الديوان » سوريا » محمد البزم » كفكفوا الدمع وضنوا بالأنين

عدد الابيات : 137

طباعة

كفكفوا  الدمع وضنوا بالأنين

واغضبوا للشمس والحق المبين

جل  خطب الشمس عن ماء الجفون

وتعالى  عن  نشيج النادبين

آذنوا  الدهر لظى الحرب فقد

وترت  كفاه  أم  العالمين

توأم الدهر سطا الدهر به

وانثنى بادي الأسى في النادمين

عق   أما   وتولى   بأخ

عبقري النفس بالخلد قمين

لبس  الليل  حدادا وارتدى

معطفا من سوء عيش المعدمين

ودموع  الليل  ما  نشهده

من  نجوم حبّسا لا ينتوين

وندى  الأزهار  دمع  حائر

مفصح عما أجنت من شجون

ما  لعاب الشمس إلا عبرة

قد  أعدتها له في الموجعين

عبئوا للدهر جهراً وانسجوا

أنجم الليل جديد الدارعين

واشتروا  رمح السماكين فقد

عز  من يعدي على الدهر الخؤون

واستثيروا  الليق  في نثرته

فهو  إن أصغى لكم خير معين

واستشيروا القطب كي يخبركم

كيف حال الدهر في الحرب الطحون

واخشنوا  في طلب الثأر فما

تدرك  الأوتار  كف الناعمين

واحشدوا ما اسطعتم واستنجدوا

مرسل  الأفلاك والكون سكون

وقفوا واستوقفوا الشمس على

قبر شوقي فهي لا تأبى الركون

وانثروا عقد الثريا في ثرى

قبره  يهدي وفود الزائرين

وضعوا الإكليل عقدا شاهدا

أن  شوقي في كبار الخالدين

وامخروا من نورها في لجة

واركبوا من شعره أجرى سفين

ودعوه   ينتبذ   من  أمه

مرقدا يعيي البلى فيه الدفين

واقطعوا من ضوئها أكفانه

حبرا تعشي عيون الناظرين

واجعلوا اللحد حشا تامورها

فحشا الأم جدير بالبنين

ثم عزوها على رأد الضحى

ولقى  في كبد الغرب شفون

من  رأى الشمس تعزى وابنها

كاسف تسطو به في الواترين

وهما  ابنان عصاها واحد

إسمه  الدهر أخو كيد مكين

ثعلب  تذكرنا  راحته

كف  قابيل أخي الراي الغبين

جدعت  موساه من مارنه

ولقد  كان  به جد ضنين

مأتم  بين  ذكاء وابنها

جل  عن  شق  جيوب وأنين

يا  معزي الناس في آلامهم

كلنا اليوم كليم وحزين

قم  تصفح فقر الدهر قرون

وانثر  الدهر شهورا وسنين

تبصر الناس كما لا بستهم

عوما  في لجة الدهر كرين

يبعث الشعر بهم صيحته

ليروا  في السابحين الكادحين

ينسج الباقي على ما اسأرت

راحة الماضي فطينا وأفين

صور  تطوى وقول يفترى

وغيوب لا تاراها العيون

وصف  الحشر  كما تلهمه

يعجز  الوهم مدى والواهمين

وانعت الفردوس وابعثها لنا

صورا  تزهي نفوس المتقين

واصعد الأعراف وانظر سقرا

وهي  ترغو بجموع المجرمين

كيف  سيقوا فثووا من بعد ما

كبكبوا فيها وهم لا يدفعون

كنت  بحاثا عن السر الكنين

فغدوت اليوم في السر الكنين

عبرة أملت علينا عبرا

كنت تهدي مثلها للغافلين

أزل   يدفعنا   في   أبد

يعجز  الظن  وأيد الأيدين

سفرة  ما  آب  من شقتها

أروع  داه  ولا  ندب فطين

ما  عرفنا  الموت إلا نمرا

مزبئرا أحمر الناب حرون

يغل الغيل على رئباله

غير معف في مراعيها الضئين

مدمن يشرب من أرواحنا

لي  يروى  أو يبيد الآخرين

ما  بكاء  الطير  إلا ذلة

واعتراف لقصور الصائدين

إنما  الشاعر  في أمته

مرسل  من  ربه لو يهتدون

زورق  من  رحمة في لجة

زخرت  بالآثمين  الغاشمين

تقطر  الحكمة من جدرانه

وسداد  الرأي  والأرزاء  جون

فطنة تلتهم الغيب إذا

ما  استشف الغيب جهد العمهين

بلظاة صورتها قلما

قدرة  الخلاق حرب الظالمين

ينطف السم على ريقته

وبه  تؤسى جروح البائسين

جل  صنع  الله  ما أروعه

وتعالى عن بنان الصانعين

توسع الخلق بيانا وهدى

بضعة  عنصرها صلصال طين

خلق الشعر لتعريف العلى

ولتمجيد العظام النابغين

وقديما مهد الشعر لمن

يبتغي المجد سبيل السالكين

إن  يكن  عق بياني قلمي

ومضى  في الناشزين الجامحين

فلقد  كان  ذلولا  طيعا

دمث الصهوة من غير وضين

رب  ذي  شق له في طرسه

خيلاء  الفاتحين الثملين

سال  ذوب السحر في قرطاسه

مستخفا بعروش المالكين

عي  بالخطب بيانا فهفا

وتخفى  عن عيون الكاتبين

يثقل  القول ببحران الأسى

كاهل  الشرع وطوق الناظمين

فاعذرن  نضو خطوب وأذى

بيد  الأسقام والبؤس رهين

وأنا  الشاعر  من يجهلني

مارد  شيطانه  جد  لعين

يا  أمير  الشعر قد غادرته

لعباديد ضعاف ضارعين

إمرة  الشعر  وما  أضيعها

سيمت الخسف بأيدي الغاصبين

وعبيد الشعر لا أذكرهم

أنت  أدرى  وهم  عد المئين

يقلقون الليل لا يشغلهم

غير  تقلب شروح ومتون

ينحتون  الشعر كزا جافيا

ويظنون  المنى ما ينحتون

عجبا للمرء يعطي مقولا

كيف لا يأنف أن يرضى بدون

وسراة  الشعر  ما أندرهم

في  قديم الدهر أو في الحاضرين

فتّهم  في  كل مضمار فلو

القوا السحر لخروا ساجدين

منحوك التاج في عصر به

شرست  أيدي  الأباة الخالعين

كنت موسى والعصا لاقفة

ما  أعدوا  في ظلام ساهرين

وأحلوك   وقد   فارقتهم

مهجا  خفاقة في الذاكرين

في قلوب أتعرت فيض شجى

فجرى  في كل عرق ووتين

في مدب الشك في مجرى المنى

حيث  مثوى الحب والسر الكمين

أمة  لو  ضمن  الله  لها

مثل  شوقي لاستعاذت بالضمين

وانبرى يرثيك في حفل البلى

هبرزي يملأ الكون لحون

يا  سريّ الشعر لا ترضى به

غير  فذ شامخ يأبى القرين

جزت  والشعر مدى لو جازه

غير  شوقي لكبا في العاثرين

كنت والعرب نميلا سلسلا

وعطاشا حوما لا يرتوون

منطق  عند الدراري ويد

ليس ترضى البرق في الطرس خدين

ويراع  ما  نفت  راحته

غير غث وحوت غير سمين

خاطر  من لهب يدعمه

طبع جبار ثوى في الوادعين

وبيان  نجره  في  مارج

تحفل  الجن به في الحافلين

جال  ماء  النيل في أعراقه

وبدت  فيه تحاسين القرون

وذكاء   خضع  الراد  له

وحسام  ما  رأى ساح القيون

خدع  في  متع  شاب بها

لهجة البادين غنج الحاضرين

يتراءى  اللفظ فيها شفقا

والمعاني فلق الصبح اليقين

نمنم الوشي على أنماطها

نكتا كالزهر في حالي الغصون

همسات  في ضمير الدهر ما

فتئت توقظ حشد النائمين

كوكب  لألأ في صافي الدجى

وفرند  سل  حينا ثم صين

شق  ديجوراً  وجلّى ظلما

وانتحى  بالنور أجفان العمين

يا  حراء  حن من شوق لها

مهبط الوحي وبطحاء الحجون

رفرف الغيب على أسوارها

فهي وحي الغيب والسر المصون

رققت فيها جلابيب الدجى

أوجه  كالزهر في ساجي الدجون

فيواقيت  بها  منثورة

زهرا  أو من حديث السامرين

جالت  الأوطار  في ساحاتها

تتهادى  بين أبكار وعون

صفق الراح بها ذو حنكة

قتل  الدهر  مداراة شؤون

شعشعت فيها وطافت رشفا

من لمى الغيد كؤوس الأندرين

وسعت   داراتها   هادئة

كل  جد  واستراحت للمجون

لو تراءت لابن هاتي في الثرى

هب  يستجدي فتاها ويدين

أو  ثوى  فيها ابن برد ليلة

عاد من بعد العمى في المبصرين

ومشى  يلقي إلى عاهلها

صولجان الشعر شيخ القارضين

عبقر  للجن في أرجائها

هزج  الورق ومصقول الحنين

فشياطين   تهاوى  وقعا

وعفارى  تتسامى مقلعين

يعملون الليل حتى ينجلي

عن صباح ويرى الروح الأمين

أصبحت  بعد فتاها قد عصى

جنيها الغض بنان العاصرين

واشمأزت    وأبت   حاردة

حانيات الدوح كف الهاصرين

أنكر الطير بها أغصانه

ونبت عن جنبه فيها الوكون

خف  عنها  فلها  في إثره

أحوذيّ  الشعر ممدود الرنين

غيه  أبناء الفراعين الألى

هم  جمال الدهر زين الغابرين

من  بني الشمس بهاء وعلى

واختيالا دونه كبر الذوين

عبق  المجد ثرى أجدادكم

وجلال  الخلد في جنب القطين

تركوا الجندل عنهم ناطقا

يخطب الأجيال حينا بعد حين

غازلوا الدهر فتى فارتجلوا

طرف  العلم وموشي الفنون

أسكروه  فتهادى طيعا

أريحيّ النفس فيما يبتغون

سخروا  أبناءه في مجدهم

يرفعون الشم لا يستنكفون

سمعوا  بالخلد فاستهواهم

فبنوه قطعا لا يلتقين

وسموا الدهر على صلته

ببنان العلم واللب الرصين

حيثما  يممت من آثارهم

راعك  المجد شمالا ويمين

طأطأ الغرب لهم هامته

يكبر  الإبداع  للمبتدعين

عظة الأجيال تضوى عندها

كبرياء  الدهر والمستكبرين

هجنت غمدان بل أزرت بما

غادرته  إرم  في الهالكين

ما  مباني  عدن في جنبها

غير  أكواخ تواري المسنتين

غالبت غلب الليالي ما ونت

واستهانت  بالقرون الأربعين

أثر   ما   كتب  الله  ما

أني  رى بعدهم في الدارسين

عقد  الشعر بكم حبوته

حقبا يحمد مثوى المغدقين

ثم   أهوت   راحة  جبارة

ذهبت بالشعر والكنز الثمين

كعبة  الشعر هوت أركانها

فضعوا الركن على أس متين

حلقت  بالشعر عنقاء الردى

في مهاوي الغيث والكون الجنين

وتولت  بفتى الشعر يد

ترشف  الآخر  كاس الأولين

فتوزعتم  مع  الناس الأسى

وخصصتم فخره في الفاخرين

حلت الضاد بكم فاعتصمت

بالحمى الأمنع والحصن الحصين

أزهر  يحنو  وكف  طلقة

تصغر المال وبذل الباذلين

فلكم  في  جيدها ما بقيت

منن  ماثلة لا يمّحين

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد البزم

avatar

محمد البزم

سوريا

poet-Mohammad-al-Bazam@

4

قصيدة

1

متابعين

محمد بن محمود بن محمد بن سليم البزم. شاعر ولغوي وأديب وكاتب سوري، دمشقي المولد سنة 1887م والوفاة سنة 1955م. عراقي الأصل. من أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق. كان واسع ...

المزيد عن محمد البزم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة