الأب:
بُنيَّ يا مغوارْ
مللنا الانتظارْ
فقم لحربِ الثارْ
لكسبِ الانتصارْ
نريد الاستقرارْ
ولو بالانتحارْ
الابن:
لماذا يا أبي لا نقبلُ السلامْ
ونقبل الشروطْ فما هي استسلامْ
ونمنعُ الصدامْ ونحيا كالحمامْ؟؟
الأب:
أنا لا أرضى يا اْبني الصامدْ
بالحلِّ السِّلميّ الفاسدْ
كيلا تُرسمَ يوماً ما
فوق جبينك نجمةُ دافدْ
كيلا تجهَضَ أخصبُ ثورة
بمخاضٍ لا ينجب فأرَةْ
كيلا تُطفَأ هذي الجمرةْ
من روحِ الثوار الحرَّةْ
ولهذا أرفض يا ولدي
أن أقذف بالبلوى بلدي
الابن:
أيضاً أنا لا أرضَى
إلا بعودة أرضي
لكنْ يزيد القتلى
من أجل هذا الرفضِ
أ لأجل حقِّ ولَّى
ولِحُفنة من أرضِ
نُذْكي أوارَ البغضِ
نعاني أقسى المضّ؟؟
لمَ نحن لا نتخلَّى
عن بعضنا للبعضِ؟؟
متسامحِينَ جميعاً
لِصَوغ حَلٍّ يُرضي؟؟
فلا يزيد القتلى
ويزول عهد البغضِ؟
الأب:
هل يُسلبُ الحقّ
ويُمْحقُ الرزقُ؟
وشعبنا يشقى
من دون أن نثأر؟؟
الابن:
كلا يا أبتي كلا
وأفكّرُ أن أجدَ الحلاَّ
وأعيد العزة والشملا
الأب:
قُلْ ماذا أكثرُ من هذا
يا ولدي ماذا هو أكثرْ؟؟
سلبوا الحرية والمغْنَى
هل جُرمٌ من هذا أكبَرْ؟؟
لا تقبلْ حلاً فرديّا
لا تَلبِس قيداً ذهبيا
وأقول بأنه لا يُجْدي
مجهودٌ فردي أبترْ
ليحلَّ المشكلة الأكبرْ
لكنْ خيرٌ من أن نُبْتَرْ
لو كل الضرباتِ تُسَيَّرْ
في وقت أحدٍ لن نخسرْ
لكنْ حكامُ الدنيا
لا يهوُونَ سوى المُنكرْ
فجّر يا ولدي بركانا
أشعلْ يا ولدي نيرانا
تلتهم اليابس والأخضرْ
وبحقك أجمعِهِ تظفرْ
الابن:
كلُّ من حولي رمادٌ
فلماذا ألتهبْ؟؟
كلُّ من حولي نفاقٌ
وادّعاءٌ وكذبْ
وخياناتٌ تخلِّي كل
نصر ينحجبْ
هل أنا أفدي بروحي
والمُرابي يكتسبْ؟؟
إنْ ترَ الوالي يضحي
تجدِ الشعبَ السّندْ
وإذا الحكام جدّوا
تجِدِ الجمهور جدّْ
وإذا راموا اتحاداً
تجد الكل اتحدْ
إنما الحكام للأعداء
سرّاً هم عمَدْ
وترى الحاكم يبقى
حاكماً طول الأبدْ
الأب:
كل حكم فيه شرٌّ مع خيرْ
في امتزاجٍ وصراعٍ مستمرّْ
لا تظن الشعب أسمَى بل أشرّْ
كم مليكٍ ورئيسٍ فيه بِرّْ
فكما كنتم يُنَصَّبْ مثلكمْ
هكذا قال حكيمٌ ذو بصرْ
حول غصن الورد هالُ الشوك يزهو
ويعيش الشرُّ في أنقى البشرْ
الابن:
سنيناً أيا أبتاه نُدارْ
بنفس المجال كلُجِّ البحارْ؟
قَضِيّتنا لم تفز بانتصارْ
ولكن على العكس بالاندحارْ
الأب:
نواجه أقسى العدى كالتتارْ
سوانا إليهمُ نخّ وخارْ
ونحن قريباً نرى الانتصارْ
فبعد الظلام يحلُّ النهارْ
أنت تدري يضرم النار الشرارْ
كم لُغيمٍ جعل الأرض انفجارْ
ليس كالفادي مفيداً للديارْ
ضد تهويد الفيافي والبحارْ
كل من يبدأ حرباً خاطفاً يجني انتصار
الابن:
ما دام قد رام الأعادي مصرعي
قررتُ يا أبتي سأصرعهم معي
أبتاه كم بي من طموح ظامئ
لن يرتوي إلا بنصر مترعِ
الأب:
ثُرْ لا تسل عن كل هذا العالم
يا ابني وكدسها تلال جماجم
الكون هذا يستحقّ إبادة
لسكوته عن جرم هذا الظالم
ما حَكَّ جلدك مثل ظفرك نفسِهِ
فاثأر ولا تزجرْك لومة لائمِ
الابن:
سأواصل الجهادْ
سأفجّر الغضبْ
كي يحكمَ البلادْ
أصحابُها العربْ
وسأحرق الأعداء
بجهنم اللهبْ
لا أرتضي إلا
أن أمحق الذلا
وأطرد النذلا
من قدسنا الأغلى
اليومَ يومُ الحربْ
اليوم نصرُ العُرْبْ
هيا نردّ الضرب
إنّا سنخزي الغرب..
هيّا إلى يافا
ألَا بدَت عن قربْ
طيورها في الدرب
غنّت لنا: يا شعبْ
قد باد عهدُ الكَرْبْ
وجاء عهدُ الحُبّْ
اليوم لا قيودْ
لا سدّ لا حدودْ
اليوم يوم العيد
ونهايةُ التشريدْ
وتشتتُ اليهودْ
من كافة الوجودْ
أبتاه لن ننقادْ
لن نترك الجهادْ
سنحقق الأمجادْ
بتحرّر البلادْ
الأب:
هيّا يا ابني هيَا
حارب حتى تحيا
شبلاً عربيّا
حرّاً وأبيّا
إن الصهيونيّة
هي العبوديّة
حرّرْ كلّ الدنيا
منها يا بُنَيَّا
الابن:
غداً يشعّ النجمُ
ويطلّ بابتسامْ
غداً تنير الشمسُ
وتبدّد الظلام
غداً نعود ليافا
والمقدس المقدام
غداً نعود نصلي
في قِبلة الإسلامْ
غداً نغذي الدنيا
بفكرة السلامْ.
خالد مصباح مظلوم (مواليد 29 يوليو 1940) شاعر ومؤلف سوري. نشأ في سوريا ثم انتقل إلى مصر لدراسة الأدب العربي، حيث حصل على شهادة جامعية من جامعة القاهرة عام 1963. ...