1
أيها النايُ،
عِمْتَ مساء ،
وطبتَ مدى الدهر.
 
لازال تغريدك المُشتهِى يتوالدُ في دمنا ،
وهو يحملُ نبضَ الخِليقةِ ، منذُ انبعاثتها ،
 
وأنينُكَ يسرِي، بأرواحنا ،
ويرفرفُ في الكونِ ، منذُ الأزلْ.
 
أنت ميلاد ُأصواتنا ،
وغبارُ الحروفِ ، 
التي نَسَجتْ، لُغةَ الحبّ،
قبل اختراع النداء.
 
لم تزل تتشرَّب ُأنفاسُك َالريح ،
تغزلِها نغمًا ، يتطايرُ، 
خلف ثقوبِ المسافات ،
خلف جدارِ السُّكون.
 
للمحبّة والأُ لفَة ِالمستديمةِ ، 
تجمعُ أفئدةَ الناس ،
تُشرِقُ كالطَّيف ،
تحملُ رجع الصَّدى، 
وارتعاشَ الَمَدى ،
وانبعاث الحنين.
 
تتفتّح في قسماتِ العواطفِ ،
تُـزهرُ ، في جنَبَات المكان .
 
المواويلُ ، آهاتنا المُشتهَاةُ ،
أسرارُ، أسرارِنا ،
الخبيئةِ ، بين الكلام المنمّقِ ، والصمت ،
 
الحبيسةِ ،  بين البُكا ، والعويل ،
الدفينة بين الشَّقا ، والحنان .
 
كلُّ جسم ٍ ، لهُ وترٌ، قالَ ،
ما لا تقول العصافير، 
ما لاتقولُ الحروفُ بأجمعها ،
 
والذي صَنَعَ العُـودَ،أوْصَى ،
 بأن لا نضيفَ لهُ ، وترا ً،
أن نوقـِّعَ ، في نَغْمةِ الشرق ِ، أرباعَها ،
ونغنّي على ذِ كر إسحقَ ، في مجدهِ ،
أغنيات ِالكَمال.
 
لم يزلْ ذلكَ الصوتُ ، يعبُرنا ، 
وهْوَ يرسِلُ آيٍ الحروف ،
مَقَاما ً، وتفعيلة ً، 
تتورَّدُ ، في وجنةِ القلب ،
تملؤهُ  نشوة ًوابتهال .
2
 
البيانو ، عميد المسارح ،
دويٌّ ورَجْعٌ ، يضـجُّ بذاكرة الفن ،
في خشباتِ المسارح .
 
يعبرُ أوديةً وقروناً ،..إلى ذوقنا ،
يتملَّكُ احساسنا ، وهو ينداحُ ،
من كرنفال أثينا ،
وأروقة الحفلاتِ القديمةِ ،
من وَهَـج ، المُلْهَمِين ، العِظامْ .
 
يغمرُ أفئدة  الإنتشاء الجماعيّ ،
يُغدقُ أوسمة الإستماع الرصين.
 
رتلٌ من النغم المتوالد ، 
يغمر بالنغمات الوجود.
 
تشرئبُّ لإيقاعهِ صحوات المنى،
وتثور على شدوهِ ،
رغبةُ الإحتفال .
 
سُفُنُ الرُّوحِ مبحرةٌ ، لاتزالُ ، بأعماقنا ،
من تفاعلهِ ،
وهي ترنو الى السبَّقِ ، والإرتحال .
 
3
أيُّ قيثارةٍ لاتحرِّكُ  في صمْتِكَ المُرتخِي ،
صوت أنثى ،
أي قيثارةٍ ، لاتفتحُ ذاكرة العشق ،
لا تشدُّك  نحو غواني طُليطلةٍ ،
وتجرُّك نحو زخارف قُرطبةٍ وحدائقها.
 فتنامُ ، وتصحو، على حُضن زرياب .
 
أيُّ قيثارةً لا تُحَرِّك خِصراً ولا قامةً ،
وهي تغدقنا بالتواشيح ،
تُمطرنا بالخشوع ،
وتغمُرنا بالتوسُّل ، أوبالتَّوَلـُّهِ  ،
في رقصات السَّمَاحْ .
 
  
 
4
الحروف تُوقـِّعُ  ، ما يرغبُ الناس ،
واللحن يعزفُ ، ما تبتغيهِ الحياة .
 
شجنٌ ، وحنينٌ ، تقاسيمُ رؤيا ،
يجُودُ بها نغمٌ ، يتهدَّج ُ في السمع ،
يضربُ ،  أطنابهُ في المشاعر،
يجمعُ رابطةَ الكائن ِالحيِّ ، 
بالملكوت .
 
الجراحُ ، التي تتكدَّسُ ، 
تهفو إلى نغم ٍ يتخلّلها ، 
ويجُسُّ ثقوبَ جوا رحها ،
لتسدُّ به ، عَوَزَ الروح ،
تُطفِي بهِ ، غضبَ النفس ،
تغمِسُ أوجاعها ، 
في بَرُودِ التناغمِ ، والإنسجام .
 
5
سلبَ الأقدمون عواطفنا ، 
حين غاصوا وغاصوا ، ولم يرجعوا ،
من ضبابية النص، 
من شطحات الكلامْ .
 
لم تكنْ ، من رجالاتنا ، أمَّـــةٌ ، 
يرحلون مع الصوتِ ،والضوء ،
 
يُرْجِعُونَ لنا ، نَبَـأً واحـدًا ،
ويجيئون من سباءٍ بيقين .
 
6
 
كم دَرَجْنا على ذ كر ليلى ،
ولكننا ما وجدنا طريقاً إليها ،
كم شكونا من الهجر ، والبُعـدِ ، 
حتى جعلنا الغرامَ ، هو العشق ،
والعشق، ماهوَ ، الاَّ العذاب الأليـم .
 
نصف قرنٍ ، ولانبض في دمنا ،
غيرصوت امِّ كلثــوم ،
لاشيىء يطربنا غير فيروز ،
أوصوت عبد الحليم .
 
لاشيئ يوقظنا ، غير صوت ذبيحِ ،
يئنُّ ببغــــداد ،
أورنَّـةٍ ، من تراثٍ قديمْ .
 
7
 الغناءُ لدينا ،.... 
جراح ٌ، تُغنِّي ،
صدىً ، في جوارحنا ، يتألمُ .
 
دمعٌ يسبِّح للمستها مين ،
تنهيدةٌ ، 
تتمطىَّ خلال حناجرنا،
وهْيَ تملاءُ أعما قنا نشوةً ،
بالعـذابْ.
 
والغناءُ، انتصارٌ على الظُّلمِ ،
 تعويذةٌ للأسى ،
والتفافٌ ، على فكرة الإنتقام .
 
هو أيقونةٌ تتـنغَّـمُ ،
ذبـْذبةٌ ، تتبسمُ ،
دنـدنـةٌ ، تتعالى ،
وأرجوحةٌ ،
تتنفسُ من حولنا،
بالبنفسج والأرجوانْ .
 
ترنيمة ، وبطــــاقةُ حبٍّ ، 
تطرِّز أحلامنا بالشبـابْ .
 
8
أينعت بالإجابة أوتار أعماقنا ،
وهي ترسل أمواج فتنتها دهشةً في القلوب ،
يُوقعهُ نغـمٌ ، يتنفس مِلءَ الشـــروقْ .
 
فالكلامُ المُغنـَّى ،  
له نفسٌ مفعـمٌ بالحنانْ .
 
تستريح على شفة اللحن ذاكرةٌ ،
عفَّرتها السُّنـــون .
وتصحو على نغمة العود ذاكرةٌ ،
من زمان الصِّبا.
 
كلّمَا هبطَ القلبُ ، ثارت غرائزنا ،
لارتشاف الأغاني ، وتكرارها ،
واقتفـــاء الشَّجَى ،
من أنين القيـــــاثر، 
أو سقسقاتِ الكَمــــانْ .
 
كيف تهربُ من هَـوَسِ الإفتقـار،
إلى كلِّ شيئٍ ....،
إلى الفوز بالشيئِ ، نفسِهْ .
 
كيف تُعلِنُ وقتَ انسلاخك ،
من شغف الكسبِ ، والإقتنـــاءِ ،
إلى سُندس الإرتخــــــاءِ الأنيقْ .
 
كيف تجمعُ ضوءك في نجمةِ ٍ،
و تبعثره ُ كيفما شئتَ ،
أو كيفما يشتهيهِ البريق .
 
كيف تشرحُ نفسكَ؟
حين يثور الحنين بها ،
وهي تمنحُ سرّ امتلاك السكينةِ ،
عند الترنُّـم في عتمةِ الليـــلْ .
 
حين تثُور بها لهفةٌ ،
للتأرجح بين السموات ، والأرض ،
حين يُعربد شوقٌ بهــا ،
مثل شوق الرياح إلى ربوةٍ ، لم تطأها .
 
حين يولدُ فيك الحنين ُإلى الإرتماءِ ،
بوادٍ من اللحن ،
حصباؤهُ..من عقيــقْ .
 
أينعت بالإجابة أوتار أعماقنا،
وهي ترسلُ أمواج فتنتها،
دهشةً في القلوب.
يوقـِّعهُ نغمٌ،
يتنفسُ ملءَ الشروق.
 
9
 
المقامات أسفارُ حبٍّ ،
تُطرِّزُ إبرِيزَ أحلامنا ، 
بالبَهَــآءْ.
 
والمزاميرُ كانت طريقا ، إلى وعيِنا ،
والمزاميرُ، كانت ، طريقا إلى الله .
نافذةً لليقين .
 
الطبول قرابينُ أفراحنا ، 
وانتصاراتنا ،
ولهاثُ مشاعرنا. 
دويّ معاركنا ،
وتراتيل أجدادنا.
وهي نبض الولاءِ  المخـلّـدِ ، 
والانتماء العريقْ .
 
يا مواكب أجيالنا   اتَّصلي ،
يا كتائب أفراحنا ،
ياصفوفَ النشيد ،
ويا جوْقـةِ ، البَا لَةِ ، اليمنيةِ.
 
إرسِلوا نغمَةَ الـدَّان ،
من حضرموت المجيدة .
 
غنُّوا لنا بالبسيطِ (الثنائي)،
مقاماً ، وشَرْحًا ، وأنشودةً ،
واعزفوا بعض ما قالهُ شرف الدين ، 
في كـوكبـــانْ .
 
جدِّدوا عهدكم ، للخفنجي ، ونشوان ، 
وابنِ هُتيْمِــلْ .
إفسِحوا ،لابن محضار ، والسالمي ، 
والقومنـــــدانْ .
 
إمنحوا الآنسي وابنَهُ لقَبـــاً ,
أو فسَمُّوا بإسمهما ، شا رعاً , أومكــانْ .
 
غنُّوا لوحدتنا ، ولأفراحنا ، 
مجِّــــدوا نصرنا ،
شنِّفوا بالمزامير ، أسماعَنا ،
ثم دُقٌّــــوا طبولَ الغساسنةِ ، الأقوياءْ .
 
إجعلوا جَسَدَ الأرض ِيهتــزّ ،
والرَّملُ ، يرتجٌّ ، في قارعات الطريقْ .
 
إصعـدوا ، من جنوب الجزيرةِ ،
واسْـرُوا ، مع الليـل ،
غنّوا بألحانكم في طريق القوافلْ ،
حتى جنوب العراق.
 
عُـودوا من الشَّامِ ، حتى مُروج الصَّعِيدْ .
مرٌّوا بأندلسٍ ، والرُّصافةِ ، والجسر ،
غنّوا عيون المَهَا ، وقُـدودَ الغواني الملاحِ ,
انصُبُوا قٌـبَبَ الفاتحين .
 
أحيُوا بأجسادنا لُغَـةَ الرَّقص ، والعنفوانِ ،
استعيدوا مشاعرنا ،
اجعلونا نعوِّض مافاتنا من حنين .
 
أتركُوا خَيْلنـا تنْتشي ،  وتُقـوِّسُ أذيالها ،
تتغنّــــجُ ، تـزهــــو..
تهـــزٌّ القلائدَ في نحرِهـا ،
وتدغدغُ أسماعنــا بالرَّنيــن .
 
كم صبرنا على صبرنا،
كم صمتنا ، 
وكم فات في عمرنا من سنينْ .
 
10
يفسدُ الفنُّ إن صار للبيع، أوللشراء،
مثلما يفسد الورد إن صافحتهُ الأيادي،
مثلما يفسد الجسد الأنثويُّ،
إذا أنتَ عرَّضته للهواء.
 
وقفت عربات المقامات،
في مغرب الشمس،في شرفات الحضارة.
ضاعت هوادجها في غبار المعادن.
زالَ في النهاوند الأنين.
سال دفقُ البياتي ،على الأرض،
غارت ينابيعهُا في رمال الصحاري،
وبالقرب من غابةٍ للطبول.
 
والطبول قرابينُ أفراحنا،وانتصاراتنا،
ولهاث مشاعرنا.
 دويّ معاركنا،
وتراتيل أجدادنا.
وهي نبض الولاءا المخلّد، 
والانتماء الدفين.
.يدخل الفن عصر الخطيئة.
والبوقُ يعلن دولتهُ،
يتلاقح ُبالآلة الوتريةِ.
ينشد ُ، رُفقتها ، ويغازلها.
من ورآء الصفوف.
مستعيناًَ بصنّاجةٍ من نحاس.
وُطبُولٌ تحاورهُ، وتدقّ على صدرهِِ،
بيد العنف ،
حتى أطاح بهِ الأُورج،
أو ربَّما اغتاله السكسفون.
 
صنعاء،1/6/2007

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عبد الكريم الشويطر

avatar

عبد الكريم الشويطر حساب موثق

اليمن

poet-Abdulkarym-al-showaiter@

165

قصيدة

18

متابعين

الاسم: د/ عبد الكريم عبد الله الشويطر تاريخ الميلاد: ٢٤ يوليو ١٩٥٠ الحالة الاجتماعية: متزوج، أب لأربعة أبناء وثلاث بنات التعليم: تلقى علومه الأساسية في مدينة إب، والمرحلة الثانوية في القاهرة وتعز. رُشح لدراسة العلوم ...

المزيد عن عبد الكريم الشويطر

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة