الديوان » العصر العباسي » مهيار الديلمي » تزِل الليالي مرة وتصيب

عدد الابيات : 71

طباعة

تزِلُّ الليالي مرَّةً وتصيبُ

ويعزُبُ حِلمُ الدهرِ ثمَّ يثوبُ

وتَستلقِحُ الآمالُ بَعدَ حِيالها

أواناً ويَنأَى الحظُّ ثم يؤوبُ

ولولا قُفولُ الشمس بعد أُفولِها

هوتْ مَعَها الأرواحُ حين تغيبُ

تَنَظَّرْ وإن ضاقت بصدرٍ رِحابُهُ

فُروج صَلاحٍ ذَرعُهنّ رحيبُ

فما كلُّ عينٍ خالجتْك مريضةٌ

وخطفةِ برقٍ خالستْك خَلوبُ

قَضَتْ ظُلُماتُ البُعدِ فيك قَضاءَها

فصُبْحاً فهذا الفجرُ منك قريبُ

بَدتْ أوجهُ الأيّام غُراً ضواحكاً

وكنَّ وفي استبشارِهنّ قُطوبُ

وطارحْنني عُذرَ البريءِ وربما

سَبقنَ وفي أعذارهنّ ذُنوبُ

أرى كَبِدي قد أَثلجتْ في ضلوعها

وكانت على جمرِ الفراقِ تذوبُ

وراحت إليها بعدَ طُول التياحِها

صَباً قَرَّةٌ تَندَى لها وتطيبُ

سَرَى الفضلُ من مَيسانَ يُشْرِقُ بعدما

أطال دُجى الزَّوراءِ منه غروبُ

وهبّت رياح الجودِ بُشرَى بقربِهِ

لها سالفٌ من نشرِها وجنيبُ

وما خِلتُ أن البدرَ يطلُعُ مُصعِداً

ولا أنَّ ريح المكرماتِ جَنوبُ

تزاحمتِ الأيّامُ قبلَ لقائه

بجنبيَّ من ذَنب الفراقِ تتوبُ

وتُقسِمُ لي أَيْمانَ صدقٍ بأنْ غداً

تراه وبعضُ المُقسِمينَ كذوبُ

وقد زادني شكراً لِحُسْنِ وفائها

بما وَعَدتْ أنَّ الوفاءَ غريبُ

كفَى البين أني لِنْتُ تحتَ عِراكِهِ

وخُرتُ وُعودي في الخطوبِ صليبُ

وقاربتُ من خَطوِي رِضاً بقضائِهِ

ولي بين أحداثِ الزمانِ وُثوبُ

حَملتُ وُسوقَ البُعدِ فوق أضالع

من الثِّقْلِ عَضَّاتٌ بها ونُدوبُ

أَخُبُّ حِذارَ الشامتينَ تجلُّداً

بهنّ وما تحتَ الخَبَالِ نَجيبُ

إن تُعقبِ الأيّامُ حُسْنَى تسوءُها

فللصبرِ أُخرَى حُلوةٌ وعَقِيبُ

سَمَتْ أعينٌ مغضوضةٌ وتراجَعتْ

إلى أُنسِها بعد النفور قُلوبُ

وعادت تسرّ الرائدين خميلةٌ

تَعاورَها بَعدَ الحسَين جُدوبُ

فماءُ الندَى عَذبُ اللِّصابِ مُرَقْرَقٌ

وغصنُ المُنَى وَحْفُ النباتِ رطيبُ

سيلُقي عصاهُ وادعاً كلُّ خابطٍ

على الرزقِ يطوِي أرضَه ويجوبُ

وهل ينفُضُ الجوَّ العريضَ لنُجعةٍ

أريبٌ واوديه أعمُّ خصيبُ

أقولُ لآمالي وهنّ رواقدٌ

خذي أُهبةَ اليقظانِ حانَ هُبوبُ

إذا الصاحبُ استقبلتِ غرَّةَ وجههِ

بدا قمرٌ واف وماسَ قضيبُ

ولم تَفتحِي الأجفانَ عن طَرْف لافتٍ

إلى نائباتِ الدهرِ حين تَنوبُ

سلامٌ وحيَّا اللهُ والمجدُ سُنَّةً

لها في دُجُنَّاتِ الظلامِ ثُقوبُ

وزادَت عَلاءً في الزمان وبَسْطَةً

يَدٌ تُصْرِمُ الأنواءُ وهي حَلُوب

لآثارِها في كلِّ شهباءَ روضةٌ

وفي كلِّ عَمياءِ المياهِ قليبُ

حمى مجدَهُ وافى الحمائل سيفُهُ

غيورٌ إذا ما المجدُ صِيمَ غَضوبُ

له كلَّ يَومٍ نهضةٌ دون عِرضهِ

إذا نام حُبَّاً للبقاءِ حَسيبُ

قليلةُ أُنسِ الجفنِ بالغُمْضِ عينُهُ

ولِلعارِ مَسرىً نحوه ودبيبُ

إذا سال وادي اللُّؤمِ حَلَّتْ بيوتُهُ

بأرعنَ لا ترقَى إليه عُيوبُ

وقامَ بأمرِ المُلك يَحسِمُ داءَهُ

بصيرٌ بأدواءِ الزمانِ طبيبُ

له مَدَدٌ من سيفِهِ ولسانِهِ

قؤولٌ إذا ضاقَ المَجالُ ضَروبُ

إذا يَبِستْ أقلامُهُ أو تصامتتْ

فصارمُهُ رَطْبُ اللسانِ خَطيبُ

يُرَى كلَّ يومٍ لابساً دَمَ قارنٍ

له جَسَدٌ فوق الترابِ سَليبُ

ولم أرَ مثلَ السيف عُريانَ كاسياً

ولا أمردَ الخدَّين وهْو خضيبُ

وقد جرّبوه عاطلاً ومقلَّداً

وقادوه يَعْصِي حبلَهُ ويُجيبُ

فما وَجَدُوا مَعْ طُولِ ما اجتهدوا له

فتىً عنه في جُلَّى تنوبُ ينوبُ

فعادوا فعاذوا ناهضين بعاجزٍ

حضورُهُمُ ما أخَّرواه مَغيبُ

أمينٌ على ما ضيَّعوا من حقوقه

سليمٌ وودّ الغادرين مَشوبُ

من البيض إلا أن يُحلِّي وجوهَهُم

إذا هُجِروا خَلْفَ الترابِ شُحوبُ

صِبَاحٌ نجومُ العزِّ فوق جِباههم

طوالعُ غُرٌّ والنجومُ تغيبُ

عصائبُ تيجان الملوك سِماتُهم

ويومُهُمُ تحتَ الرِّماح عَصيبُ

إذا حِيزَ بيتُ الفخرِ حَلَّقَ منهُمُ

عليه شَبابٌ طيِّبونَ وشِيبُ

لهم كلُّ مقرورٍ عن الحِلم ظَنُّهُ

يقينٌ وَهَافي عزمتيه لبيبُ

تَغِيضُ أكف الواجدين وكَفُّهُ

على العُدْمِ تَهمِي مرّةً وتصوبُ

تكادُ من الإشراق جِلدةُ خدّهِ

تَغَصُّ بماءِ البِشر وهْو مَهيبُ

يقيكَ الردَى غَمْرٌ يُجاريك في النَّدَى

فيعقِلُ عِيٌّ رُسْغَهُ ولُغوبُ

إذا قمتَ في النادي بريئاً من الخنا

تلفَّتَ من جنبيهِ وهْو مريبُ

تَتبَّعَ يقفو الخيرَ منك بشرّهِ

خِداعاًن كما قَصَّ المَشَمَّةَ ذِيبُ

تنبَّهَ مشروفاً بغلطةِ دهرهِ

وبِنتَ بمجدٍ أنتَ فيهِ نسيبُ

وقد يُنهِضَ الحظُّ الفتى وهْو عاجزٌ

لحاجاتِهِ حتى يقالَ نجيبُ

أنا الحافظُ الذوّادُ عنك وبيننا

وَشائعُ من بُسْطِ الفلا وسُهوبُ

شَهَرْتُ لساناً في ودادك جُرْحُهُ

إذا حَزَّ في جِلد النفاقِ رَغيبُ

لك الجُمَّةُ الوطفاءُ من ماءِ غَربِهِ

وعند العِدَا حرٌّ له ولهيبُ

يَسرُّك مكتوباً وشخصُك نازِحٌ

ويرضيك مسموعاً وأنتَ قريبُ

وكيف تَروْني قاعداً عن فريضةٍ

قيامي بها حقٌّ لكم ووُجوبُ

وفيكم نما غُصني وطالت أراكتي

وغودرَ عيشي الريُّ وهو قشيبُ

شَوىًَ كلُّ سهمٍ طاحَ لي في سواكُمُ

ولي شُعبةٌ من رأيكم ونصيبُ

ولي بَعْدُ فيكم ذَروةٌ ستنالُها

يدي ومُنىً في قولها ستُصيبُ

متى تذكروا حقِّي أَبِتْ بوفائكم

وظَهْرُ العلى العاصِي عليَّ رَكوبُ

طَرِبتُ وقد جاء البشيرُ بقربكم

وذو الشوق عند اسم الحبيبِ طَروبُ

وقمتُ إليه راشفاً من ترابِهِ

ثرىً لك يحلو رشفُهُ ويطيبُ

فلا كانَ يا شمسَ الزمانِ وبَدْرَهُ

لسعدِك من بعدِ الطلوعِ مَغيبُ

ولا زلتَ مطلوباً تفوتُ ومُدرِكاً

أواخرَ ما تَبغِي وأنتَ طَلوبُ

كأنك من حَبِّ القلوبِ مصوَّرٌ

فأنتَ إلى كلِّ النفوسِ حبيبُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن مهيار الديلمي

avatar

مهيار الديلمي حساب موثق

العصر العباسي

poet-Mihyar-al-daylami@

388

قصيدة

2

الاقتباسات

133

متابعين

مهيار بن مرزويه؛ أبو الحسن (أو أبو الحسين) الديلمي". شاعر كبير؛ في معانيه ابتكار. وفي أسلوبه قوة. قال الحر العاملي: جمع مهيار بين فصاحة العرب ومعاني العجم. وقال الزبيدي: شاعر ...

المزيد عن مهيار الديلمي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة