حارت مدارك كل حبر أروع
ببديع معنى كنه ذات البرقع
من أمر ربي ذي المعارج فأسمع
(هبطت إليك من المحل الأرفع
ورقاء ذات تعزز وتمنع)
من عالم الأمر اللطيف الباهر
لعوالم الجسم الكشيف القاصر
ظهرت ولكن في أعز مظاهر
(محجوبة عن كل مقلة ناظر
وهي التي سفرت ولم تتبرقع)
من فيض نور الحق مبدؤ هاسماً
وبكل مبعوث من المولى نما
وبك ابن آدم أشرقت لكما
(وصلت على كره إليك وربما
كرهت فراقك وهي ذات توجع)
فهي التي ببديع مظهر هاسمت
وبنور عزتها إلى الدنيا دنت
من فيض مبدأ حسنها لما بدت
(أنفت وما أنست ولما واصلت
ألفت مجاورة الخراب البلقع)
أي ذلك الجسم الكثيف ومن نما
لفساد هيكل وضعه مهما نما
هبطت إلى تدبيره وبها سما
(وأظنها نسيت عهوداً بالحمى
ومنازلاً بفراقها لم تقنع)
كانت بحاء حمي منازل ميمها
في كل منزلة تعز بعينها
لكنها انفصلت لدال دنوها
(حتى إذا اتصلت بهاء هبوطها
من ميم مركزها بذات الأجرع)
من كاف كوني بالإدارة أشرفت
من أوجها وإلى أين آدم شرفت
وبهمز أمر الله لما أقبلت
(علقت بها ثاء الثقيل فأصبحت
بين المعالم والطلول الخضع)
وقفت على تلك المعالم والأما
كن مذ بها شوق لرفعتها نما
حتى غدت في ذي الهياكل والدمى
(تبكي إذا ذكرت عهوداً بالحمى
بمدامع تهمى ولم تتقطع)
يسو بها شوق لأول نشأة
من حضرة الحق العلي العزة
ولذا تنوح على الفراق بحسرة
(وتظل ساجعة على الدمن التي
درست بتكرار الرياح الأربع)
وتدوم نذرف دمعها مما دها
ونهيم من شغف يهيج وجدها
وتبيت حائرة تكرر عدها
(إذعاقها الشرك الكثيف وصدها
قفص عن الأوج الفسيح المربع)
هاجت بها أشواق وبها نما
وجد إلى مرأى ملائكة السما
وإلى مقام فيضه القدسي سما
(حتى إذا قرب المسير إلى الحمى
ودنا الرحيل إلى الفضاء الأوسع)
أوج به مجلي الجمال الألطف
يسمو به سر الكمال الأشراف
همت إليه بهمة لم توصف
(وغدت مفارقة لكل مخلف
عنها حليف الترب غير مشبع)
وإلى جناب الرفرف الأعلى رقت
وبه مقام صفا معاليها رأت
حتى إذا طاب التدلي مذ دنت
(هجعت وقد كشف الغطاء فأبصرت
ما ليس يدرك بالعيون الهجع)
ما بين أخوان الصفا السامق
فازت بمقعد صدق ملك صادق
ولها صفا وارد الهناء الرائق
(وغدت تغرد فوق ذروة شاهق
والعلم يرفع كل من لم يرفع)
كانت بمنزلة الجلال الباذخ
في مركز عال إليها راضخ
ولذاك قلت لكل حبر راسخ
(فلأي شيء أهبطت من شامخ
عال إلى قعر الحضيض الأوضع)
هذا سؤال من رئيس أئمة
ذي حكمة ونباهة ودارية
عن سر هذي النفس ذات المنعة
(إن كان أهبطها الإله لحكمة
طويت عن الفذ اللبيب الأروع)
إذ دق معنى دركها عن كاتب
أو فهم ذي رأي عجيب صائب
أو عقل ذي فكر نبيه ثاقب
(فهبوطها لا شك ضربة لازب
لتكون سامعة لما لم يسمع)
من كل علم قائم بادلة
وأصوله جاءت بأكمل حكمة
عن سر قدرة ذي العلى والعزة
(وتعود عالمة بكل خفية
في العالمين فخرقها لم يرقع)
فهي التي أسمى الإله شريقها
بسنا الكمال كما أعز رفيقها
وكذاك أصفى للورد رحيقها
(وهي التي قطع الزمان طريقها
حتى لقد غربت بغير المطلع)
فازت بمطلبها وفرت مثلما
قرت بهيكلها ونالت أنعما
طارت وعزت بين سكان السما
(فكأنها برق تألق بالحمى
ثم انطوى فكأنه لم يلمع)
لشوارد الحكم النفيسة قانص
إني وفي بحر الحقيقة غائص
وإليك يا ذا العقل إني شاخص
(أنعم برد جواب ما أنا فاحص
عنه فتار العلم ذات نشعشع)
محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد السمان، أبو العزم، جمال الدين الحسيني الحنفي الحمودي.
باحث، شاعر أديب،عالم مسلم ومتصوف وكاتب وشعر سوري ولد في حماة سنة 1877م من أهل حماة.
تعلم ...