الديوان » العصر الأندلسي » الأرجاني » ذكر المعسكر صاحبي ذكرا

عدد الابيات : 132

طباعة

ذكَر المعسكَر صاحبي ذِكْرا

فأثارَ لي تَذكارُه فِكْرا

وحَنَنْتُ حَنّةَ واجدٍ طَرِبٍ

وذكرتُ صُحبةَ أهلِه دَهرا

فجَعلْتُ حتّى زُرْتُهُ عَجِلاَ

نِضْوِي وِشاحاً والفلا خَصرا

ولسيّدِ الوزراء قاطبةً

لمّا سَمِعْتُ على النّوى بُشرى

أقسمتُ لا قَصرَ الزّمامَ يَدِي

حتّى نَرى هَمذانَ والقَصرا

لمّا نظرتُ إليه من بُعُدٍ

كَبَّرتُ من طَربٍ له عَشرا

ونزلتُ من أقصى مدَى نَظَرِي

ليدِ المطيّةِ لاثِماً شُكرا

حَرَمٌ من الدّنيا إليه غَدَتْ

تُجْبَى محاسنُ أهلها طُرّا

بَحرٌ يموجُ إذا رآه فتىً

أقسمتُ لم يَر قبلَه بَحرا

فِرَقٌ تعودُ وتَبتدِي فِرَقٌ

كالبحرِ يُبدِي المَدَّ والجزَرا

وحكَى القِبابُ به الحَبابَ ضُحىً

يَلمعْنَ من صُغْرَى ومِن كُبرى

تَحكي رياضَ الأقحوانِ بدَتْ

ومن الشّقائقِ وُسِّطَتْ شَذرا

والقصرُ من إعظامِ ساكتِه

الطّرفُ يَقصُرُ دونه قَصرا

بُرْجٌ لشمسِ الأرضِ مُكتنَفٌ

بالأُسْدِ تَزأرُ حَولَهُ زأرا

ولذاكَ سَمَّتْ بُرجَها أَسَداً

شمسُ السّماء وحَسْبُها فَخرا

لمّا وصَلْنا سالمِينَ قضَى

كُلٌّ غداةَ وُصولِه نَذرا

وانبَثَّ يُشيعُ عينَه نظَراً

منه ويَخبُرُ أمْرَهُ خُبرا

فتَرى الورى أُمَماً كأنّهمُ

حُشِروا ليومِ حِسابِهم حَشرا

وحكَتْ خيامُ الجُنْدِ نازلةً

صدَفاً تَضُمّ بُطونُها دُرّا

وتُجيلُ طَرْفَكَ لا ترَى خَلَلاً

مِمّا يَسُدُّ القَطْرَ والقُطرا

حيث التَفتَّ ملأتَ من فَرَقٍ

عَيْناً ومن فَرَحٍ بهمْ صَدرا

ورأيتَ أنديةً وأفنيةً

فيها الصّهيلُ يُجاوِبُ الهَدرا

وتَرى على الأبوابِ مُقْربَةً

مَطْوِيّةً أقرابُها ضُمرا

مشمولةً أمْناً ومن كرمٍ

قد حَدَّدتْ آذانَها حِذرا

ومراكزَ الأرماحِ قد نشَرتْ

كَفّ الصَّبا عذَباتِها الحُمرا

وعلى جيادِ الخيلِ أغلمةٌ

غُرّ تُصَرَفُ تحتها غُرّا

من ضاربٍ كُرَةً ينُزِّقُها

في مَلْعبٍ أو رائضٍ مُهرا

أو مُردِفٍ فَهْداً ليُقنصَه

أُدْمَ الفلا أو مُمْسِكٍ صَقرا

وخلالَ أطنابِ الخيامِ تَرَى

رَشْقَ الرُّماةِ سِهامَها تَتْرى

نثَروا لأيديهمْ وأعينِهم

ما في الكنائنِ كُلِّها نَثْرا

مَجعولةً أصداغُها حَلَقاً

منها على آذانِها كِبرا

يَرمون قِرطاساً وأفئدةً

فسَوادُها ببياضِه يُغْرى

والسّوقُ تُبصِرُ من عجائبِها

في كلِّ مَرْمَى نَظرةٍ مِصرا

بلَدٌ يسيرُ وما رأى أحَدٌ

بلداً يُسارُ بهِ ولا يُسرى

حتّى إذا بِتْنا على أَمَلٍ

نَعِدُ النّفوسَ بكُلِّ ما سَرّا

ودجَا الظّلامُ فكاثَروا عَدَداً

بشَبا الرّماحِ نُجومَه الزُّهرا

وتَغنّتِ الحُرّاسُ واصطفقَتْ

عِيدانُها وتجاوبَتْ نَقرا

تَحْدو وراء الليّلِ قارعةً

لطُبولِها أو تُبصِرَ الفَجرا

والغُضْفُ مَن لَقِيَتْ تُمزَقُه

وتَعُلُّ منه النّابَ والظُّفرا

فلَوَ انّ طيفاً رام من طُنُبٍ

لهمُ دُنُوّاً لم يَجِدْ مَسرى

حتّى إذا ما الصّبحُ لاحَ وقد

نُشرَتْ لنا راياتُه نَشرا

وسَمعتَ صيحاتِ الأذانِ من ال

جنَباتِ تَنْعَرُ بالدُّجَى نَعرا

وتَخالُ أصواتَ الطّبولِ إذا

أصغَيتَ إنْ ظُهراً وإنْ عَصرا

رَعْداً يُقطَّعُ بالعَروضِ فما

تَلقَى له زَحْفاً ولا كَسرا

فنفَوا بقايا غُمضِهمْ وقَضَوا

فَرْضَ الصّلاةِ وأخلَصوا السِّرّا

وتَقاطَر الغِلمانُ راكضةً

للخيلِ تابعةً له الإثرا

المُحكِمين عقودَ أقبيةٍ

فيها يُرونَكَ أَوجُها زُهرا

كالدُّرِّ زِيدَ كمالُ بَهجتِهِ

في العَينِ أنْ قد كُلِّلَ التِّبرا

وكأنّما أضحَتْ قَلانِسُهم

من عَكْسِ ضوء خُدودِهم حُمرا

حتّى إذا أخذوا صوالجَهمْ

جَهَدوا سوابقَ خَيلهِم حُضرا

وتَنازعوا الآدابَ وامتحَنوا النْ

نُشّابَ والخَطِّيّةَ السُّمرا

فثنَى الأعِنّةَ راجعاً بهمُ

مَولَى الورَى واليومُ قد حَرّا

والسِّترةُ السوداءُ قد رُفعَتْ

في الجَوِّ فوق الغُرّةِ الزَّهرا

فسَلُوا المَظَلّةَ إنّها دُفِعَتْ

عن أيّةِ الشّمْسَيْنِ للأُخرى

حجَبَتْ تَزايُدَ نُورِ غُرَّتهِ

من رأْفةٍ عن عينِها الحَرّى

حتّى إذا ما لاحَ من بُعُدٍ

جهَرَ الورى بدُعائهمْ جَهرا

والصّدْرُ في الدّيوانِ مُستَنِدٌ

منه الأوامرُ تَشرَحُ الصَّدرا

صَدْرٌ رداءٌ تُقاهُ يَستُرُه

عن سهمِ عينِ زمانهِ سَترا

مُستودَعٌ لُبّاً لعِزّتِه

تَخِذَ الحديدَ لصَوْنِه قِشرا

والمُلْكُ مُلْكُ الأرضِ أجمعِها

كالطّوقِ منه أُلزِمَ النَّحرا

والدِّينُ قَلْبٌ في جوانحِه

مهما اتّقَى من مارقٍ شرّا

وعلومُ ما يأْتي الزّمانُ به

مكنونةٌ في طَيِّه سِرّا

كم فيه صُحْفِ ندىً ولست تَرى

للبُخلِ في أثنائها سَطرا

هذا الكمالُ على الحقيقةِ لا

ما كان يُذْكَرُ قبْلَه ذِكرا

إنّي لأذكُرُ معشراً عُهِدوا

ولربّما تَتجدَّدُ الذّكرى

أبناءَ دَهرٍ لا لَقِيتَ له

يا صاحِ بعدَ وفائهِ غَدرا

ما تَنقضِي في أمرِه فِكَرِي

بلْ لا يُساوي أمرُه الفِكرا

عَهْدِي بهم تُضحِي دُموعُهمُ

غُزْراً إذا وهَبوا لنا نَزرا

كم رجعةٍ عنهم رجَعْتُ أنا

مُتَحّسِراً وركائبي حَسْرى

أمّلْتُ منهم أن أنالَ غِنىً

والحُولُ تَحسَبُ شَفْعَها الوِترا

كُلُّ الصّدورِ سواك كنتُ أَرى

صدْراً غدا من قلبِهِ قَفرا

كُلٌّ غدا غُمْراً وصاحبُه

قد ظَل منه طالباً غَمرا

فاليومَ صرتُ إلى ذُرا مَلِكٍ

ضَيفُ الرّجاءِ بجُودهِ يُقرى

ودَعَوا لسلطانِ الأنامِ بأنْ

أَعزِزْ له يا ناصِرُ النّصرا

وغدَوا إلى الدّركاةِ وازدحَموا

فهُناك تَلقَى البَدْوَ والحَضرا

وأكابرُ الأُمَراء تُبصِرُهمْ

مُتحاشدِينَ فتُكْبِرُ الأَمرا

والبِيضُ مُصلتَةٌ تَحُفُّ بهم

وتَذودُ من يُمنَى ومن يُسرى

فَنٌّ أَجَدَّ الدّهرُ سُنّتَه

ويَحارُ مَن يتأَمّلُ الدّهرا

وبنو الرّجاء بكلِّ مُلتفَتٍ

منهم تُشاهِدُ عسكراً مَجرا

وذوو العمائمِ في مناصِبهم

والتُّركُ تَرمُقُ نَحوهَم خُزرا

مِيلاً قلانسُهم كأنّهمُ

قِطَعُ الرياضِ تَكلّلتْ زَهرا

وتَرى سِماطَيْهم وقد وقَفُوا

كالسّطْرِ حاذَى نَظْمُه السّطرا

والملْكُ مثْلُ الشّمسِ كاسِرةً

أبصارَنا من دُونِها كَسرا

ومِنَ الجيوشِ المُحدِقينَ به

لُجَجاً تَرى من حَوْلِه خُضرا

من عُظْمِ ما يَلْقَى تَضايُقُها

ما تَستبِينُ من الثّرَى شِبرا

وتَرى مُلوكَ الأرضِ خافتةً

وقَفوا أمامَ سريرِه صُغرا

والقولُ هَمْسٌ لا حَسيسَ له

والعينُ تَسرِقُ لَحْظَها سِرّا

والرُّسْلُ بعدَ الرُّسْلِ واردةٌ

كالقَطْرِ أصبحَ يَتبَعُ القَطرا

وذوو الوجوهِ البيضِ مَن جَعلوا

يومَ السّلامِ جِباهَهم غُبرا

وتَصايُحُ المُتظَلِّمينَ حكَى

لَغَطَ القطا أوسعْتَها زَجرا

رفَعُوا على قَصباتِهم قصَصاً

ويناشدون اللّهَ أن تُقْرا

يَدنونَ والجاؤوشُ مُعتَرِضٌ

حَرِدٌ يَجُرُّ سِياطَه جَرّا

وكأنّه حَنِقٌ بلا حَنَقٍ

يُغْشِي السّياطَ البَطْنَ والظَّهرا

والخيلُ جائيةٌ وذاهِبةٌ

هذى تُقادُ وهذِه تُجْرى

تحت الأُغَيلمةِ الصّغار منَ التْ

تَأْديبِ لا تَعْصِي لها أمرا

والفيلُ في ذَيلِ السّماطِ له

زَجَلٌ يُهالُ له الفتَى ذُعرا

في مَوقفِ الحُجّاب يُؤْمَرُ أو

يُنْهَي فَيُمضِي النّهْيَ والأَمرا

أُذْنانِ كالتُّرسَيْنِ تحتهما

نابانِ كالرُّمحَينِ إن كَرّا

يَعلو له فَيّالُه قَصَراً

فيظَلُّ مثْلَ مَنِ اعتلَى قَصرا

وكأنّما خُرطومُه مثَلاً

راووقُ خُرطومٍ إذا افتَرّا

وتَرنُّمُ البُوقاتِ إن رَكبَ السْ

سُلطانُ تَحسَبُها بهِ نَذرا

مَولىً فرَرْتُ إليه من زَمني

وأخو الفَخارِ إليه مَن فَرّا

فلأَصفحَنّ عنِ الّذين قَضَوْا

عُرْفاً أتَى الأقوامُ أم نُكْرا

ما لي أذمُّ ليالياً سلَفتْ

إن عَقّ ماضيها وإن بَرّا

عهْدٌ قديمٌ إن حَلا فخَلا

أو إنْ أمَرَّ لنا فقد مَرّا

شُكْرِي لهذا العَصْرِ يَشغَلُني

عن أن أعاتبَ ذلك العَصرا

بالصّاحبِ العَدْلِ احتمَى زَمنِي

فلأغفِرنَّ ذنوبَه غَفرا

مولىً إلينا الدّهرُ مُعتَذِرٌ

ببقائه وكفَى به عُذرا

جاورْتُه فبلَغْتُ كُلَّ مُنىً

ولذاك قالوا جاوِرِ البَحرا

وأتَتْه آمالِي مُحلأةً

فشفَى النّدَى أكبادَها الحَرّى

أوردْتُها عَشْراً كَرُمْنَ له

من بعدِ ما أظمأتُها عشرا

فلأشكُرَنّ جزيلَ أنعُمِه

ويفوقُ كُفْرُ النِّعمةِ الكُفرا

يا أيّها المولَى المُعيدُ إلى

وَجْهِ الزّمانِ بِعَدْلِه بشرا

مَفتوقةٌ أجفانُ حاسِده

ما إن يَخيطُ بهُدْبِها شُفْرا

وكأنّما أقلامُه طَفِقَتْ

للغَيْظِ من أضلاعِهِمْ تُبْرى

مَن ذا يُؤمِّلُ أن يُرَى نفَساً

قُدّامَ حَربِكَ مالِكاً صَبرا

ولَوَ انّ كِسرَى عاش كان يُرَى

من خَوفِ بأسِكَ لازماً كِسرا

يا مَن ذخَرْتُ ولاءه زَمناً

من أجلِ يومٍ يَحمَدُ الذُّخرا

أَوْلَيتَ فَضْلي نظرةً سَلَفَتْ

فامْنُنْ إليه بنَظرةٍ أُخرى

وملَكْتَ من دُنْيايَ أَجمعِها

فالْمَحْ بِفكْرِكَ أَمْريَ الإمرا

عَيْناً بلا نَومٍ مُغمّضَةً

وأنامِلاً مَضْمومةً صِفرا

نظَر الحسودُ إلى ظواهرِها

وأنا بباطِنِ أَمرِها أَدْرى

فإلى متى يقتادُني طَمعِي

عْبداً له وأَظُنُّني حُرّا

والشَّيبُ فاتحُ عَيْنِه عجَباً

يرنو إليّ بطَرْفِه شَزرا

فكُنِ المُفرِّغَ خاطرِي كَرماً

فالحُرُّ أَنتَ بنَصْرِه أَحرى

يا مَن جَعلْتُك مَقْصِدِي فغدا

سَهْلاً إليكَ رُكوبِيَ الوَعرا

وأَرى الغِنى طَوْعِي إذا جَعلَتْ

نُوَبُ الزّمانِ إليك لي فَقرا

جاءْتكَ من فِكَري ابنةٌ كَرُمتْ

فجلَوتُها لكَ حُرّةً بِكرا

لا يَرتضِي سيفَ اللّسانِ فتىً

ما لم يُبِنْ في مَدْحِكَ الأُثرا

يا مَن لدَيهِ لعُظْمِ مَنْصِبِه

سِيّانِ مَن لم يُطْرِ أو أَطْرى

العِيد عاد إليك فاجْتَلِهِ

ثَغْراً عنِ الإقبالِ مُفترّا

في دولةٍ غرّاءَ دائمةٍ

مادامَ صَومٌ مُعقِباً فِطرا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن الأرجاني

avatar

الأرجاني حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-alarjani@

315

قصيدة

2

الاقتباسات

121

متابعين

أحمد بن محمد بن الحسين، أبو بكر، ناصح الدين، الأرجاني. شاعر، في شعره رقة وحكمة. ولي القضاء بتستر وعسكر مكرم وكان في صبه بالمدرسة النظامية بأصبهان. جمع ابنه بعض شعره في ...

المزيد عن الأرجاني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة