الديوان » مصر » عبد الحليم المصري » من فى النفوس سطا على السلوان

عدد الابيات : 90

طباعة

مَن فى النُّفوسِ سَطَا على السُّلوانِ

ومَحَا صحيفتَهُ من الإِيمانِ

خطبٌ أناخَ على العوالم بالأسى

واجتثَّ أصل الصبرِ بالجولانِ

ولَّى  النَّبيُّ سميُّه وطوَى الردَى

علمَ  اليقينِ ورايةَ الإِيمان

قامت  بناتُ المجدِ تندبُ عهدَه

فى  مأتم الصدقات والإِحسان

وبدت  عليه بناتُ نعش نواعيا

وتَسَاقطَ العنقودُ فى الدَّبرَان

وتردَّت الشِّعرَى حداد المشترى

وسهيلُ  جلَّله دجى كيوان

وتوارت الزَّهراءُ فى ظُلَم السُّها

حزناً  وهمَّ النَّسرُ بالطيران

شَتَّ النُّعاةُ بكلِّ أرضٍ وانثنوا

والخلَقُ فى الطُّرقات كالفيضان

فاذا  بمتَّاح القليبِ وما دَرَى

مستغنياً بمدامع الرُّكبان

يازينتى  عند السلام لمجلسي

يا  عدَّتى عند الوغَى لزمانى

قد كنتَ شمسي فى الشتاء وكنتَ لى

ظلاً  اذا الصيفُ استبدَّ وقانى

يا  يومَ عدتُك والحِمامُ بمرصدٍ

يرنو اليكَ وأنتَ لستَ بران

يطوِى الظلامَ وأنتَ فى حسبانِه

والموتُ  عندك ليسَ فى الحُسبان

تنتاشُ  أروقة الحديثِ تلاهياً

عما تكابده من اليَرقانِ

وتمدُّ أشطانَ الحياةِ طويلةً

إِنَّ الحياةَ قصيرةُ الأشطان

متقلباً  فوق الفراشِ كلاكما

من  جهدِ ما بأخيهِ كالحيران

مترقباً  وجهَ الطبيبِ كأنَّما

فى  راحتيهِ  راحةٌ للعانى

كم  ذا يعلل بالشفاءِ كأنَّه

جعل الشفاءَ مقدَّراً لأوان

واذا تحتَّمت المنونُ على امرىءٍ

ما للطبيبِ على الشفاءِ يدان

كمَن الردَى ورماك غيرَ مكِبِّرٍ

ليتَ الردى لمَّا رماك رمانى

فأبِن اليَّ خطاك فى طُرُق الثَّرى

كى أقتفيك وسوِّ فيه مكانى

بينى وبينك سكَّةٌ مهما تطل

يقطع مداها القلبُ بالخَفَان

فأرح فؤادك إن تشوَّقت امرءاً

إِن  السنينَ  تبيدهُنَّ ثوان

الناسُ يبنونَ القصورَ وما دروا

من  ذا يكونُ بها من السُّكان

والنَّخلُ  تزرعه الكهولُ لغيرهم

كم زارع يشقَى ويسعدُ جان

ما  بينَ مهدِ أخى الحياةِ ولحدِه

شبرٌ  يقاسُ بأذرعِ الأزمان

يومٌ  به  يبدو ويومٌ يختفى

إنَّ  الحياةَ جميعَها يومان

ما  بينَ إقفال العيونِ وفتِحها

يشقَى  بها هانٍ ويسعَدُعان

كم حاذق فى العيشِ غير موفَّقٍ

قد  باءَ بعد الكدِّ بالحرمان

ومجازف  متعجِّل خَرِقِ النُّهى

بلغ المرادَ بحكمةِ المتوَانى

متطلبُ الدنيا بغيرِ وسيلةٍ

متطلبٌ ربحاً من الخُسرَان

والناسُ ألفاظٌ تروح وتغتدى

ولَرُبَّ  ألفاظٍ بغيرِ معانى

يطغون  فى تَرَفِ الحياة كأنَّهم

ضمنوا  الحياةَ وصحة الأبدان

ضمن  الزفيرَ أخُو الحياة فليتَه

ضمن  الشهيق فتأمن الرئتانِ

غادَرتَ  بالهرمين قَصراً طائلاً

فى ظِلِّه يتقاصرُ الهرمان

والمشرعُ الفيَّاضُ سُدَّ سبيلهُ

وطغَى  الهجيرُ بمهجةِ الظمآن

والندوةُ البيضاءُ وهى مباحةُ

مُلِكت مذاهبُها على الضيفان

والجنَّةُ الفيحاءُ حالَ عبيرُها

وبكت حمائمُها على العِيدان

شقَّ السحابُ جيوبَه جزعاً بها

وأهابَ  دمعُ الوردِ بالريحان

ورأى  دموعَ النرجس انطلقت دماً

عن  صبغة التُّفاحِ والرمَّان

ياويحَ أشجار اذا اسطاعت مشت

جزعاً اليك بغيرِ ما أغصان

حملت لنا ثمرَ الجنان وبعده

حملت لنا ثمراً من الأَشجَان

يا  أيها القصرُ الأَشمُّ بناؤُه

بالله  قل  لى أينَ ذاك البانى

أرأيتَ ربَّك يومَ فاضت نفسُه

أو  يومَ  سارَ بنعشِه الثَّقلان

كادت  تُطلُّ من العيونِ قلوبُهم

لتمدَّ  صيِّبَها بأحمرَ قان

حملُوا  على الحدباء دنياً لم تكن

لتقاسَ بالأَبصارِ والآذان

لولاهمُ يتبرَّكون بسرِّها

خرُّوا  بمحملها على الأَذقان

خطُّوا  لها فى الأرضِ بضعةَ أذرعٍ

تسع البرية من بنى الإنسان

خلّ  الدموعَ تَشفُّ عن وجدانهم

إِن الدموعَ تراجمُ الوِجدَان

لو كنتَ شاهدَه غداةَ علاَ الثَّرى

جبلاً حكى الجوديُّ فى الطُّوفان

لرأيتَ كيفَ تكونُ عاقبةُ الورَى

وشهِدت كيف تُقَاصرُ الأَعوان

وعلمتَ أن الله أكبرُ قدرةً

من  أن  يكونَ له شريكٌ ثان

ويحى  أَأدفنُ مهجتِى وأفوتُها

تحتَ الثرى وأعودُ بالجثمان

وأبيتُ أرثيها وأُصبحُ واعياً

ما  عنَّ لى فيها مِنَ التِّبيانِ

وأعيشُ بعدك يا محمد إننى

جافة الخلائقِ بيّنُ البُهتان

إبعث بطرفك فى التُّرابش فكم ترى

من  قادةٍ عُزلٍ ومن شُجعَان

وموسّدين على الرّغامِ خدودهم

من  بعد خِزّ قِبَا ودُرِّ عُمان

ومعفَّرين  بكلِّ سافٍ أغبرٍ

شدُّوا على الأكباد بالأكفان

فقدَ العمومةَ والخؤولةَ معشرٌ

كانُوا  بجاهكَ زينةَ الشُّبان

لولاك ما عرفوا الحياةَ ولا دروا

بينَ الرِّجال محبةَ الأَوطان

قد كنتُ عنك من المنيةِ مغنياً

لو كان أغنى نوحُ عن كنعان

ولقامَ  خيرُ بنيكَ عنك محامياً

لو  أن ذلك كان فى الإِمكان

يا  واصلَ الأَرحامِ فى منبتّا

ومعزَّها  فى سائرِ البلدان

يا حاملاً زُمرَ الهدايا فى الدُّجَى

يا مُنزِلَ السَّلوى على الجيران

يا  مالئاً بيت الفقير عليه يا

محيى القِرى يا مشعِلَ النِّيران

قد عشتَ مثل محمدٍ فى بقعةٍ

تحنُو على الأصنامِ والأوثان

عَبَدَت هياكِلَها بنُو مصرايمٍ

وأتَت  كنائسها  بنُو الرُّومان

فنهضتَ فيها داعياً ومبشّراً

مثلَ  ابنِ عبداللهِ فى عدنان

نزلت بشربينٍ مصائبُ عِدَّةٌ

أمست بناركَ فى الأسى كدُخان

قد كنتَ فى سُحبِ الحوادث شمسها

وهلالها  فى ظلمةِ الحدثَان

وضريحُ  جدِّك قد عَلته جَهامةٌ

وسطَا عليه مزعزع الأَركان

لاحظتَه بعنايةٍ بُرَعيةٍ

قد كان ينشقُ نفحَها الحَرمانِ

ذكروك فيه عند كل زيارةٍ

وإمامةٍ  وخطابةٍ وأذان

يا أيها القبرُ الذى لُفَّ السُّها

بسبعٍ  من سَناه مثان

هل أنت فى البيداءِ قبرُ محمدٍ

أم  أنتَ فى البيداءِ قبرُ حنان

يا قبرُ قد واريتَ نوراً لم يجد

للشمس معنًى بعده الملوان

فإذا همُ وزنوكَ يوماً والضّحَى

رجحت بنورك كفةُ المِيزان

يا قبرُ كن سمحَ الخفاءِ فإِنَّه

قد  كان سمحَ السِّر والإعلان

يا  قبرُ كُن جَودَ الرِّحاب فإنَّهُ

قد  كان جودَ الدَّار والبُستَان

واريتَ مجداً لم يحاوله السُّها

يوماً  ولم يتمنَّه القمران

ليس  الملوكُ هم الذين عهدتَهم

يتصدَّرون العرشَ فى الإيوان

إِنَّ  الملوكَ همُ الذين اذا قَضَوا

دخلُوا  الجَنَانَ بأشرفِ التِّيجان

أبَنِى  محمدَ لم يمت من أنتمُ

أبناؤُهُ  فالموتُ فى النسيان

وأبوكمُ شغل الخلودَ بذكره

ألناسُ  ذكرَى والحياةُ أَمانى

إِنى  أعزّيكم  وأعلم إِننى

أحتاج  فيه الى معزٍ ثان

يا نادبينَ محمداً إِن تهرقوا

دمعَ العيونِ فذاك دمعُ لسانى

لو أحيتِ الموتى مقالةُ شاعرٍ

لنشرتُهم  وحشرتُهم ببيانى

لا تندبُوا مَلَكاً يجاور ربَّهُ

ويقيمُ بينَ الحورِ والوِلدان

قد  زيَّنَ  الجناتِ لاستقبالهِ

وبنفحهنَّ تعطَّر الملَكَان

فادخل جنانَ الخلدِ لا مستأذناً

فاللهُ  قد  أوحَى الى رضوان

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عبد الحليم المصري

avatar

عبد الحليم المصري

مصر

poet-Abdel-Halim-Al-Masry@

69

قصيدة

1

الاقتباسات

10

متابعين

عبد الحليم حلمي بن إسماعيل حسني المصري . شاعر يصنف من هم شعراء الوطنية في العصر الحديث وهو من شعراء مدرسة المحافظين، قارب النبوغ وحالت منيته دونه. ولد في قرية "فيشا"سنة ...

المزيد عن عبد الحليم المصري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة