ الحَكَمِيَّ فِي

جَيشٍ قَلِيلٍ لَيسَ فِيهِ تَجَشُّمِ

لَم يُدبِرِ الجَرَّاحَ مِن أَرضِ الوَغَى

بِالرَّغمِ أَنَّه بِالهَزِيمَةِ يَعلَمِ

قَتَلُوهُ دَهمًا ثُمَّ بَادُوا جَيشَهُ

وَالحَقُّ لَا يَفنَى وَإِن يَتَكَتَّمِ

وَاليَومُ كَالأَمسِ القَرِيبِ استَفرَدُوا

بِالشَّامِ وَالبُلقَانِ بَعدَ تَقَسُّمِ

عَاثُوا فَسَادًا فِي دِمِشقَ وبُسنَةٍ

والنَّارُ فِي الأَوطَانِ أَمسَت تُضرِمِ

بِشَمَالِ أَرضِ الشَّامِ نَارٌ أُضرِمَت

عَرَبٌ وَبُشنَاقٌ هَوُوا فِي المَضرَمِ

هَل هُم لِمَسلَمَةٍ نَسُوا أَم قَد نَسُوا

مَروَانَ يَومَ أَتِيلَ يَومَ المَغنَمِ

يَومَ امتَطَى العَرَبُ السِّلَافَ لِثَأرِهِم

وَالفُلجَةُ اختَضَبَت حَمَارًا بِالدَّمِ

خَزَرَ الشَّمَالِ أَلَا اتَّقُوا وَيَهُودَكُم

مِن ثَورَةِ البُركَانِ بَعدَ تَحَجُّمِ

إِنَّ الخُيُولَ وَإِن تَصَابَت مُرِّنَت

وَنَفِيرُ خَيلِ العُربِ أَمرٌ مُحتَمِ

إِنَّا لَأَسيَادُ الوَغَى وَرُبُوبُهَا

وَالمَوتُ فِي هَامَاتِنَا يُتَوَسَّمِ

وَرَحَا المَعَارِكِ أَينَمَا دَارَت بِنَا

كُنَّا أَوَائِلَ مَن لَهَا يَتَقَدَّمِ

لَم نَخشَ أَسبَابَ المَنَايَا قَطُّ مِن

طَلَقَاتِ نَارٍ أَو قَذَائِفَ تُرجَمِ

نُلقِي بِأَنفُسِنَا عَلَى نِيرَانِهَا

بِلَظًى أَشَدُّ تُذِيقُ نَارَ جَهَنَّمِ

إِنَّا نُحَارِبُ وَالسَّعِيرُ فِينَا مُشعَلٌ

مَن مَسنَا احتَرَقَت جُسُومُهُ تُجحَمِ

وَالنَّارُ فَوقَ جُلُودِنَا كَالنَّارِ فِي

أَبدَانِ إِبرَاهِيمَ لَيسَت تُحدِمِ

أَبنَاءُ مَجدٍ قَد وُلِدنَا فِي الفَلَا

بَينَ الدُّؤَالَةِ وَالصَّدَى وَالضَّرغَمِ

مِن صُلبِ أَحرَارٍ بِأَرحَامٍ وُقَت

مِن أَيَّ مُغتَصِبٍ بِفُحشٍ يُوصَمِ

رَبَّاتُنَا وَنِسَاؤُنَا وَبَنَاتُنَا

دَومًا عَفِيفَاتٌ بِهِنَّ تَحَشُّمِ

نَحنُ الكِرَامُ وَإِن تَقَهقَرنَا فَلَا

نَعيَا بِوَهنٍ بَل نُزَادُ تَجَشُّمِ

وَإِذَا أَصَابَ الجِسمَ سُقمٌ مُرقِدٌ

قَوَتِ المَنَاعَةُ مِنهُ بَعدَ تَجَثُّمِ

إِنَّ البِلَادَ إِذَا طَغَى حُكَّامُهَا

بَقَتِ الشُّعُوبُ عَلَى القُرَى تَتَبَرَّمِ

وَالقَومُ لَا يُستَأمَنُونَ بِأَرضِهِم

أَرضٌ بِلَا أَمنٍ كَكَهفٍ مُظلِمِ

إذما اجتَوَى أَبنَاءُ بَيتٍ بَيتَهَم

هَجَرُوهُ وَاغتَرَبُوا لِبَيتٍ أَسلَمِ

لَا خَيرَ فِي حَكَمٍ يُذَلِّلُ شَعبَهُ

وَهُوَ الذَّلِيلُ مِنَ العِدَى وَالمُحكَمِ

وَتَرَاهُ إِذ يَلقَى العِدَى يَتَبَسَّمِ

وَمَتَى يُلَاقِ رِجَالَهُ يَتَجَهَّمِ

أَنتَ الَّذِي تُخزِي القُرَى وَرِجَالَهَا

أَنتَ العَدُوُّ وَأَنتَ ذَاكَ المُجرِمِ

لَا تَرضَ بِالإِذعَانِ فِي أَوطَانِكَ

إِنَّ العَبِيدَ بِذُلِّهَا تَتَأَقَّلَمِ

وَارفَع جِبَاهَ المَجدِ فَوقَ طُغَاتِكِ

وَاطلُب حُقُوقَكَ بِالحُسَامِ وَبِالدَّمِ

إِنَّ الحُقُوقَ استَلَّهَا أَهلُ القُوَى

أَمَّا الضَّعِيفُ عَلَى الفُتَاتِ يُلَقَّمِ

وَالمَجدُ لَيسَ يَنَالُهُ ذُو هَيعَةٍ

يَبكِي عَلَى سَلبِ الدِّيَارِ وَيَلطِمِ

قُم أَنتَ بِالسَّيفِ الَّذِي يُنكِي العِدَى

وَانحَر رُؤُوسَ الظُّلمِ ثُمَّ تَقَدَّمِ

إِمَّا مَمَاتٌ لَيسَ فِيهِ سُوَى العُلَا

أَو نُصرَةٌ تُخزِي العِدَاةَ وَتُكرِمِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أبو الحسنى

أبو الحسنى

35

قصيدة

أَبُو الحُسنَى: هو مصطفى بن أيمن بن جودة بن عمر بن مصطفى العناني العُمَري العدوي القرشي، المولود يوم الإثنين الموافق التاسع من شهر رجب سنة ١٤٢٣ ثلاث وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة، المسجل با

المزيد عن أبو الحسنى

أضف شرح او معلومة