كانَ الوقتُ ليلاً والأمطار تغسل الطرقات...
قصدَ ثمّة مكانٍ يرتاده بين الفينة والفينة
هناكَ في شارعٍ يعجُ بالمكتباتِ ومقهىّ أدبي لكتّاب أمريكان ذائعي الصيت...
وقف مع المارةِ تحت نزّ المطر أمام واجهةٍ
وقعَ على مسامعه من ينادي اسمه...
تطلع يمينّا ويسارّا فسرعات ما ركض عطرها إليه!.
حدّقا في بعضهما البعض في صمتٍ….
وللصّمت الف لغة ولسان
قرأ كُل مِنهما علامات الاستفهام والتعجب في الآخر….فأطلقا ضحكة جلّل صداها
وكأنّهما وجدا شيئًا كانا يبحثان عنه أو العكس...
سارَ صاحبي بلا ظلٍ حتّى وقف على الضفة الأخرى من المقهى ينصت لعازفٍ يختبأ من المطر ليجود بمعز فاته على المارو
حاول أن يصقل حنجرته المبحوحة بتمرين صوتي
على مقامات تستهويه
كالكرد النهاوند، الحجاز أو العربيون
لفحه حفيف شجرةٍ كل غصن فيها لا يشبه الآخر
ولا أعلم كيف وقع نظره على وردة ذبلت فوق غصنها!.
يا ترى كيف ذبلت وكيف تبعثر عطرها؟
كانٍ بقربه منظارًا
عاين فيه ثمرة مُحرمة ساقطة من شجرة الشّعر
وتذكر قصيدة أشبه ما تكون بقارب يترنح في البحر
كلّما سعى إلى كتابتها
غشاوةُ العين تصيبه
توجّه إلى المقهى الادبي الامريكي
لم يكن فيه كالعادة كابتشينو بالعسل، فطلب mate
امتسق قلمًا لكتابة قصيدة، فقالت تريث!
إذ تعذّر عليّه كتابتها...
فراحت تلوكه ويلوكها ريثما يكتبها…
كم من مرة ومرة رمى عليها يمين الهجران
فيجدها تلحقه بوجه غائم ليكتبها..
ولحظة رفع عينه وجال بناظره ليدونها
رّن هاتفه لحظة كتابتها،
فإذا بالمتصل أنا...
أجاب: صبرّا يا أبانا دعني أكمل الكتابة...
ولعل صمت دهشتي حفزه على الكلام، فراح يشكو لي سوء الطالع...
ضحكت كعادتي وقلت: لقد شكوت للشخص الخطأ ولكن بوحكَ يسعدني...
بعد برهةٍ أرسل لي قصيدة أو نصًا أدبيّا كان عصيًّا على التصنيف عنوانه: أنا الشاهدُ لنفسي.
ولا اعلم لماذا يومها وأنا أطالعها
ظلّ الهاتف سهرانّا على كفّ يدي؟!.