الديوان » لبنان » جرجي شاهين عطية » الحمد لله مزيل الضرِ

الحمد لله مزيل الضرِ
وكاشف  الغم وجالي العُسرِ
ثم  على  شبان هذا العصر
وغيده  مني سلامٌ عطري
يحمل  ريَّاهُ نسيمُ الفجرِ
ارجوهم العفو على انتقادِ
كتبتهُ يوماً على انفرادِ
لا  قصد لي فيه سوى الإرشاد
إلى  سبيل الحقِّ والسدادِ
وذو  النهى من شاء فيه عذري
فتياننا ياقوم أصحاب الفطنْ
هم  المرجَّون  لإصلاح الوطنْ
فالبحث في شؤونهم فرضٌ يسنِّ
على  رجال الفضل في هذا الزمن
وكل  عاقلٍ  بعيدِ  الخُبْرِ
يقضون  جلَّ العمر في المكاتبِ
مجتهدين في أجتنا الرغائبِ
من  نافعِ الأبحاث والمطالبِ
ومن  لغاتِ معشر الأجانبِ
أكرم  بها  من  بغيةٍ وذخرِ
بين  فرنسي  وطلياني
وانكليزيٍ      وألمانيِّ
ثم   فنون   هي   كالحليّ
من  هندسيٍّ  وجيولوجيٍّ
وفلسفي   كله  ذو  قدرِ
أما  لساننا  الحقير العربي
فدرسهُ  عندهم  لم  يجبِ
لأنه  كان  بماضي  الحقب
لسان  قومٍ  طيئٍ  وتغلب
ومن  حكامهم من رجال القفرِ
قد  أكثروا في الصدِ والجفاءِ
لهُ   فإن  رأوكَ  في  المساءِ
"حيَّوا ""ببونسوارَ"" بانحناء"
"كذاك""بونجورُ""  بلا  مراء"
مقوله قبل وبعد الظهر
أمَّا  أحاديثهم  إن جلسوا
في  محفلٍ  فكلُّها مجنَّسُ
منَّوعٌ  بهِ  السماع  يأنسُ
مختلطٌ تطيب فيهِ الأنفسُ
من أكثر اللغات حتى العبري
"هناك ""يا مونشارُ"" بين الجمل"
"و""سان فاسون"" تحكي صفير البُلبل"
بردون  يا  سادة  فالعذر جلي
"في ذا ""أبارول دونار"" بلوغ مأملِ"
وشد   أزرٍ   وانشراح  صدرِ
كم  ملأوا  كلامهمْ  بالأجنبي
لأنه   أبلغُ   في   التحبُّب
فأكملوا نقص اللسان العربي
بكلماتٍ  من  لغات المغرب
مفقودةٍ  منه لغيرِ عذرِ...
وهمْ  لفرط درسهم والسهرِ
قد  رزئوا  بحسرٍ  في البصرِ
"فما""العوينات"" فويق المنخر"
إلا  لإبعاد  مجال  النظر
لا طلب الزينة يامن يدري
وإنّ  طول  البحث في الفنون
أضنى جسومهم ذوات اللينِ
لذلك  اضطروا إلى معينِ
"ليقفوا فاستعملوا""البستوني"""
فليس  في استعمالها من نكرِ
وعروة   المعطف  بالزهورِ
زينت  لدفع الهم عن صدورِ
مهتمةٍ   بحلل  الأمورِ
مشغولة بالنافع الخطيرِ
كحل  عقدة  وكشف سرِ
هذي  هي الأسباب بانت للورى
فكل  من شك بها أو أنكرا
فإنه  قد  نال ميناً وافترى
وجاء  ذنباً  فادحاً لن يغفرا
بما امترى من كذب وهجر...
كم صرفوا السهرات في الألعابِ
فاشترك  الغيد مع الشبابِ
من  دون  كلفة ولا حجابِ
"ودون""حضرةِ"" ولا ""جناب"""
فلعبوا  حتى  بزوغ الفجرِ
ظلوا  مكبين  على الأوراق
بلهفة  جلت  وباشتياقِ
"حول""الفلوش"" حامت المآقي"
فإنه  الممتاز  في السباقِ
والبلف جالب الغنى والفخرِ
"ما  أحسن"" البوكر""عندهم لعبْ"
يحبه المرء ونعم مايحبِ
سيان إن خسِرَ فيه أو كسب
أونال  سعداً أو له النحس جلب
فهو  حليفه المفيد البشرِ
"ومثله عندهمُ ""البيزيكُ"""
"و""البكرا"" ليس بها شكوك"
ينشرحُ  الرابحُ والشريكُ
"صدراً  بها ويكثر ""التزريكُ"""
على الذي أضحى بها في خسرِ
هذا  فتى العصر وذي أحواله
دوماً  عليها طبقت أعمالهُ
ماضره   تأخرت  أشغاله
أو  بليت بخيبةٍ آمالهُ
مادام  من ذا الفن حاوي السرِ
تراه  يختال  كغصن البانِ
أثوابه  كالزهر  في نيسانِ
"من ""قهوةٍ"" يمضي إلى ""دكان"""
ليقتل  الوقت  مع  الأقرانِ
بذم  زيد  أو  بهجو عمرو
"في  فمه ""سيكارة"" عوجاءُ"
كبانة مالت بها الهوجاءُ
"تكسو  يديه ""كأنه"" البيضاءُ"
تفوح  منه  ريحة  ذفراءُ
فيملأ  الجو  أريج العطرِ
حديثه  يشف  عن إعجابه
بنفسه  وكل  ما  سما  به
يطيل  في الكلام عن أصحابهِ
في  كل  بلدة  وعن أحبابهِ
من  كل  ذي فضلٍ وكل مثري
"إن قلت""بسمارك""أجاب صاحبي"
وكم  دعاني في دجى النوائبِ
"أو قلت""كار ينجي"" أخو المواهبِ"
أجاب  هذا الشخص من أقاربي
وكم  من المال عليَّ يجري
"ناهيك إن حدَّث عن""أوربا"""
فكم يفيض الشرح فيها عُجبْا
يقول  إني عشت فيها حقبا
ولم  أدع  في  أرضها مخبا
إلا   بمرآه   جلوت  صدري
يصف  كل  بلدة  وناحية
كأنها  أوطانه ذي الدانية
فليس تخفاه هناك خافيةْ
مع  أنه  لم  يأتِ منها زاوية
ولا  رآها  قط  طول  العمر
كذاك   الاستخفاف  بالأديان
"يحسب  من""موضة"" ذا الزمانِ"
فكل  شهم عاقلٍ ذي شأن
"في  قلبه""خميرة""  الإيمانِ"
ينبذه  القوم  وراء الظهرِ
وسهر المرء على أشغاله
"يعد""شاهداً"" على ضلالهِ"
يا  ويله  من افترا عذَّالهِ
فالسن  اللوام من أمثالهِ
ترشقه  طول  المدى بجمرِ
ذي  حالنا أضحت وبئس الحالة
تقضي  إلى  مواردِ  الوباله
سادت  بها  ما بيننا البطالة
وارتفعت  بيارق الجهالة
فيا  لحالة  الفتى المغترِ
ولننتهِ  الآن  إلى  الفتاةِ
وما  لها  من  هذه  الآفاتِ
فذا   مجال  واسع  الباحاتِ
منفرجٌ   يسعُ   كل  آتي
كم  أطلقت فيه جياد الفكرِ
فتاتنا  يا  قوم  ذات التيهِ
جلَّت  عن  التمثيل والتشبيهِ
فأي  شيء  لم  تكن  تحويه
مما  غدت  للغيد  تبتغيهِ
مقتضيات  عصرنا الأغرِّ
قد  ربيت  في أحسن المعاهدِ
ودرست   أطايب  القواعدِ
وحفظت   نوادر  الشواردِ
واكتسبت  من  غرر الفوائدِ
مالا  تضاهيه  عقود  الدر
صرفٌ   ونحوٌ  ورياضياتُ
ومنطق  ثم  طبيعيَّاتُ
وفلكٌ   جغرافيا  نباتُ
وفوق   هذا   كله  لغاتُ
مما  نراه شائعاً في القطرِ
"وتعرف النقر على""البيانو"""
معرفة  تحلو بها الألحانُ
إذا   تغنت   مالت   الآذانُ
وسرت   القلوب   والأذهانُ
فأين  من  ذلك سجع القمري
بنانها  في صنعة التطريز
ماهرةٌ  تأتيك بالعزيزِ
كم  طرفةٍ أغلى من الكنوز
بل  من ثمين الذهب الإبريز
قد  صنعتها  كفها في شهرِ
أما  بفن الرسم والتصويرِ
فلا  تسل  عن شأنها الخطير
تسبق  كل  راسم  شهيرِ
وتزدري  بالماهر  الكبيرِ
وكل  صانع  بعيد الذكرِ
وكم  لها في الرقص من عنايةْ
ومن   مهارة   ومن  درايةْ
قد  بلغت منه تمام الغايهْ
فهي   تبدو   للعيون  آية
إذا انثنت مميلةً للخصرِ
إذا  انجلت طلعتها في محفلِ
كان  لها  صدر  المقام الأولِ
فهي  لكل ذاك باتت تعتلي
"تيهاً على أفراد""جنس الرجلِ"""
وكم بهم في السرِ أضحت تزري
"ناهيك عما عندها من""موضِ"""
قد ينقضي الدهر وليست تنقضي
فاليوم ليس كالنهار المنقضي
في  زيه والغد أيضاً يقتضي
زياً  جديداً  وكذا  للحشرِ
فثوبها  اليوم من الحرير
"عليه""كشكش  من الزفير"""
ذو    ذنبٍ   وراءه   مجرورِ
كذنب  الطاووس في التقديرِ
يكنس الطريق حين تجري
لكن غداً قد شاع تقصير الذنب
فكل  من خالفت الأَمر وجب
احرقها  حالاً بنيران الغضب
ورميها  بكل  ويلٍ وحرب
لأن ذنبها بعيد الغفرِ
ينبذها الحسان بالقساوة
حالاً  وينسبن لها الغباوةْ
وشدة   الميل  إلى  البداوةْ
والتيه  في  مهامه الشقاوةْ
حتى  تصير هدفاً للسُّخرِ
والقُبَّعات  أمرها لا يغفلُ
فشأنها المعظم المبجلُ
جلابها للغادة التجملُ
فكاد  رائيها  بها ينذهل
لما  عليها من صنوف الزهر
يرى  بها  ناظرها حديقةْ
ورودها   ناضرةٌ   أنيقة
أزهارها   بدقةٍ  منسوقةْ
لكنها  من  صنعة المخلوقة
لا صنع خالق الرياض الخُضرِ
في  كل  يوم  لك من باريس
جرائد  تنبي عن الملبوس
وتذكر   الأزياء   بالتجنيسِ
فياله خطباً على الفلوسِ
يجر  دولة  العنا  والفقر
هذا  الذي  قد  حكم الأفلاسا
وجلب الضيق وأشقى الناسا
لكن  لدى  فتاتنا  لا باسا
فهمُّها أن تتقّن اللباسا
مهما  ينل والدها من عسرِ
ولا  تسل عن حرصها على المشدّ
وكم تسوم الخصر من ضغط وشد
لتنجلي  نحيلة  هيفاء قد
وتسلب الناس بمرآها الرشد
مصطادة قلب المحب العذري
وليتها  تعلم كم من الضررْ
يجرُّ صنعها وكم يدني الخطرْ
فكم  فتاةٍ قد غدت بين البشر
بمثل  هذا عبرةً من العبرْ
وقد  دهاها  منه داء الصدرِ
تلك  هي الرغبة في التحسنِ
تجرع  العذراء  كاس الأحنِ
وفاتها  أن ليس من مستحسنِ
غير  الذي خلقه الباري الغني
وما  حلا  تصنُّعُ  لو  تدري
وليس  هذا  كل مافي الجعبة
فإنما  النكبةُ كل النكبةْ
في  كل شنعاءَ مثال الكربةْ
تريد أن تجلب منا الرغبةْ
بصبغ وجهها وصقل الشعرِ
فتستعير   من  دهان  وطلا
ما  تبتغي  فوزاً به بين الملا
لكنها هيهات أن تجمَّلا
بل  تنجلي  كصنم قد جبلا
من مائع الجير طلاء الصخر
لذاك   قلَّ   عندنا  الزواجُ
ولم   يعد  لسوقه  رواجُ
داءٌ   عقامٌ   ما   له  علاجُ
إلا   إذا  تبدّل  المنهاجُ
ولم  يعد  لما  نرى من إِثرِ
بواعث تدعو لفرط النفقهْ
وتورث المرءَ الهموم المحرقة
من شرها الأفكار باتت قلقة
ففضل  الفتى الحياة المطلقةْ
على  ارتباط بقيود الأسرِ
وههنا فلنختم المزدوجة
في  وصف  أعمال لنا معَّوجةْ
والله  نرجو  عونه  وفرجه
وإن  يقينا  شرَّ  حالٍ حَرجة
وهو  المرجى  لصلاح الأمرِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جرجي شاهين عطية

avatar

جرجي شاهين عطية

لبنان

poet-Jurji-Shaheen-Attia@

82

قصيدة

4

الاقتباسات

3

متابعين

جرجي بن شاهين عطية. أديب وشاعر لبناني، من أصحاب المعاجم. أنشأ مجلة المراقب (1908 - 1913) وعمل في التعليم مدة طويلة. أشهر كتبه (المعتمد - ط) معجم عربي مدرسي. وله (رد الشارد ...

المزيد عن جرجي شاهين عطية

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة