الديوان » باسل الحجاج » "سجين الهوامش" أو "أنا لست على ما يرام"

 

أمثل الغزاة من النجوم، 

حصدت يد الزمان حسنك الخصيب،

سرقت كواكب نهديك 

وقد كانت ممطرة الأهاضيب،

واغتصبت عيونًا بلا قرار

ينابيعها الحزينة الأسرار

تسرّ عن لحظة الخلق الأولى

وانبعاثِ الروح من ركام قلبٍ سليب؟

 

أيتها العصفورة المُعنّفة 

التي أرهقتها تنكيلاً وتعذيب

هرمنا بلا غنيمةٍ وانتصرت ديدان السوى!

جلّ الجرائم لا تعاقبُ رغم أقسام الخطيب

لا تهرقي دمعي على قدح النوى 

بعض الوصال صلاةٌ لا تريب! 

تالله ِ ذكركِ في كنف الغياب أوقد الجوى 

وأورثني حزن الكمان ينشدهُ النحيب  

يا نجمة الصبح أنت صغيرتي 

وأنا نيزكٌ متفحمٌ، خالطهُ ليلٌ كئيب

وما لي مأوىً سواكِ لالتماسِ القِرى

الوردة اليانعة مهما غازلها الكرى

وإن حطَّ مثل طائر الرخّ المهيب 

على حرير شعرنا الشتاء الرهيب 

ثلوجًا تجمد مناجم الفحم في ضفائرك

وتصبغُ بالبياض جدائلاً ساحرات

كانت مثل أغلال الحديد الآسرات

والآن أمست بآثار الزمان العصيب

شاحبةً كالثكالى، مكسورة النخلات  

دون أن يطمسها ليلٌ أو يطفئها لهيب!

 

آه يا حبيبتي إنّا هرمنا دون الذرى 

وإني أهذي كمجذوبِ الحيّ 

رؤًى يعوزها التهذيب، 

بيد أن المجانين ترى ما لا أرى

ومن رحم الجنون تولد الأعاجيب

ها أنذا أحدثُ النفس بما جرى:

ذهب الشباب فأتى المشيب 

عاجلاً أو آجلاً ينتهي

حلمُ الحياةِ بما حوى… 

يضمحلُ، ينقضي الحلم العجيب

وخلت يا أيها القلبُ أنك خالدٌ ومقيم 

تبني القبور لمن تحب 

بمجرفة الشباب ورفش التسليم

فإذا القلوب مقابرٌ لا تنطفي

وإذا الجميع رميم!

وظننت أنك دائمٌ لن تختفي

كنجمة الزهرةِ لا يغلبها المغيب

والعمر وقتٌ هاربٌ، كنزٌ سليب

كمثل أعظمٍ منخورةٍ تبلى وتنتفي

وأنت في أرذل العمر شبحٌ حريب!

في رحلة الأعمار ما من رجعةٍ

وعلةُ الموت سهمٌ مصيب

وما من قائلٍ على قصعةٍ

هبي بصحنكِ فاصبحينا… 

إني الدواءُ… أنا الطبيب! 

مهما أمنت اليوم من صفعةٍ

للدهرِ صفعاتٌ وأنت ضريب 

والخوف من وحشة الآتي 

له دوماً نصيب

ما بين الخافقين

وفي حجيرات القلب الحزين

ليس الزمان وإن تبسم بالخلّ الوفي 

لا شيء غير الخسرِ في القدر الخفي

عمرٌ قضى وأنت تلهثُ خلفها 

من أرض تشيلي حتى سرنديب

ضريرٌ عن غيّها ولو عريتها

أسمَلتَ عينيك كما أسْمَلهُما أوديب!

كالجرذان وراء مزمارها المسحورِ تهيم

وأنتَ مجهولُ الحقيقة أمامها

كأمّ الخضر والليف في الموروث القديم

كمثل السندريلا دون فردة حذائها،

في أثوابها الرثّةِ ليست سوى كائنٍ ذميم!

هكذا هي الدنيا رغم عذب ندائها

لا تعترفُ بغير شيطان رجيم

ما أبصرتك في دمع الندى 

كصورةِ دوريان تقاسي أيها الغريب

ولن تعرف من كنت بعد شرنقة الردى

كالكلب تنبحها وما من صدى 

ولعبة الحظ مهما دارت تخيب! 

 

في منافي الفؤاد والنبضات المحرومة،

عبر صحارى القحط الموشومة 

بحكايا الجنّ وعروق الأنابيب

ستظلّ تبكي هجرها 

وتقتفي آثارها

بعيدةٌ تبقى وأنت قريب!

وتظلّ تندبها مُسقماً، يجترُ لوعةً

وتقول ليت من عودةٍ لو سويعةً

وتصيح عودي يا سنين الصبا

أنا الغرام… أنا الحبيب!    

عودي ولو كما تعود الأوبئة للمدائنِ والقرى

فتُنهكها فجيعةً، في مشهد لا يعوزهُ الترعيب

معلقةً جثث الضحايا في جحيمٍ منّ الكلاليب!

 

أيتها الحياة الملطخة بقيء الأقلام،

بفحم السخام، وجيف الأحلام

لقد رقصنا كرقرقةِ الأقمار برفقة الآلام

أقل من ساعةٍ، على رقعة الأنغام

وما سحرتك مثل طائر النحّام

كانت أفكاري حجارةً تعثرُ منها الأقدام!

لذا أفلتِ طفولة يدي في كهولة الزحام

وكنت قربانًا من البيادق 

في شطرنج الأضاحي، تخطو في الظلام

وكنت طفلاً يتيمًا في ملجأ يقتات الأيتام

لأني خشيت القداسة في معبد الأوهام

وعزفت ناي القصائد بلا لحون الحقائق 

سجين غوايتكِ في زنزانة الأحلام

أيتها الدنيا الصماء

كم أهدرت كنز الكلام 

أناديك ولا أعثرُ على السلام

مثل طفل متسول فقير 

أمام الكنائس والمساجد يبيع الأصنام!

 

في أسطورة الحياة

لم أكن بطلاً يستيقظُ وكلُّ من حَولهُ نيام!

لم أكن فارسًا ينحر عنق التنانين

لينقذ الأميرة الأسيرة فتخلّدُ سيرته الأيام!

لم أكن أكثر من سجين 

في زنزانة الهوامش والهموم

مثل سقيمٍ تأفلُ في مقلتيه النجوم، 

لم أكن يوماً على ما يرام… 

لم أكن يوماً على ما يرام!

 

أيتها السرعوفة الموبوءة 

بجراب لا متناهي البيوض

أنا لست على ما يرام

التهمي رأسي المرضوض

بكل ما حواه من الغموم؛

هذا العقل المنهك المسموم

حيث تتناسل الكوابيس

مثل أبناء الزنا اللئام

لعلي أنام… لعلي أنام!

 

تمت

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن باسل الحجاج

باسل الحجاج

62

قصيدة

شاعر من المملكة العربية السعودية. صدرت له مجموعة شعرية بعنوان "النهر والغريب ومرثية الأقمار المتساقطة"

المزيد عن باسل الحجاج

أضف شرح او معلومة