عدد الابيات : 67

طباعة

والظنُّ أنكَ قد أبللتَ إبلالا 

فعدتَ والقلبُ مُلتاعٌ بلَوعتهِ 

والعينُ ترسلُ فيضَ الدمعِ إرسالا 

فوَا لدهريْ! أمَا يكفيهِ ما فعلَتْ 

صُروفهُ فيَّ حتى كرَّ صيَّالا؟ 

بالأمسِ صاح بإخواني فأخمدَهمْ 

واليومَ صالَ على الأستاذِ فاغتَالا 

يا راحلاً جدَّدَ الأحزانَ مصرعُهُ 

نغَّصتَ عَيشي وزدتَ البالَ بلبالا 

قد كنتَ براً بنا لا تنثني حدباً 

فما لكَ اليومَ تجفُو الصَّحبَ والآلا؟ 

سئمتَ منَّا فأزمعتَ السُّرَى عَجِلاً؟ 

أم قد رأيتَ مصيرَ القومِ مِمحالا؟ 

أم لَم يرُقكَ مقامٌ بينَ أظهُرِنا 

لمَّا رأيتَ رعاءَ الشاءِ أَحْطَالا؟ 

عليهمُ مِن جلودِ الشاءِ أرديَةٌ 

يخادعونَ بها الأغنامَ خُتَّالا 

آلَت إليهم مَقاليدُ الأمورِ، وهُمْ 

لا يَرقبونَ سِوى أحوالِهم حَالا 

بالأمسِ كانَت إلى جنكيزَ نِسبتُهمْ 

واليومَ صارُوا إلى قَحطانَ أَنجالا 

حالٌ لَعَمركَ تُبكي كلَّ ذِي بصَرٍ 

وتُذهِلُ العاقلَ الفكِّيرَ إذهَالا 

باسمِ العُروبَةِ قد باعُوا مَوَاطِننا 

وحمَّلونا على الأثقالِ أثقالا 

وأرهَقونا على الإذلالِ إذلالا 

وطوَّقُونا على الأغلالِ أغلالا 

يا نائياً عن ديارٍ ودَّ ساكُنها 

لَو كانَ يزمعُ عَنها اليومَ تَرحالا 

رحلتَ فانصبَّتِ الأحزانُ زاخرَةً 

عليَّ حتَّى بها سُربلْتُ سِربالا 

واستكَّ سَمعيَ وانشقَّ الفؤادُ أسًى 

وكدتُ لَولا الأُسى أتلوكَ إرقالا

مَن ذا يمرُّ أَنيني في مَسامعِهِ 

ولا تَرى دمعَهُ كالقَطرِ مِنْهالا؟ 

ما بعدَ يومِكَ قلبٌ لَم يذُب كمَداً 

وأيُّ حقنٍ بفَيضِ الدمعِ ما سَالا 

دوَّى نعيُّكَ في الأقطار، فاضطرَبَتْ 

وضجَّ مِن هولهِ السُّكانُ إعوالا 

ففي (العِراقِ) حزينٌ لا قرارَ لهُ 

وفي (الشآمِ) كئيبٌ أفقدَ البَالا 

وفي (الجزيرةِ) مفجوعٌ أخو شَجَنٍ 

بادٍ، وفي (مصرَ) باكٍ ذاقَ ولْوَالا 

لا غروَ إمَّا بكاكَ الناسُ قاطبةً 

أو أوجَسُوا مِن أليمِ الخَطبِ جئلالا

فأنت أنتَ الذي جِيدُ العلومِ بهِ 

زهَا وقد كانَ مِنها الجِيدُ مِعْطالا 

وأنتَ أنت الذي قد كانَ (مُنتظَراً) 

فكَم (هدَيتَ) إلى الإسلامِ ضُلاَّلا 

وأنت أنتَ الذي مِن بأسهِ ارتعَدتْ 

فرائصُ الكفرِ تشكُو الدَّهرَ أَوجالا 

وأنتَ أنت الذي دانَتْ لهَيبَتهِ 

قبائلُ العُربِ أذواءً وأَقيالا

قد خفتَ ربَّكَ في سرٍّ وفي عَلَنٍ 

فخافكَ الدهرَ مَن مارَى ومَن مَالا

وكَم أمامكَ قد ولَّى ذوُو شُبَهٍ 

كما تولَّى جبانٌ راءَ رِئبالا

وما ركنتَ إلى غيرِ العُلومِ، ولا 

دنَّستَ عِرضاً، ولا جمَّعت أَموالا 

وراودَتكَ ذَوو الدُّنيا بزِينَتها 

فانْصَعتَ عَنها وما دنَّست أَذيالا

بتَتَّها وكفَيت النَّفس غائِلَها 

فعِشتَ ما عشتَ فيها ناعماً بالا 

وقد عَجمتَ بَني الدُّنيا بأَجمَعِهمْ 

عَجْماً، فأَجفَلت مِنهم بَعدُ إِجفالا 

فعِشتَ مُنفردًا مِن غَيرِ صاحِبَةٍ 

تشتِّتُ الهمَّ أو تُولِيكَ إجمالًا 

مضَيتَ مِن بعدِ ما أحيَيت مِن سُنَنٍ 

دُرْسٍ وبدَّدتَ في الأعناقِ أَغلالا 

وطارَ صِيتكَ في الآفاقِ قاطبةً 

حتَّى بهِ ضَربوا للناسِ أَمثالا 

إن إلأُلى حسداً كادوكَ أو سَفهاً 

ساؤوا لعَمركَ عِند اللهِ أَعمالا 

تبًّا لهم مِن شَياطينٍ مسلَّطةٍ 

عاشُوا مدَى الدهرِ ضُلاَّلاً وجُهَّالا 

عاشوا نشاوَى بخَمرِ الجهلِ تَحسبهمْ 

وهُم يجرُّونَ ذَيلَ الأُزْرِ أَبدالا 

لَيسوا مِن الدِّينِ في شَيءٍ وإنْ سَجَدوا 

أو سبَّحوا اللهَ أَبكاراً وآصالا 

إن يَسمَعوا رنَّةَ الدِّينارِ مُضطرباً 

خرُّوا سُجُوداً إلى الأَذقانِ إجلالا 

فهُم بما قدَّموا مِن مُوبقاتِهِمُ 

ساؤوا النبيَّ وساؤوا الصَّحبَ والآلا 

أما الإمامُ فقَد أَولاهُ صالحةً 

ونالَهُ ربُّهُ مِن لُطفهِ نالا 

يا شامتاً راح مسروراً بمصرَعهِ 

مهلاً فلَم يعُدِ الرئبالُ أَشبالا 

إن كنت تفرحُ مِن فقدانِ سيِّدِنا 

فسوفَ تَلقى من الأشبالِ أَهوالا 

إذا اليراعةُ هزَّتها يدِي رَعفتْ 

سمًّا زعافاً يهرِّي الجسمَ أَوصالا 

وإنْ لسانيَ يوماً كانَ مُنصلِتاً 

حَسبتهُ صارماً يهتزُّ عسَّالا 

ما أنسَ لا أنس أيامًا بصحبتهِ 

حَلَتْ فمرَّت.. وساءتْ بعدُ أَحوالا 

صحبتُ (شُكرِيْ) مِن الأعوامِ أربعةً 

حتَّى بلغتُ بهِ في العِلمِ آمالا 

لولاهُ لولاهُ لم أدرِك بلوغَ مُنًى 

والبدرُ لولا سَناءُ الشمسِ ما لالا 

إني لأَبكيهِ ما ناحَت مُرزَّأةٌ 

ثَكلى ترنُّ مدى الأيامِ إعوالا 

لو وجَّهَ الناسُ مِنهم نحوَهُ حزَناً 

إزاءَ حُزنيَ ما ساؤوهُ مِثقالا 

يا عينُ لا تَرقَئي مِن واكفٍ غَدِقٍ 

يا عينُ سحِّي عليهِ الدمعَ هطَّالا 

بات الخليُّ على وَجدي يفنِّدُني 

لَم يدرِ أيُّ عظيمٍ ويحَهُ زالا 

جلَّ المُصابُ، وإن أحزَنْ فلا عَجبٌ 

إنَّا فقَدنا إماماً كانَ مِفضالا 

ما راعَني الدَّهرُ إلاَّ يومَهُ، ولكَمْ 

جرى سِواهُ وما قَد راعَ أو هالا 

قد كان حِصناً حَصيناً ليْ ألُوذُ بهِ 

فصِرتُ في حرةٍ جرداَ حلالا 

بغدادُ قد أقفَرَت من بعدِ مَصرعهِ 

فقلقَلَ الرَّكبُ عن بَغدادُ إهبالا

يا (بَهجُ) أزمِع إلى مصرٍ، فلَستَ تَرى 

بعد الإمامِ بِها ماءً ولا آلا 

هذِي المدارسُ أضحَتْ وهْيَ باكيةٌ 

مِن بَعدِ شيخِ بَني الآدابِ أَطلالا 

زمَّ المَطيَّ ودَعْ بغدادَ موحشةً 

إني أرَى في عَرينِ اللَّيثِ ذيَّالا 

يا سيداً آثرَ الأخرى ففازَ بِها 

وسارَ عُجباً بها للهِ مُختالا 

إن بِنتَ عنَّا فلم تبرَح بخاطِرِنا 

كأنَّما فيهِ قد صُوِّرتَ تِمثالا 

أو ضمَّك القبرُ في أَثرائهِ فلقَد 

نشَرتَ مِن غُرر الآثارِ أَزوالا 

لو يَعلمُ القَبرُ مَن وارى لتَاهَ على 

ما حولَهُ من قبورِ الناسِ إدلالا 

فاذهَبْ، عليكَ سلامُ اللهِ في دعَةٍ 

ما أشرقَ البدرُ في الظَّلماءِ أو لالا 

وجادَ قبرَكَ غيثٌ مُسبلٌ غدَقٌ 

دانٍ مسفٌّ يسحُّ المزنَ إهضالا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد بهجة الأثري

avatar

محمد بهجة الأثري حساب موثق

العراق

poet-Mohammad-Bahjat-Athari@

11

قصيدة

3

متابعين

محمد بهجة الأثري هو أحد كبار الأدباء والشعراء في العراق والعالم العربي، عُرف بتمسكه بالإسلام واهتمامه بقضايا الأمة العربية والإسلامية. وُلد في بغداد عام 1902، ودرس على يد كبار العلماء ...

المزيد عن محمد بهجة الأثري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة