الديوان » العصر العثماني » جميل صدقي الزهاوي » لكل طلوع يا ذكاء أفول

عدد الابيات : 45

طباعة

لكل طلوعٍ يا ذُكاء أفول

فنورك هذا في المساء يزولُ

ويرحل لألاء النهار وبعده

يخيِّم ليل يا ذكاء ثقيل

تصعَّدتِ في أوج تسامى مقامه

وكل صعودٍ يقتضيه نزول

إذا غبت عن أرض طلعت بغيرها

فأشرق آكام بها وسهول

لوجهك هذا ليته دام بازغاً

شعاعٌ يرد الطرف وهو كليل

نعم أنت عنا تغربين وإنما

فراقك رزءُ لو علمت جليل

فيخفى ضياء منك للعين باهرٌ

ويظهر نور للنجوم ضئيل

وينأى عن الروضِ الأنيق اخضراره

ويكتنف الأزهارَ فيه ذبول

هنالك تستولي على الأرض ظلمة

وتوحش فيها أرسم وطلول

ولكنّ قرص البدر في لمعانه

ببعض الليالي البيضِ منك بديل

ألا أيها البدر المنير لأنت لي

إذا الشمس غابت صاحب وخليل

تصبُّ بوجه الأرض نوراً كأنه

مذابُ لجينٍ في البطاح يسيل

يخصُّك قلبي أيها البدر بالهوى

لأنك بين الزاهرات جميل

فأقرب نجم أنت يا بدر طالعٍ

على الأرض يجرى حولها ويجول

كما الأرض تأتي كل عام بدورة

على الشمس في تَطوافها فيحول

جمعتَ جمالاً راع طرفي وبهجةً

فماذا عسى يا بدر فيك أَقولُ

لك اللَه ما أبهاك يا بدر طالعاً

فهل لك في باقي النجوم مثيل

تضجرت من أرض بها الفضل ضائعٌ

ومن زمن فيه الكرام قليل

وأكثرُ بخسا للفضيلة موقع

يجادل أهل العلم فيه جَهول

وإن امرءاً لم يحتفل قومه به

وجانَبه أصحابه لذليل

لنفسي مقام في السماء ستهتدي

إليه إذا بالنفس جدّ رحيل

أتخشى ضلالا في السرى وطريقها

عليه بياض الفرقدين دليل

مقامٌ بغير الموت لست أناله

فليس إليه ما حييت سبيل

وما زلت في ليلي أمتِّع ناظري

بمنظر بدرٍ حان منه أفول

وقد سطع الفجر المضيءُ حذاءه

ولاح بياض للصباح طويل

إذا صيحة من بيت جاري تعتلي

وأخرى وأخرى صوتهن يهول

نساء عراها حادث صرخت له

وأعقب صوت الصارخات عويل

حكين بترداد النواح حمائما

لهن بريعان الصباح هديل

لقد حلَّ مذ عامين في الدار هذه

فتى لنساء كالظباء يعول

فتى ما رأت عين امرئٍ مثل حسنه

بوجنته ماء الشباب يجول

فتى لم يجاوز بعد عشرين حجة

يقال له عند الدعاء نبيل

عراه سَقام قبل ستة أشهر

فعهدي به في الدارِ وهو عليل

أظن نبيلا مات من داء سُله

فقد قال بعض إنه لثقيل

نجوت وَربِّي يا نبيل من الأذى

فليس له بعدا إليك وصول

ولكنما خلَّفت بعدك نسوة

مرزأة أحزانهن تطول

مدلهة ما ان لهن مساعد

ومهملة ما ان لهن معيل

تسمَّعت إحداهن وهي حليلة

له تتلوى بالاسى وتقول

لأنت جميل في الحياة وبعدها

كذلك في عينيَّ أنت جميل

سيذبُل هذا الخد وهو مورَّدٌ

ويكمَد هذا الطرف وهو كحيل

لقد رمت عنا رحلة أبدية

أمالك عن هذا المرام عدول

ألا ثكلت أمُّ الذين أكُفهم

عليك بطوعٍ للتراب تهيل

إلى مَن إلى من بعد موتك نلتجي

إلى من إلى من والزمان بخيل

وليس لنا في هذه البلدة التي

نعيش بها إلا حماك مقيل

وليس لنا حامٍ يلم شتاتنا

وليس لنا أهل وليس قبيل

سأَلزم قبراً أنت تسكن جوفه

وللدمع مني في ثَراك أُذيل

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جميل صدقي الزهاوي

avatar

جميل صدقي الزهاوي حساب موثق

العصر العثماني

poet-jamil-sidqi-al-zahawi@

373

قصيدة

2

الاقتباسات

138

متابعين

جميل صدقي بن محمد فيضي ابن المنلا أحمد بابان، الزهاوي. شاعر، ينحو منحى الفلاسفة، من طلائع نهضة الأدب العربي في العصر الحاضر. مولده ووفاته ببغداد. كان أبوه مفتيها. وبيته بيت ...

المزيد عن جميل صدقي الزهاوي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة