الديوان » العصر الأندلسي » الأبيوردي » واها لأيامي بأكناف اللوى

عدد الابيات : 100

طباعة

واهاً لأيّامي بأكْنافِ اللِّوى

والدّهْرُ طَلْقُ المُجْتَلى رَطْبُ الثّرى

إذِ الشّبابُ الغَضُّ يندىً ظِلُّهُ

وصَبْوَتي يعْذِرُني فيها الصِّبا

ولِمّتي داجيَةٌ إذا بَدَتْ

سَدّتْ خَصاصَ الخِدْرِ أحْداقُ المَها

ثمّ انْقَضَتْ أزْمانُهُ حَميدَةً

ومَنْ يُرَجّي عودةً لِما مَضى

فَلا الصِّبا يرْجِعُ إذْ تَصَرَّمَتْ

أيّامُهُ ولا عَشيّاتُ الحِمى

ولي حَنينٌ لمْ تَسَعْهُ أضْلُعي

إِلى اللّوى يُذكي تَباريحَ الجَوى

وبَيْنَ جَنْبَيَّ هَوًى أُسِرُّهُ

ولَوْعَةٌ تَسْكُنُ ألْواذَ الحَشى

يا حبّذا عَصْرُ اللِّوى وأهْلُهُ

حيثُ ظِباءُ الإنْسِ تَحْميها الظُّبا

والرّوضُ مَطْلولٌ يَميدُ زَهْرُهُ

تحتَ حَصى المَرْجانِ منْ قَطْرِ الندىً

والأُقْحُوانُ ابتَسَمَتْ ثُغورُهُ

غِبَّ مُناجاةِ النّسيمِ إذ وَنى

وقد رَنا نَرْجِسُهُ بمُقْلَةٍ

يَحارُ فيها الدّمْعُ منْ صَوْبِ الحَيا

فَذاكَ دَهْرٌ لمْ أجُدْ بأدْمُعي

داميَةً حتّى تولّى وانْقَضى

وانْقَرَضَتْ شَبيبةٌ كأنّها

سَبيبَةٌ في دِمنَةِ الحَيِّ لَقى

واشْتَعَلَ الرّأسُ فزالَتْ مَيْعَتي

شَيْباً وفي الشّيْبِ الوَقارُ والنُّهى

وهْوَ منَ الشّبابِ أبْهى مَنظَراً

وأينَ منْ مُنبَلَجِ الفَجْرِ الدُّجى

والمَرْءُ لا يروقُهُ طُلوعُهُ

ويَجْتَويهِ والشَّبابُ يُشْتَهى

فبَعدَهُ الشّيْبُ وفيه مَلْبَسٌ

والشّيبُ ليسَ بعدَهُ إلا الرّدى

وكلُّ ما ساقَ الهَلاكُ نحوَهُ

فهْوَ لَديهِ كالهَلاكِ مُجْتَوى

والنّفْسُ تَلْهو بالمُنى مُغْتَرّةً

وللمَنايا رَصَدٌ على الوَرى

تَنافَسوا فوقَ الثّرى في ثَرْوَةٍ

وتحتَهُ فَقيرُهُمْ كَذي الغِنى

والعَبْدُ كالمَوْلى رَميمٌ عَظْمُهُ

والطِّفْلُ كالشّيْخِ وكالكَهْلِ الفَتى

وأنتَ لا تأوي لِما تَرُبُّهُ

منْ جَسَدٍ مَصيرُهُ إِلى البِلى

تُوقِرُهُ وِزْراً ولا يَصْحَبُ مَنْ

أُلْقيَ في ضَريحِهِ إلا التُّقى

وها أنا نَهْنَهَ ما أحْذَرُهُ

منْ غُلَوائِي فالنّذيرُ قد أتَى

ومَنْ يُناغِ الأرْبَعينَ عُمْرُهُ

ويَحْتَضِنْهُ غَيُّهُ فَلا اهْتَدَى

والشّيبُ لمّا نُشِرَتْ أفوافُهُ

طَوَيْتُ أحْشائي على جَمْرِ الغَضى

وإنْ أظَلَّ صُبْحُهُ فَوْدي فَما

فارَقَني لَيلُ الشّبابِ عنْ قِلى

ولم أزَلْ أخْطِرُ في رِدائِهِ

بينَ رَعابيبَ حِسانٍ كالدُّمى

مِنْ كُلِّ بَلْهاءِ التّثَنّي إنْ مَشَتْ

حَسِبْتَها منْ كَسَلٍ نَشْوى الخُطا

كالظّبْيَةِ الغَيْداءِ جِيداً إنْ عَطَتْ

والجؤْذَرِ الوَسْنانِ طَرْفاً إنْ رَنا

رَخيمةٌ ألْفاظُها فاتِرةٌ

ألحاظُها والسِّحْرُ منها يُجْتَنى

فهْيَ كَما اهْتزَّ القَنا منْ تَرَفٍ

تَمْشي الهُوَيْنى أو كما ارْتَجَّ النَّقا

كُنتُ سَوادَ عَيْنِها حتى رأتْ

بَياضَ شَعْري فتصدّتْ للنّوى

وخالَسَتْني اللّحْظَ مِنْ مَكْحولَةٍ

كُنتُ كَرىً فيها فأصْبَحْتُ قَذى

وانقَشَعَ الجَهْلُ فأخْبى نارَهُ

لَمْعُ قَتيرٍ بثَّ أنْوارَ الحِجى

وارْفَضَّ عنْ أجْفانِ عَيني رَقْدَةٌ

أطارَها عنها انْتِباهي للعُلا

فلُثْتُ أعْرافَ جِيادٍ حَمَلَتْ

صَحْبي بأعْرافِ جِيادٍ للْعِدا

مِنْ كُلِّ مَحْبوكِ السّراةِ شَيْظَمٍ

لا يتشكّى مَلَحاً ولا وَجى

تَحبو الرّياحُ الهُوجُ في أشْواطِهِ

والبَرْقُ يَكْبو خَلْفَهُ إذا عَدا

كالنّارِ إنْ حرَّكْتَهُ في حُضْرِهِ

وإنْ تُسكِّنْهُ فكالْماءِ جَرى

تَنْتَهِبُ الأرْضَ بكُلِّ حافِرٍ

كالقَعْبِ وهْوَ كالصَّفا على الصّفا

وهُنَّ شُعْثٌ كالسّعالي عُوِّدَتْ

حُسْنَ المِشَى بينَ العوالي في الوَغى

لهُنَّ إرْخاءُ الذِّئابِ فوقَها

تحتَ القَنا كالغابِ آسادُ الشّرى

شُوسٌ كأمْثالِ الصّقورِ أعْنَقَتْ

بهِمْ مَذاكِيها كأسْرابِ القَطا

وأوْقَدوا نارَيْنِ بأساً وندىً

حيثُ الطُّلى تَشْقى بهِمْ أوِ الشّوى

فمِنْهُما للحرْبِ وهْيَ مُرّةٌ

واحدَةٌ تُذْكى وأخرى للقِرى

تَضْفو عَليهِمْ أدْرُعٌ مَوضونَةٌ

يَرْتَدُّ عنها السّيفُ مَفْلولَ الشَّبا

مُسْتَبِكاتٌ حَلَقاً كأنّها

مَسْرودَةٌ بأعْيُنٍ منَ الدَّبى

إنْ نَفَذَتْ فيها الرِّماحُ خِلْتَها

أراقِماً يَسْبَحنَ في الماءِ الرّوى

فصافَحتْ أذْيالُها صَوارِماً

كأنّها مَطْبوعَةٌ منَ الجِذا

أو سَرَقَ الشّمسُ إليها نَظرَةً

فاسْتَلَبَتْ شُعاعَها رأْدَ الضُّحى

ولم يُجِلْ فيها الكَميُّ طَرْفَهُ

إلا تلقَّتْ ناظِرَيْهِ بالعَشا

وللرُّدَيْنيّ اهْتِزازُ مَعْشَري

لمنْ دَعا إِلى الوَغى أوِ اعْتَفى

يكادُ يَلْويَ مَتْنَهُ لُدونَةً

كالصِّلِّ في مَهْرَبِهِ يَلْوي المَطا

واليَثْرِبيّاتُ بأيْدي غِلْمَةٍ

تهوي إِلى أعدائِهِم خَساً زَكا

وليسَ تُنْمَى عِندَهُمْ رَميّةٌ

فقُلْ لهُمْ لا شَلَلاً ولا عَمى

كأنّما أعيُنُهُمْ مُحْمَرّةً

منْ غَضَبٍ مُكتَحِلاتٌ باللّظى

إذا اعْتَزَوْا عَدّوا أباً سَمَيْدَعاً

منْ عَبْدِ شَمْسٍ أُمَويَّ المُنْتَمى

منْ دَوْحَةٍ نالَ السّماءَ فَرْعُها

وأصْلُها في سُرّةِ الأرضِ رَسا

بَنو خَليلِ اللهِ فيهمْ عرَّقَتْ

أرومَةٌ مِنها النّبيُّ المُصطفى

والخُلفاءُ الراشِدونَ وبهمْ

أوضِحَ للدّينِ مَنارٌ وصُوَى

والأُمَويّونَ الذين رَكَزُوا

في نَصْرِهِ سُمْرَ الرِّماحِ في الكُلى

وآلُ عبّاسَ لَقوا أعداءَهُ

فاحْتَكَمَتْ سُيوفُهُمْ على الطُّلى

ومَنْ كقَوْمي وهمُ منْ يَعْرُبٍ

ومِنْ نِزارِ بنِ مَعَدّ في الذُّرا

فحبّهُمْ عِصْمَةُ كُلِّ مُتَّقٍ

وهُمْ مَصابيحُ الهُدى لمَنْ غَوى

ومَنْ يَحُمْ عليهِمْ رَجاؤُهُ

يَعْلَقْ بِحَبْلٍ لا تَهي منهُ القُوى

وإنْ تخطّاهُمْ إِلى غَيرِهمُ

تمكّنَتْ منهُ أضاليلُ المُنى

وليسَ للهِمّةِ ممّنْ يَبْتَغي

نَجاتَهُ إلا إليْهِمْ مُرْتَقى

وهُمْ ثِمالُ النّاسِ مَنْ لا يَعْتَصِمْ

بِهِمْ يَكُنْ مِنْ دِينهِ على شَفا

خَلائِفٌ ساسوا الأنامَ وهُمُ

كالنَّعَمِ الهامِلِ فَوْضى وسُدى

قد مَلَكوا الدُّنيا وكانتْ عاطِلاً

فما لَها غَيْرَ مَساعِيهمْ حُلى

إنْ حارَبوا أرْضى السّيوفَ سُخْطُهُمْ

أو سالَموا شَدّوا على الحِلْمِ الحُبا

لا تُنْطَقُ العَوْراءُ فيهمْ وبهِمْ

يَجْتَنِبُ الجاهِلُ إهْداءَ الخَنى

ويَبْسُطونَ بالنّوالِ أيْدياً

منها أفاويقُ الثّراءِ تُمْتَرى

وسوفَ أقْفو في المَعالي هَدْيَهُمْ

ودونَ غاباتِهِمُ نَيْلُ السُّها

فكَمْ أغُضُّ ناظِري على قَذىً

وتَنْطَوي تَرائِبي على شَجى

في عُصَبٍ يُضْني الكَريمَ قُرْبُهُمْ

وشرُّ أدْوائِكَ ما فيهِ الضّنى

وقد رَماني نَكَدُ الدّهْرِ بهِمْ

وما دَرى أيَّ معاوِيٍّ رَمى

فلا رَعى اللهُ لِئاماً وَهَبوا

نَزْراً وقد شِيبَ بمَنٍّ وأذى

ناموا شِباعاً فُقِئَتْ عُيونُهُمْ

وجارُهُمْ أرّقَ عَينَيْهِ الطّوى

والمَدْحُ والهَجْوُ سَواءٌ عندَهُمْ

فمَنْ هَذى بمَدْحِهِمْ كَمَنْ هَجا

فقَرِّبا يا صاحبَيَّ أيْنُقاً

كِدْنَ يُبارينَ الرِّياحَ في البُرى

إنّ مُناخَ السّوءِ لا يَثْوي بهِ

مَنْ لمْ تَكُنْ أوْطانُهُ إلا الفَلا

أرْوَعُ لا يَقْرَعُ بابَ باخِلٍ

لمْ يتّزِرْ بسُؤْدَدٍ ولا ارْتَدى

لَسْتُ كَريمَ الوالِدَيْنِ ماجِداً

إنْ لمْ أصِلْ تأويبَهُنَّ بالسُّرى

فَبي صَدًى يَحْرِقُني أُوارُهُ

ولا تَلوبُ غُلّتي على صَرى

ولا أرومُ المالَ مَنْهوماً بهِ

فالمالُ مَحْفورٌ حَوالَيْهِ الزُّبى

والمَجْدُ ممّا أقْتَني وأبْتَني

فإنْ عَثَرْتُ دونَهُ فلا لَعَا

ولا أحُطُّ بالوِهادِ أرْحُلي

والعَبْشَميّونَ يحِلّونَ الرُّبا

ولي مَدىً لابُدّ منْ بُلوغِهِ

وكلُّ ساعٍ يَنتَهي إِلى مَدَى

للهِ دَرّي أيُّ ذي حَفيظَةٍ

في مِدْرَعي يا سَعْدُ وهْوَ يُزْدَرى

فلَوْ عَلِمْتَ بَعْضَ ما يُجِنُّهُ

لمْ تَسْتَرِبْ منهُ بكُلِّ ما تَرى

يَرْبِطُ فيما يعتَريهِ جأشَهُ

وقَلبُهُ مُشْتَمِلٌ على الأسى

لمْ يَبْتَسِمْ إذْ أنْهَضَتْهُ نِعْمَةٌ

وأجهَضَتْهُ شدّةٌ فَما بَكى

والسّيفُ لا يُعْرَفُ ما غَناؤُهُ

وهْوَ لَجيُّ الغِمْدِ حتى يُنْتَضى

والقولُ إنْ لم يَقْرُنِ الفِعْلُ بهِ

تَصْديقَهُ فهْوَ الحديثُ المُفْتَرى

وهذهِ قَصيدَةٌ شَبيهةٌ

بالماءِ تُسْقاهُ على بَرْحِ الصّدى

إنْ غرّدَ الرّاوي بِها تطَرُّباً

تلقّفَ السّامِعُ منْها ما رَوى

ومنْ تمنّى أنْ يَنالَ شأْوَها

هَوى بهِ إِلى العَناءِ ما هَوى

فالشِّعْرُ ما لَمْ يُقْتَسَرْ أبيُّهُ

وذادَ عنهُ الطّبْعُ وحْشيَّ اللُّغى

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن الأبيوردي

avatar

الأبيوردي حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-alabywrdy@

390

قصيدة

159

متابعين

محمد بن أحمد بن محمد القرشي الأموي، أبو المظفر. شاعر عالي الطبقة، مؤرخ، عالم بالأدب. ولد في أبيورد (بخراسان) ومات مسموماً في أصبهان كهلا. من كتبه (تاريخ أبيورد) و (المختلف ...

المزيد عن الأبيوردي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة