هاتِهَا كأسًا منَ الخمر التي سَكِرَتْ آلهةُ الفنِّ بها اِسقِنِيهَا وتفيَّأ ظُلَّتِي وترنَّمْ بأغاني حُبِّهَا هذه النكهةُ من صَهْبَائها شبَعُ الرُّوح ورِيُّ الجسدِ عربد الشَّاعرُ منْ لَأْلَائِهَا وهيَ كَنْزٌ في ضَمِيرِ الأَبَدِ هاتِهَا في كلِّ يومٍ حَسَنِ نفحةَ الوحْيِ وإشْرَاقَ الخيَالِ وأَدْرِهَا نَغَمًا في أُذُنِي فاضَ من بين سحابٍ وجِبَالِ هاتِها سِحْرَ الوجُوهِ النَّضِراتِ هاتِهَا خَمْرَ الشّفاهِ الملهمَاتِ والعيُونِ الشَّاعريَّاتِ اللَّواتي شَعْشَعَتْ بالنُّورِ آفاقَ حياتِي ذُقْتُهَا كالحُلْمِ في ريِّقِ عُمْرِي قُبْلَةً عذراءَ من ثَغْرٍ حيِيِّ وَتَسَمَّعْتُ لها في كلِّ فجرِ وهيَ تَنْهَلُّ بإلْهامي الوَضِيِّ هاتِهَا جَلْوَاءَ، يا توْأَمَ روحي فَبِهَا أبصُرُ للخُلْدِ الطَّرِيقَا لو خَلَا من كرْمَتَيْهَا فُلْكُ نُوحٍ أخطأ الجوديَّ، أو بات غريقَا ما أراهَا أخْطأتْ في وهْمِنَا عالَم الغابةِ أو مَهْد الجدودِ وأراها خِلْقةً في دَمِنَا يوم كُنَّا بعضَ أحْلَام القرودِ جَدُّنَا الأعْلى على كُبْرَتِهِ لم تَشِنْهُ نظرةُ المنتقصِ هُوَ ما زالَ عَلَى فِطْرَتِهِ ضَاحِكًا خَلْفَ حديدِ القَفَصِ ذاقها مُذْ كان في الغابِ لعوبَا يتغذَّى من ثمار الشَّجرِ فمضى يَحْلُمُ نشوانَ طروبَا بحفيدٍ في مراقي البشَرِ يا لها من قطرةٍ فوق شَفَه غيَّرَتْ مَجْرَى حياةِ العَالَمِ في خَيالٍ مَرِحٍ أو فَلْسَفَه أبصرَ الدُّنْيَا بعينيْ آدَمِ فلسفَتْهُ حين مَسَّتْ قَلْبَهُ فاشتهى الفنَّ وعِلْمَ المنطِقِ وأرَتْهُ وأنارَتْ دَرْبَهُ وهو في سُلَّمِهِ لم يَرْتَقِ أيُّهَا الحالِمُ، غَرَّرْتَ بنا وكفى سُكركَ ما جرَّ علينا عُدْ بنا للغابِ أو هاتِ لنا عهدَها، أحْبِبْ به اليوم إلينا أَوَترضى بالذي ما كُنْتَ تَرْضَى أيُّ دنيا من عذابٍ وشقاءْ ورُقِّيٍّ أهْلَكَ العَالم بُغْضَا بين نارٍ، وحَديدٍ، ودماءْ شَوَّهَ العِلْمَ رُؤَى الكونِ القديمِ ومحا كلَّ مسرَّاتِ الدهورْ أَوَ أرضٌ جوفها نارُ جحيمِ؟ وفضاءٌ كلُّ ما فيهِ أسير؟ أسرةُ الشمسِ اشتكتْ من أَيْدها كيف لا يشكو الأسارى المرهقونْ؟ لو أطاقوا أفلتوا من قيدها فإذا هم حيث شاءوا يشرقونْ إنْ يكن قد أصبحَ البدرُ الوضيءُ حجرًا، والنجمُ غازًا وحديدْ فسلامًا، أيُّها الجهلُ البريءُ وعزاءً، أيها الكونُ الجديدْ يا حبيبي، دَعْ حديثَ الفلسفاتِ طاب يومي فتفيَّأْ ظُلَّتِي أتْرِع الكأْسَ، وناولني، وهاتِ قُبْلَةٌ تُنقذني من ضَلَّتِي أو فَقُمْ للغابِ من غِرِّيدِهَا نسْمعِ الرُّوح الطليقَ المرِحَا وَنَعُبَّ الخمرَ من عُنقودها واتركِ الدنَّ، وخلِّ القدَحَا
شاعر مصري ينتمي إلى المدرسة الرومانسية،ولد علي محمود طه المهندس عام 1901م
بمدينة المنصورة، وقضى معظم شبابه فيها.
تعلم في الكُتاب وحفظ بعضا من سور القرآن الكريم، ثم انتقل إلى المدرسة الابتدائية، ...