الديوان » العصر الأندلسي » عبد الغفار الأخرس » على مثله تجري الدموع السواجم

عدد الابيات : 60

طباعة

على مثله تجري الدُّموعُ السَّواجمُ

وتبكي ديارٌ أُخْلِيَتْ ومعالمُ

ومن بعده لم يبقَ في النَّاس مطمع

لأُنسٍ ولا في هذه النَّاس عالم

لتقضِ المنايا كيف شاءَت فقد وهتْ

قوى الصَّبر وانحلَّت لديها العزائم

وشُقَّتْ قلوبٌ لا جيوبُ وأُدْمِيَتْ

جوانح قد شُدَّت عليها الحيازم

تيقَّظ فيها للنوائب نائم

ووافى إلى حرب الزَّمان مسالم

وكنَّا بما نلهو على حين غفلةٍ

أَمِنَّا هجوم الموت والموت هاجم

وما ذرفت عينايَ إلاَّ لحادثٍ

ألمَّ بنا فاستعظمته العظائم

وفلَّ قضاء الله شفرة صارم

أُقارع أعدائي به وأُصارم

وسكَّن فعلاً ماضياً من غراره

وما دخلت يوماً عليه الجوازم

وأَصْبَحْتُ لا درعٌ يقيني سهامها

ولا في يميني مرهف الحدّ صارم

غداة رأتْ عيني الأَمين محمَّداً

صريعَ المنايا والمنايا هواجم

وقد مِيطَ عَن ذاك الجناب الَّذي أرى

مآزرُ لَمْ تَعْلَق بهنَّ المآثم

وقد خَلَعَتْ منه المعالي فؤادها

وإنسانُ عين المجد بالدَّمع عائم

وعهدي به ما لان قطّ لشدَّةٍ

ولا أَخَذَتْ منه الأُمورُ العظائم

على هذه الدُّنيا العَفا بعد سيِّدٍ

به العيش حتَّى فارقَ العيش ناعم

تكدَّر ذاك المنهل العذب صفوه

فلا حام ظمآناً على الماء حائم

لتبكِ عليه اليوم أبناءُ هاشم

إذا ما بَكَتْ أبناءهَا الغرّ هاشم

تَفَرَّعَ عنها مُنْجِبٌ وابنُ منجبٍ

غَذَتْهُ لبانَ العِزِّ منها الفواطمُ

فقام بأَمر الله غير مداهن

لأمر ولَمْ يقعد عن الحقّ قائم

ولا يتَّقي في الله لومة لائم

ولم يثْنِه عن طاعة الله لائم

ويقدم للأَمر الَّذي يعد الرَّدى

وقد أَحْجَمَتْ عنه الأُسودُ الضراغم

ويرضيه ما يرضى به الله وحده

وإنْ غَضِبَ القوم الطغاة وخاصموا

فرُحنا نواري في الثرى قَمر الدُّجى

فلا فجَّ إلاَّ وهو أسْوَدُ فاحم

ونحثو على الضرغام أكرمَ تربةٍ

ثوى في ثراها الأَنجبون الأَكارم

وطافت به أملاكها وتنزلَتْ

من الملأ الأَعلى عليه عوالم

وقلنا لقد غاضَ الوفاء وأَقْلَعَتْ

بوابل منهلّ القطار الغمائم

وهل تبلُغ الآمال ما مُنِيَتْ به

وقد فُجِعَتْ بالأَكرمين المكارم

هنالك لم تُحبَس لعَينيَّ عبرةٌ

عليه ولم تثبت لصبر قوائم

ومن عجبٍ نبكيه وهو منعم

ونعبس ممَّا قد دهى وهو باسم

سقاك الحيا المنهلُّ كلَّ عشيَّةٍ

وحيَّاك منه العارض المتراكم

نأَيْتَ فودَّعْنا الفضائل كلَّها

فيا نائياً بالله هلْ أنتَ قادم

ويا صخرة الوادي الَّتي قد تصدَّعَتْ

وكانَ لعمري يتَّقيها المزاحم

لئنْ كانَ أُنسي فيك أُنساً ملازماً

فحُزني عليك اليوم حزن ملازم

بمن أَتَسلَّى عنك والنَّاس كلُّها

وحاشاك إلاَّ من عرفت بهائم

بمن أتَّقي حرَّ الزَّمان وبرْده

ويعصمني ممَّا سوى الله عاصم

وفيمن تراني أستظلُّ بظلِّه

إذا نَفَحَتْ تشوي الوجوهَ سمائم

قَضَيتُ بك الأَيَّام إلاَّ قلائلاً

وإنِّي على ما فاتني منك نادم

أُشَنِّفُ سمعي منك باللؤلؤ الَّذي

يَروقُ ولم ينظِمْه في السِّلْكِ ناظِمُ

برغميَ فارقتُ الذين أُحبّهم

ولي فيهمُ قلبٌ من الوجد هائم

وقاطَعَني لا عن تقالٍ مقاطعٌ

وصارمني لا عن جفاءٍ مصارم

وضاقت عليَّ الأرض حتَّى كأَنَّها

من الضِّيق حتَّى يأذن الله خاتم

لقد كُسِفَتْ تلك الشُّموس وأُغْمِدَتْ

ببطن الثَّرى تلك السُّيوف الصَّوارم

وكم ليلةٍ من بعده قد سَهِرْتُها

أُسامِرُ ذكراه بها وأُنادم

وأذكر عهد الودّ بيني وبينه

وهيهات يُنسى عهدهُ المتقادم

وقد كنتُ أهوى أن أكونَ له الفدا

فألقى الرَّدى من دونه وهو سالم

ولكنْ أراد الله إنفاذَ أَمرهِ

ليحكم فينا بالجهالة حاكم

وتبقى أُمورُ الدِّين من بعده سدًى

ويُرغم أَنف الفضل للنقض راغم

تبيت القوافي بالرّثاء وغيره

تنوح كما ناحتْ عليه الحمائم

تقلّص ذاك الظلّ عنَّا ولم يدمْ

علينا وما شيء سوى الله دائم

فيا مُرَّ ما لاقيتُ منه بفقده

على أنَّه الحلوُ اللَّذيذُ الملائم

ويا واعظاً حيًّا وميتاً وكلُّه

مواعظ تشفي أنفساً ومكارم

خرجتَ من الدُّنيا إلى الله لائذاً

برحمته والله للعبد راحم

وأَعرَضْتَ عن دنياكَ حزماً وعفَّةً

وما اغترَّ في الدُّنيا الدنيَّة حازم

وما عَرَفَ القومُ الذين نبذتهم

وراءَكَ ما مقدار ما أنتَ عالم

فوالهفي إنْ كانَ يجدي تلهُّفي

على عَرَبِيٍّ ضيَّعَته الأَعاجم

وقد أعوزَتْني بعده بلّة الصَّدى

فمن لي ببحرٍ موجُهُ متلاطم

ونَكَّسْتُ رأسي للزَّمان وخطبه

فلا وُضعت فوقَ الرُّؤوس العمائم

وما زالَ قولي غير راضٍ وإنَّما

لِشدَّة ما تعدو الخطوب الأَداهم

لكلِّ اجتماع لا أباً لك فرقة

وكلُّ بناءٍ سوفَ يلقاه هادم

يعيد عليَّ العيدُ حزناً مجدّداً

وما هذه الأَعياد إلاَّ مآتم

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عبد الغفار الأخرس

avatar

عبد الغفار الأخرس حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-Abdul-Ghafar-al-Akhras@

378

قصيدة

98

متابعين

عبد الغفار بن عبد الواحد بن وهب. شاعر من فحول المتأخرين. ولد في الموصل، ونشأ ببغداد، وتوفى في البصرة. ارتفعت شهرته وتناقل الناس شعره. ولقب بالأخرس لحبسة كانت في لسانه. له ...

المزيد عن عبد الغفار الأخرس

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة