الديوان » العصر الأندلسي » الأرجاني » دع العين مني تسكب الدمع أو تفنى

عدد الابيات : 97

طباعة

دَعِ العَينَ منّي تَسكُبُ الدّمعَ أو تَفنَى

فليس لعَين لا أراك بها مَعنَى

حَرام عليها إنْ رأيتُ بها الوَرى

ولم تكُ فيهمْ أن أُجِفَّ لها جَفْنا

لأمْحو سوادَ العَينِ بعدَك مثْلما

محا المرءُ يوماً من صَحيفتهِ لَحْنا

لقد سرَقَت كَفُّ الرّدَى ليَ دُرّةً

أطالَ لها الإعزازُ في مُقْلتي خَزْنا

فصيَّرتُها بَحراً منَ الدّمعِ بعدَها

لَعَلِّى بطُولِ الغَوصِ ألقَى بها خِدْنا

وهَيهاتَ ما بحرُ البكاء بمَعْدِنٍ

فمن أين تأميلُ اعتياضي ومِن أنّى

فَحُيِّيتَ مِن ماضٍ أقام ادِّكارُه

وأفديهِ من فَرْدٍ مَناقبهُ مَثْنى

إليه انْتَمى كُلُّ المَحاسنِ مُذْ بَدا

فحُقَّ لعَمري بالمحاسنِ أن يُكْنى

وكان رجاءً لي فَفُتُّ بفَوتْهِ

كأنّيَ كنتُ اسْماً وكان هو المَعْنى

غدا وجههُ عندي من الحُسنِ روضةً

فراحَ لها دَمعي وقد صوَّحَت مُزنْا

وكان يَدي اليُمنَى فأصبَحْتُ ضارعاً

أُوسّدُه في لَحْدِه يَدَه اليُمنْى

وأظلمتِ الدُّنيا فأيقنتُ عندها

بأنّي دَفنْتُ الشّمسَ في قبره دفْنا

كأنّيَ فيها طائرٌ صِيدَ فَرْخُه

منَ الوكْرِ حتى صار لا يأْلَفُ الوَكنْا

رآه معَ الإصباحِ في كَفِّ جارحٍ

وقد أنشبَتْ فيه مَخالبَها الحُجْنا

فِدىً لكَ منّي النّفسُ كيف رَضيتَ لي

تَهدُّمَ بَيتٍ أنت كنت له رُكنْا

تَقطَّعُ آمالٌ لنا فيك أُمِّلَتْ

وأعرضَ خَطْبٌ ما حَسبِنا وما خِلْنا

وأحسَنْتُ بالأيّامِ ظَنّي فما وفَتْ

وما الحزْمُ بالأيّامِ أن تُحسنَ الظَّنّا

أما كان زَيْناً للزّمانِ اجْتماعُنا

فلِمْ كان منه القَصْدُ حتّى تفرَّقْنا

وكنّا كما نَهْوَى فيا دهرُ قُلْ لنا

أفي الوُسْعِ يوماً أن نَعودَ كما كُنّا

أَعِدْ نحوَ مَغْنىً منه قد سِرْتَ نظرةً

لتُبصرَ ماذا حَلَّ في ذلك المَغْنى

وجَدِّدْ بذاكَ المنطقِ العَذْب نُطقَهُ

لتسألَ عنّا أيُّ أمرٍ لنا عَنّا

وأرْعِ فدْتكَ النّفسُ سمعَك مَرّةً

لنُسمِعَك الشّكْوى الّتي بَلغتْ منّا

وهَيهاتَ عاقَتْ دوَن ذلك كُلّه

عوائقُ أقدارٍ فحالَتْ وما حُلْنا

لقد راعني صَرْفُ اللّيالي ورابَني

من الدهرِ أن أخنَى عليَّ بما أَخنْى

وقد جُدْتُ بابْنٍ كان عزىَ روحُه

فها أنا منّي سوى جَسَدٍ مُضْنى

على حينَ منه أبدَر الوجهَ سنُّه

وَهلّلَ منّي القدُّ في مِشْيَتي سِنّا

وما كنتُ إلاّ أرتَجي عند كَبْرتي

لعَظْمي به جَبْراً فزِدتُ به وَهْنا

فلَهْفي على غُصْنٍ رَجوْتُ ثمارَهُ

ولم أر أبهى منه لمّا اعْتلى غُصْنا

كفَى حزَناً ألاّ أرى منه في يَدي

سوى حَسَراتٍ بعده كُلَّ ما يُجْنى

أحينَ اغتدَى في حَلبةِ النُّطْقِ فارساً

وأبدَى لنا في ثُغْرةِ الحُجّةِ الطَّعْنا

وأرخَى وقد أجرَى عِنانَ ابْن همّةٍ

أبَى دونَ أقصَى غايةِ الهمّ أن يُثْنى

وصَرَّفتِ الأقلامَ في الكُتْبِ كَفُّه

فأخجلَ في أيدي الكُماةِ القنا اللُّدْنا

بخَطِّ بنانٍ رائقِ الحسنِ ناطَه

بخَطّ بيانٍ فاستَبى العينَ والأُذْنا

وأُكمِلَ في عصْرِ الصِّبا فبدا لنا

عن الحِلْمِ مُفترّاً وفي العلْمِ مفتّنا

أشارتْ إليه عند ذاك أصابِعٌ

له أَصبَحتْ تُثْنى على الفضل أَو تُثْنَى

فلمّا أبَى الأقرانُ شقَّ غُبارِه

أتى الدّهرُ في جيشٍ فبارزَه قِرْنا

ولمّا بدا في أُفْقِ عُلْياه طالعاً

يَبُثُّ سناً واللّيلُ كالدّهر قد جَنّا

وعَدّتْ ليالي البدرِ أعوامَ عُمْرهِ

فكنّ سواءً لا نَقصْنَ ولا زِدْنا

أتاه سِرارُ الموتِ عند تَمامهِ

فحَجَّبنا عنه وحَجَّبه عَنّا

وعينٌ أصابَتْنا لدَهْرٍ مُشتِّتٍ

فلا نظرَتْ عَينٌ لدهرٍ أصابَتْنا

أُؤمِّلُ يوماً صالحاً بعدَ بُعده

وقد فاتَني من قُربه حَظِّيَ الأْسنى

وأصبحتُ في قَيْدٍ منَ العُمرِ راسفاً

كأنّيَ عند الدّهرِ خَلَّفني رَهْنا

ولو كنتَ تُفْدَى لافْتدَيتُكَ طائعاً

بماليَ لو أَجْدى ونَفْسيَ لو أَغْنى

ولكنْ حياتي بَعدَك اليومَ هكذا

حياةٌ لعمْري لا أُقيمُ لها وَزْنا

مَرقْتَ مُروقَ السَّهْمِ منّي مُودِّعاً

على حينَ ظَهري كالحنيّة إذْ تُحنى

وليس سوى التَّسليمِ للهِ وَحْدَه

وإنْ عَزَّ منهُ كلَّ صَعبٍ وإنْ عنّى

صَبرتُ ولم أُصبرْ عزاءً وإنّما

رأيتُ سبيلَ الصَّبرِ نحوك لي أدْنى

عسى الصَّبرُ أن يَجْزي لدى اللهِ زُلْفةً

بِذاك فيَقْضي في جِوارِك لي سُكْنى

بقُربِكَ في الدُّنيا مُنيتُ وإنّني

بقُربك في الأُخرى لأحذَرُ أَن أُمنى

عليك سَلامُ اللهِ يا خيرَ رائدٍ

ولازلتَ من مَثواك في روضةٍ غنّا

ولازال يَسْقي ما حلَلْتَ من الثَّرى

قِطارُ الغَمام الغُرِّ هاتِنةً هَتْنا

فواللهِ لا أنساكَ ما هَبّتِ الصَّبا

وما ناح في الأيكِ الحمامُ وما غَنّى

غدا سَمُراً في الأرضِ عُظْمُ رزيئتي

بما وعَدَ الإقبالُ فيك وما منّي

فكُلُّ امرئٍ قد كان باسْمِكَ سامعاً

يُرَقْرِقُ لي دمعاً على الخدِّ مُسْتّنّا

إذا الرَّكْبُ في البيداء أَجرَوْا حديثَنا

أقاموا فَردُّوا العيسَ وانتظروا السُّفنا

أحِنُّ إلى الكأسِ الَّتي قد شَرِبْتَها

ومثْلي ولم يُظْلَمْ إلى مثلها حَنّا

فإنْ تك قد أَسأرْتَ في الكأسِ فَضْلةً

فهاتِ تكُنْ عندي هيَ المَشْرَبَ الأهْنى

فواللهِ لم أسمَحْ بشَخْصِك للرَّدى

ولكنّني استَوْدَعتُه في الثرى ضَنّا

كَنزْتُك في بَطْنِ التُّرابِ نفاسةً

وأعززْ به كنزاً لآخِرتي يُقْنى

وشِمتُك لي سَيفاً ولو كنتُ قادراً

لكان مكان التُّرب جَفْني لك الجَفنا

وقد كنتَ لي عَضْباً حُساماً فلم تَزلْ

تُوشّحُ لي صَدْراً من العزِّ أَو ضِبْنا

فتُصِبحُ لي طَوراً يداكَ حَمائلاً

وآونةً يُضْحي مناطُكَ لي حِضْنا

ولكنْ أَمامي كان يومَ مَخافةٍ

إذا ما دَنا طارَ الفؤادُ له جُبْنا

فصُنْتُك في الغِمْدِ ارْتقابَ وُرودِه

لعلَّك ذاك اليومَ تُصبحُ لي حِصْنا

فيا فُرُطي والوِرْدُ وِرْدُ مَنيّةٍ

تنظَّرْ قليلاً فالمسافةُ تُستَدْنى

أليس عُقوقاً منك أن قد سبَقْتَني

إلى غايةٍ كُنّا إليها تَسابَقْنا

فسِرْتَ أمامي بعدَ أن كنتَ واطِئاً

على أثَري من طاعةٍ حَيثُما سِرْنا

كأنّك لمّا خِفْتَ عُظْمَ جرائمي

تَقدَّمتَ تَبغي في الشَّفاعة لي إذْنا

فبيَّتَنا صَرْفُ المنايا بجُنْدِه

إذا نحن بِتْنا مِلْءَ أعيُنِنا أَمْنا

هو الموتُ لا يُغْضي حياءً ولا يَقي

ولا يُطلقُ الأسرى فداءً ولا مَنّا

ولا هو في ابنٍ إن سَطا يَتَّقى أباً

ولا في أبٍ يرعَى فيَصفَحُ عَن أَبْنا

ولو كان يَستثني الرَّدى ابنَ كريمةٍ

لقد كان قِدْماً لابْنِ ماريةَ اسْتَثْنى

سليلٌ لخيرِ الخَلْقِ إذ حان يَومُه

تَخطَّفَهُ رَيْبُ المَنونِ وما اسْتأْنى

وقد سَنّ من إرسالِ دَمْعٍ لأجله

وإرْسالُ قَولٍ يُسخِطُ الرَّبَّ ما سَنّا

فيا أسفي حُزْناً غداةَ غدَوْا لكَيْ

يُغيَّبَ عن عَينيْ ويا يُوسُفي حُسْنا

عزَزْتَ فلمّا لم تكنْ لك إخْوةٌ

أحلَّك بطْنَ الأرضِ ذو نَسَبٍ أدْنى

أبوكَ الَّذي ألقاك في الجُبّ راغماً

فأَخلِقْ بعَيْنَيْهِ أن ابيضَّتا حُزْنا

سَيُكرِمُ مَثْواكَ العزيزُ فإن تكُنْ

لديهِ مكيناً يومَ ذلك فاذْكُرْنا

وقُلْ لي أبٌ شَيخٌ كبيرٌ فَجَعْتُه

فأحسِنْ بعَفْوٍ عنه يا مُوليَ الحُسْنى

عسى أن يكونَ اللهُ ساقَ التقاءنا

إلى المُلْتقَى الأعلَى من المُلْتقَى الأدنى

وهل نحنُ إلاّ رُفقةٌ قد تَسايَرتْ

إلى مَنْزلٍ دانٍ كأنْ قد تَلاحَقْنا

وما بَيْننا إلاّ خُطاً قد تَقاربَت

تَقدَّمْنَ حتّى نَلْتَقي أو تأَخَّرْنا

وما الأرضُ إلاّ كالكتابِ يَخُطُّنا

بها اللهُ خَطّاً يَملأُ الظَّهْرَ والبَطنا

لها يومَ نَشْرٍ فيه يُظْهِرُ للورَى

خفايا من الأسرارِ كُنَّ لها ضِمْنا

فيا راقداً قد خاط عينَيْهِ غَفلةٌ

تأهّبْ فإنّ الحيَّ قد قَدَّموا الظُّعْنا

ويا نَفسُ صَبراً إن خطَتْ قَدمُ الرَّدى

إلينا على حال فكم قد تَخَطّتْنا

فُنونٌ لذي الأيّامِ أثوابُ مَرّها

إذا أخلقَتْ فينا أجدَّتْ لها فَنّا

ومَنْ يَمتطي شُهْبَ الزَّمان ودُهْمَهُ

فلابُدَّ من أنْ يَسلُكَ السَّهْل والحَزْنا

وديعةُ ربٍّ كان ثُمَّ استَردَّها

فكم ذا أقولُ الدَّهرُ أعطَى وما هَنّا

وما ساءني مِن أخْذِه وعطائهِ

وما بَيْنَ أن أفنَى حميداً وأن أَقْنى

سوى أنّ مَن يُودِعْ نفيساً ويَرتَجعْ

سريعاً فمِنْ ظَنٍّ به سَيءٍ ظَنّا

أجَلْ لم أكنْ فيه أميناً ولا بهِ

قَميناً وقد سَنَّ له اللهُ ما سَنّا

ولكنّني أرجو على ذاكَ نظرةً

بعَيْن رضاً للهِ منْ نالَها استَغْنى

وإنّي لأستَحيْي منَ الله أن أُرَى

مُشيناً له فِعلاً مُسيئاً به ظَنّا

وأنْ أتلقَّى محنةً ثمّ منحةً

فأضعُفَ عن حَمْلي لكليتهما مَتْنا

قضَى ما قضَى من تَرحةٍ بعدَ فَرحةٍ

فلا الشّكْرَ أكمَلْنا ولا الصّبْرَ أجمَلْنا

وما ذاك عَن جَهْلٍ بنا غَيرَ أنّنا

عَلِمْنا ولم نَعْمَل فيا ربَّنا ارحَمْنا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن الأرجاني

avatar

الأرجاني حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-alarjani@

315

قصيدة

2

الاقتباسات

121

متابعين

أحمد بن محمد بن الحسين، أبو بكر، ناصح الدين، الأرجاني. شاعر، في شعره رقة وحكمة. ولي القضاء بتستر وعسكر مكرم وكان في صبه بالمدرسة النظامية بأصبهان. جمع ابنه بعض شعره في ...

المزيد عن الأرجاني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة