الديوان » مصر » علي محمود طه » بين الشرق و الغرب

عدد الابيات : 54

طباعة

مسراك نور و أنسام و أنداؤ

فاخفق شراعي ، و طر ، يصدح لك الماء

يا أيها القلق الحيران كم أمل

تشدو به موجة في بحر العذراء

يحدوك بالنّغم السّكران أرغنها

في مسبح ماؤه زهر و صهباء

أما ترى البحر يبدو في مفاتنه

لكلّ جبّ جديد فيه أجواء ؟

و فجره صائد طارت بمهجته

حوريّة في فجاج اليمّ شقراء ؟

و ليله مرقص تغشاه غانية

في مطرف أسود وشّاه لألاء ؟

شتّى مواكب من روح و آلهة

لها التّفات إلى الماضي و إصغاء

تهرّها بقديم الشّوق أشرعة

مرنّحات تغنّهن أنواء

يقودهنّ على الأمواج في مرح

ملاخ واد له بالتّيه إغراء

ما بين عينيه سال البرق مبتسما

و استضخكت قلبه مزن و هوجاء

زوته عنها السّنون السّبع و اختلفت

عليه من بعدها نعمى و بأساء

مغرّبا في ديار من عشيرته

بها الأحبّة حسّاد و أعداء

و قيل كفّته عن دنيا شوارده

بيضاء من شعرات الرّأس غرّاء

لا يا غرامي ، و هذا الفنّ ملء دمي

بالنّار و الصّبوات الحمر مشّاء

ما أفلتت من يدي غيداء عاصية

إلا و عادت إليها و هي سمحاء

و ذاك شاطئنا المسحور تزحمه

من ذكرياتك أطياف و أصداء

على الصّخور الحواني من مشارفه

ربّات وحي ، و أشواق ، و أهواء

أقمن منتظرات ، ما شكون ضنى

و قد تعاقب إصباح و إمساء

حتّى رأتني على بعد مطوّقة

مجروحة الصّوت ، و لهى اللّحن ، سجواء

همّت تغنّي فكانت نبأة و صدى

صحت لوقعهما دوح و أفياء :

عرائس الشّعر قد عاد الحبيب ، و في

عينيه سهد و تعذيب و إضناء

آب المغامر من دنيا متاعبه

أما له راحة منها و إغفاء ؟

دعيه يحلم بأنّ البحر في دعة

و الرّيح ناعمة ، و الأرض قمراء

و انها في ظلال السّلم نائمة

و أنّها جنّة للحبّ غنّاء

و قرّبي كأسه و اصغي لمزهره

يسمعك أشجى نشيد زفّه الماء

و قيل لبنان سحر الشرق ، فاندفعت

سفينة و هفت بالشّوق دأماء

أوحى له الشّرق أنّا من أحبّته

و أنّنا في الهوى أهل أودّاء

فقرّبتنا و شفّت عن بشاشته

به قرى كربوع الخلد شجراء

في كلّ منحدر منها و مرتفع

مسحورة النّبع ، ريّا النّبت ، جلواء

فعلّقت بمغانيه نواظرنا

و قبّلت نسمات الأرز حوباء

و استقبلتنا الطّيور في مناقرها

شدو ، و زيتونة للشّرق خضراء

ترقّص الموج إذا مسّته أجنحها

كقلب آدم إذ مسّته حواء

في ساحل من خرافات و أخيلة

بهنّ لبنان روّاح و غدّاء

لاحت على سفحه بيروت فاتنة

صبيّة و هي مثل الدّهر شمطاء

توسّدت صخرة الآباد و التفتت

ترعى سفائن من راحوا و من جاؤوا

أتلك بيروت ؟ أم بابل صور

معلقات ، لها بالسّحر إيحاء !

شغل العباقرة الشادين من قدم

مجددين لهم في المجد أسماء

و أومأت بالهوى عاليّ فاعتنقت

من حولنا ثمّ أظلال و أضواء

قامت تنسّق من ماء و من شجر

فكلّ ناحية زهر و أجناء

كأنّما نبّئت من عشتروت لقا

فازيّنت فهي سيقان و أثداء

تقول : يا ربّة الحسن انظري و صفي:

أفوق واديك مثلى اليوم حسناء ؟

عاليّ ، رفقا بأبصار مدلّهة

لها إلى الحسن بالألباب إفضاء

عاليّ ، إنّا نشاوى من هوى و أسبى

إنّا محبّون ، يا عاليّ ، أنضاء

و حان بعد وداع من فرادسها

و قد حرت بخطى الشّمس المليساء

فاغرورقت بدموع الوجد أعيننا

و أشفقت من وجيب القلب أحناء

و سار عنها شراع حائر قلق

له إلى الغرب بالأسفار إيماء

يل بحر ما بك ؟ هل مسّتك عاصفة

أم استخفّك إزباد و إرغاء ؟

أشاقك الغرب أم شفّتك موجدة

لما خبت من ربوع الشّرق أسناء ؟

هذي السّماء صفاء ، و الدّجى قمر

للحسن فيه و للعشّاق ما شاؤا

يا بحر ما بك ما بي! مصر ما بعدت

ولي إليها بهذا الشّعر إسراء

عجبت و العصر حرّا كيف في يديها

هذا الحديد له حزّ و إدماء !

أقسمت لا رجعت بي فيك جارية

إن لم تجئ عن جلاء القوم أبناء

و أنّ مصر بحريّاتها ظفرت

فأهلها اليوم أحرار أعزّاء

أقسمت ، إلاّ إذا نادت بقتياها

فهبّ مستقتل عندها و فداء

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن علي محمود طه

avatar

علي محمود طه حساب موثق

مصر

poet-ali-mahmoud-taha@

112

قصيدة

543

متابعين

شاعر مصري ينتمي إلى المدرسة الرومانسية،ولد علي محمود طه المهندس عام 1901م بمدينة المنصورة، وقضى معظم شبابه فيها. تعلم في الكُتاب وحفظ بعضا من سور القرآن الكريم، ثم انتقل إلى المدرسة الابتدائية، ...

المزيد عن علي محمود طه

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة