الديوان » العصر العثماني » جميل صدقي الزهاوي » لقد كان سعد خير قوم مجاهد

عدد الابيات : 75

طباعة

لقد كان سعد خير قوم مجاهد

ولكن سعدا قد مضى غير عائد

وكان لجيش الحق في مصر قائدا

فخر وظل الجيش من غير قائد

وكان نصير الحق مذ كان يافعا

برغم الرزايا والرقيب المراصد

ولم يعن سعدا ما عدا مصر مقصد

ومقصد سعد من أجل المقاصد

وأكبر ما في نفس سعد أمانة

إلى النيل منها لم يصل كيد كائد

أصاب من المقدار مصر بطعنة

فأنهرها نجلاء أطول ساعد

وقد كان سعد هلكه هلك أمة

وما كان سعد هلكه هلك واحد

لقد مات سعد خالدا منه ذكره

وما خير ذكر لا يكون بخالد

لقد أغمدت مصر الأسيفة سيفها

وقد أسلمته للثرى والجلامد

لقد مات سعد بل لقد مات موثل

وآمال شعب ناهض ذى مقاصد

وقد فقدت كل العروبة سعدها

وما مصر إلا بعض تلك الفواقد

ولم يبق من سعد لها وحياته

سوى كلم فوق الطروس خوالد

ولم يبق من سعد لها غير ذكره

يلوح كطيف الكوكب المتباعد

ولم يبق من سعد على طول وقدم

سوى جسد بعد الحرارة بارد

وما تلكم الآمال إلا خرافة

وتلك الرجايا غير أحلام هاجد

فديتك من ذي كثرة قبل موته

ومن جسد بعد المنية هامد

على الأرض شاد القوم قبرك ساميا

ولو قدروا شادوه فوق الفراقد

وقد اتخذوا من جوفه لك مرقدا

وليس يبالي ميت بالمراقد

وهل حافل بالقبر من كان سيدا

له ألف قبر من قلوب الأماجد

لرزءك لا شمس النهار جميلة

ولا الليل بسام النجوم لشاهد

وما دون مصر في العراق لك الأسى

وإن دموع الشعر بعض الشواهد

ستبكي على سعد عيون جوارحي

وتبكى على سعد عيون قصائدي

وعصماء منها كل بيت كدمعة

على الراحل المبكى من كل واحد

وإني لأرجو أن تكون كزهرة

على قبره أو درة في القلائد

وقد كان فخما موكب النعش كله

له مشهد ما مثله في المشاهد

وداعا لذاك النعش يوم مشوا به

إلى القبر في جمع من الناس حاشد

وما كنت في سيل الجماهير مبصرا

سوى مطرق أو زائغ الطرف واجد

ولا سامعا إلا شهيقا لمجهش

وإلا زفيرا من حشاشة كامد

ومن ناشج يبكي وآخر جازع

وآخر مغتاظ على الدهر حارد

فلا صبر ما لم ينقض الدهر حكمه

وما لم يكن سعد إليهم بعائد

وللحزن دمع في الماصب كلاهما

إذا كبرت ويلاته غير نافذ

وليست عيون الأقربين إذا طمى

مصاب بأولى من عيون الأباعد

ألا أرني من قد يسد مسده

ودع جرح مصر شاغلا للضوامد

لسعد عظيم في الحياة وبعدها

وفوق الكراسي ثم تحت الجلامد

لقد لف ذاك النعش في يوم سيره

براية مصر وهي أثكل فاقد

وقد حملوه والجماهير خلفه

على مدفع ضخم مكان السواعد

وما كان سعد واحد بين أمة

ولكن سعد أمة بين واحد

لقد بات ذاك الوجه في ذمة الثرى

فعل الثرى إذ ضمه غير هارد

وعلى الثرى يا سعد ان عدل الثرى

يصلون قليلا بعد تلك المحامد

وما هي إلا رقدة الموت إنها

تطول فما منها انتباه لراقد

وسيق الذي قد كان عن مصر ذائداً

إلى حضرة عن نفسه غير ذائد

وقد كان قبلا صاعدا غير نازل

فأمسى بقبر نازلا غير صاعد

فيا قبر سعد إنما أنت حفرة

قد احتضنت عن مصر خير مجاهد

ويا قبر سعد فيك آمال أمة

فحافظ عليها ثم حافظ وهاود

وما نمت عن مصر إذا الناس هوموا

يرين الكرى من عينهم بالمعاقد

ولدت لها استقلالها فهو باسم

إليك ابتسام الطفل في وجه والد

ويا سعد لم تفتأ لمصر مناضلا

وما فتى المقدار غير مساعد

إلى أن رغمت الدهر أن يبدى الرضى

ببعض الذي طلبته من مقاصد

وكان رضاء فيك أنك قابض

عليها جميعا واحدا بعد واحد

هل الدهر يولى مصر سابق عطفه

فيوجد سعدا آخر للشدائد

أحبته في مصر الطوائف كلها

وذاك لأن الحب فوق العقائد

فصلت عليه أمة في كنائس

وصلت عليه أمة في المساجد

وقد كان سهلا للذين تساهلوا

وجلمود صخر في وجوه الجلامد

يناضل إن كان الزمان مساعدا

ويربض اما كان غير مساعد

حكيم يرى للقول وقتا وموقعا

ليأتي ما قد قاله بالفوائد

يصوره المثال للناس كاملا

إن استطاع في التمثال جمع المحامد

وقد كان سعد ملء مصر وغيرها

وملء فم الأقوام ملء الجرائد

ويفعل فعل المغنطيس حديثه

فيجذب أشتات القلوب الشوارد

ولم تلد الأيام في مصر كلها

سجاعا كسعد في اقتحام الشدائد

ولا مثله في مصر ذا عبقرية

على ما يراه قومه غير جامد

وليس ببدع في الحياة شذوذه

فقاعدة الأفذاذ خرق القواعد

حست السدى في غاية الفكر موغلا

فشاهدت في مسراي ما لم أشاهد

وجدت بها وجه الحقيقة باردا

وقد كان ظني أنه غير بارد

جهاد على الأرض الحياة جميعها

فلست تلاقى فوقها من محايد

وليس لإنسان من الموت مصدر

وإن كان هذا الحوض جم الموارد

وما الناس إلا كالنبات بأرضهم

وما الموت ان سبهت إلا كحاصد

وأضرحة فيها الرغام وسائد

فما حفلت نوامها بالوسائد

وما ضرها ألا تكون فسيحة

لمن سكنوا فيها سكون الجوامد

ورب جحود باللسان وقلبه

إذا هو ناجي قلبة غير جاحد

وكائن ترى من شاهد مثل غائب

ومنغائب في طنه مثل شاهد

وكل امرئ يعنوا إذا ما قرعته

إلى الحجج البيضاء غير المعاند

ستأتي وإن لم أرض بالموت نوبتي

فأنجوا به من شر أهل المكايد

ومن شر نفاث ومن شر غاسق

ومن شر خراص ومن شر حاسد

وإني سأودي مثل غيري فتنتهي

على الأرض أو طاري وكل مقاصدي

ولست براج بعد موتي إذا أتى

حياتي في المريخ أو في عطارد

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جميل صدقي الزهاوي

avatar

جميل صدقي الزهاوي حساب موثق

العصر العثماني

poet-jamil-sidqi-al-zahawi@

373

قصيدة

2

الاقتباسات

138

متابعين

جميل صدقي بن محمد فيضي ابن المنلا أحمد بابان، الزهاوي. شاعر، ينحو منحى الفلاسفة، من طلائع نهضة الأدب العربي في العصر الحاضر. مولده ووفاته ببغداد. كان أبوه مفتيها. وبيته بيت ...

المزيد عن جميل صدقي الزهاوي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة