الديوان » العصر الأندلسي » الأرجاني » إلى خيال خيال في الظلام سرى

عدد الابيات : 78

طباعة

إلى خيالٍ خَيالٌ في الظّلام سَرَى

نَظيُره في خَفاء الشَّخصِ إن نُظِرا

سارٍ ألَمّ بسارٍ كامنَيْنِ مَعاً

عن النّواظرِ في لَيلٍ قدِ اعتكَرا

كلاهما غابَ هذا في حِجابِ ضنىً

عنِ العيونِ وهذا في حِجابِ كَرى

تَشابَها في نُحولٍ وادّراعِ دُجىً

وخَوْضِ أهوالِ بيدٍ واعْتيادِ سُرى

فليسَ بينهما إلا بواحدةٍ

فَرْقٌ إذا ما أعادَ النّاظرُ النَّظرا

بأنّه ما دَرى السَّيفُ الطَّروقُ بما

لاقَى من اللَّيلِ والصَّبُّ المَشوقُ دَرى

سَرى إليّ ولم يَشتَقْ ومن عَجَبٍ

إلى المَشوقِ إذَنْ غيرُ المشَوقِ سَرى

ظَبْيٌ من الإنْسِ مَجبولٌ على خُلُقٍ

للوَحشِ فهْو إذا آنْستَه نَفَرا

مُعَقْرَبُ الصُّدغِ يَحِكي نُورُ غُرَّتِه

بَدْراً بدا بظلامِ اللّيلِ مُعتَجِرا

مُذْ سافَر القلبُ من صَدْري إليه هوىً

ما عادَ بعدُ ولم أعرِفْ له خَبَرا

وهْو المُسيءُ اختياراً إذا نَوى سَفَراً

وقد رأى طالعاً في العَقْربِ القَمَرا

أشكو إلى اللهِ لا أشكو إلى أحَدٍ

أنّ الزّمانَ أحالَ العُرّفَ والنُّكُرا

وأنّ عَصري على أنْ قد تَجمَّلَ بي

ما إن أصادِفُ فَضْلي فيه مُعتَصَرا

أتَى بشَرحٍ بَسيطٍ للحوادثِ لي

دَهْري وصَنَّف حَظّي فيه مختصَرا

علَتْ منازلُ أملاكٍ رجَوتُهمُ

وما أرى بيَ من إنعامِهمْ أثَرا

كلٌّ إلى المُشتِري في الأُفْقِ ذو نَظَرٍ

والشّأْنُ فيمن إليه المُشتري نَظَرا

أُخَيَّ والحُرُّ بالأحرارِ مُعتَرِفٌ

من اللّيالي إذا ما صَرْفُها غَدَرا

إن قَصّرتْ قُدرةٌ عن عادةٍ عُهِدَتْ

فاعذُرْ فأكرمُ مَن صاحَبْتَ مَن عَذَرا

ولي هُمومٌ توالَتْ بي طَوارقُها

حتّى حوَى خاطري من قَطْرِها غُدُرا

وما رَضِيتُ لضيفِ الهَمِّ قَطُ سوى

شحمِ السّنامِ من العَنْسِ الأَمونِ قِرى

فَثُرْ بِها أيّها الحادي على عجَلٍ

فكم تَرى سفَراً عن مَغنَمٍ سَفَرا

وقلّما أمكنَ الإنسانَ في دَعَةٍ

أن يَجمعَ الوطنَ المألوفَ والوَطَرا

وَاحْدُ المطايا إلى أرضِ العراق بنا

فما أَرى بيَ عن زَورائها زَوَرا

واقْصِدْ كريماً له عبدُ الكريمِ أَبٌ

تَجِدْ هُماماً لأمرِ المجدِ مُؤْتَمِرا

مُحسَّدُ المجدِ والعُلْيا إذا رُمِقَتْ

مُحمّدُ الإِسْمِ والأوصافِ إن ذُكرا

فما أَرى لي منَ الأيامِ إن ظَلَمَتْ

إلاّ مُؤيِّدَ دينِ اللّهِ مُنتَصِرا

هو الّذي إن سَخا دَهْري برؤيتهِ

من بعدِ ما شَفّ قلبي بُعدُه فِكَرا

في الحالِ أَغدو إذا استقبلتُ طلعتَه

لِما مضَى من ذُنوب الدّهرِ مُغْتَفِرا

فاحْلُلْ بِسامي ذُراه وَاغْدُ مُنتَجِعاً

سَمْحاً إذا شامَ راجٍ بَرقَهُ مُطِرا

مُوكّلاً باللّيالي جُودُ أَنمُلِه

فكلّما كسَرتْ من فاضلٍ جَبَرا

كلوءُ مُلْكٍ برأْيٍ ما يزالُ له

يُعِدُّه وَزَراً كُلُّ امرئٍ وَزرا

فضْلُ الخطابِ له فصْلُ الخُطوبِ به

إن كان مُنتَظَماً أو كان مُنتثَرا

ليثٌ إذا صالَ لم تَثْبُتْ له نفَساً

لُيوثُ شَرٍّ تَصدَّتْ أو ليوثُ شَرى

يَراعُه نابَ عن نابٍ وعن ظُفُرٍ

له فلم يَستعرْ ناباً ولا ظُفُرا

بكفِّه إن مضَتْ قلتُ الحسامُ مضَى

شَباتُها أَو جَرتْ قلتُ القضاءُ جرى

يُغني العُفاةَ كما يُفْني العداةَ به

كأنّه البحرُ يَحوي النَّفْعَ والضَّررا

قد جاء في فترةٍ لكنّه فَطِنٌ

مُذْ جَدّ في كسبِه للحمد ما فتَرا

كم ذادَ عنّا وكم قد بات ناظِرُه

يُنيمُنا ويُقاسي دونَنا السَّهرا

وما تَغيَّر عنه عَهدُ مكرمةٍ

ألا فلا لَقِيَتْ أيّامُه الغِيَرا

غيثٌ من الجودِ لا يدعو سوى الجَفَلى

إذا أَبى الغيثُ إلاّ دَعوةَ النّقَرى

يُغِنى عنِ القَطرِ عامَ الجدْبِ نائلُه

إذا انهمَى لبني الآمالِ وانهَمرا

يُرضي الرعيّةَ والرّاعي بسِيرتِه

ولم يَكادا معاً أَن يُرضِيا سِيَرا

للأُمَّةِ الدَّهرَ يَسعَى والإمام معاً

سعْياً له العَبْدُ والمعبود قد شَكَرا

له استنابَ الإمامُ المُقْتَفي شرفاً

لمّا اقتفى أَمرَ رَبِّ العرشِ واقْتفرا

أَلقى فصيحَ لسانٍ عنه في يَدِه

يَبينُ عمّا نهَى في المُلكِ أَو أَمَرا

يَكْفي الأقاليمَ أَن يُمضي له قلماً

فلا يضاهي به بِيضاً ولا سُمُرا

يَسوسُ أَطرافَها في كفِّه طَرَف

من أَرقَشٍ وكَفاها ذاكَ مُفتَخَرا

يَخُطُّ سَوداءَ في بيضاءَ من كتُبٍ

كأنّما هيَ عينٌ أُودِعَتْ حَوَرا

كأنَّ سِحْرَ بيانٍ في كتابتِه

أعدَى به كُلِّ طَرْفٍ أحورٍ سَحَرا

لا عَيبَ في دُرِّ لَفْظٍ منه يُودِعُه

كتْباً سوى أنّه بالنِّقْس قد سُطِرا

لولا شِعارٌ إماميٌّ رَعاهُ لمَا

كسَتْ سوادَ مِدادٍ كفّه الدُّررا

بل كان في ذَهبٍ يَجلو البنانُ به

دُرَّ البيانِ إذا ما بَحْرُه زَخرا

إنّ الخليفةَ والتّأييدَ يَكنُفُه

لمّا اغتدَى لكفاةِ المُلْكِ مُختَبِرا

لم تَحْوِ إلاّ سديداً واحداً يَدُه

وللكنانةِ مَلاْءَى أسهُماً نثَرا

سديدُ دولةِ ماضٍ عَزْمُه فمتَى

رمَى أصابَ به أغراضَه الكُبَرا

إن أصبحَ الدَّهرُ ليلاً داجياً فلقد

بدَتْ مساعيهِ فيه أنجماً زُهُرا

يا مَن سَوابقُ أيّامي بحَضْرتِه

كانٍتِ لأوجُهِها أفعالُه غُرَرا

إنّي لشاكرُ ما أسلفْتَ من نِعَمٍ

عندي ومَن كَفَر النُعمَى فقد كفَرا

أنت الرّبيعُ وفَضْلي في تَرقُّبِه

كالعُودِ عاد إلى الإيراقِ مُفتَقِرا

فَهُزَّ لي عِطْفَ مولانا الوزيرِ وقُلْ

عنّي ومهما أقُلْ من قَولٍ اشْتَهَرا

جُدْ لي بنَظرةِ صِدقٍ منكَ واحدةٍ

حتّى أقولَ لريْبِ الدّهرِ كيفَ تَرى

ومُرْ زماناً صفَحْنا عن جرائمِه

يَحِتْم بعُذْرٍ فلم يذْنِبْ منِ اعْتذرا

جَدِّدْ ندَى رَسْمِ إنعامَيْنِ قد قَدُما

فالرَّسْمُ كالرَّسْم إن طالَ المَدى دَثرا

بَقِيتُما في نَعيمٍ واردَيْنِ معاً

عَيشاً أبَى لكما عن وِرْدهِ الصَّدَرا

فكم بغَى حاسدٌ لاقَى صفاءَكما

إلقاءهُ كدَراً فيه فما قَدَرا

يا ماجداً لم أَزُرْ مأْنوسَ سُدّتِه

إلاّ رأَى فُرصةً للحمدِ فابْتَدَرا

كم قد أُضيعُ أنا حَظّي ويَحفظُه

وكم نَسيِتُ أنا نَفْسي وقد ذَكرا

متى لنا ولكم تُقصَى الفَوائتُ من

قولٍ وفعلٍ يَروقُ السَّمْعَ والبَصَرا

متى نَعودُ إلى العاداتِ ثانيةً

قُلْ لي أذلكَ في وُسْعِ الزّمانِ تُرى

في كأْسِ عُمْريَ ما أبقَى الزَّمانُ سوى

سُؤْرٍ قليلٍ ببُعْدي منك قد كَدِرا

فالْحَقْ بقيّةَ أنفاسي فجُملَتُها

شُكْرٌ لسالفِ نُعماكَ الّذي بَهَرا

عُذْري حوادثُ دَهري وهْي ظاهرةٌ

كُفيتَها فاقْبَلِ العُذْرَ الّذي ظَهَرا

قَصّرتُ إذ لم أَجِدْ لي منك مُقتَرَباً

وعُدْتُ إذْ لم أجِدْ لي عنك مُصطَبرا

فدونكمْ هَدْيَ شِعْرٍ ساقَ مُشعِرُه

مَن لو أطاقَ مَسيراً حَجّ واعتَمرا

وما نأَتْ دارُ مَن تدنو فواضِلُه

ولم يكُن غائباً مَن شُكرُه حضَرا

وإنّ أرفعَ من قَصرٍ لشائدِه

بَيتٌ إذا سار مِن شِعْري لمَنْ شَعَرا

بَقِيتَ للمدحِ والمُدّاحِ تَسمَعُهمْ

في ظلِّ مُلْكٍ نفَى عن صَفْوهِ الكَدرا

مادام غَرْسُ الأيادي في مَواضعها

يُرَى لها شُكْرُ أحرارِ الوَرى ثَمَرا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن الأرجاني

avatar

الأرجاني حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-alarjani@

315

قصيدة

2

الاقتباسات

123

متابعين

أحمد بن محمد بن الحسين، أبو بكر، ناصح الدين، الأرجاني. شاعر، في شعره رقة وحكمة. ولي القضاء بتستر وعسكر مكرم وكان في صبه بالمدرسة النظامية بأصبهان. جمع ابنه بعض شعره في ...

المزيد عن الأرجاني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة