الديوان » العصر العباسي » ابن الرومي » ألوى بقلبك من غصون الناس

عدد الابيات : 105

طباعة

ألوَى بقلبك من غُصون الناسِ

غصنٌ يتيه على غصون الآسِ

بل شادن ذو نعمةٍ في نعمةٍ

يكتنُّ منها في أكنِّ كناس

ظبي يصيد ولا يُصاد مُحاذرٌ

نَبْلَ الهوى وحبَائل الإيناس

غِرٌّ شَموسٌ إن أحسَّ بريبةٍ

أعجِبْ بجامع غِرّةٍ وشماس

يسبي القلوبَ بمقلةٍ مكحولةٍ

بفتورِ غُنْجٍ لا فتور نعاس

ومُقَبَّلٍ عذب كأن نسيمَهُ

وَهْناً نسيمُ منابت البَسباس

أثني عليه بطيب فيه ولم أنل

منه نوالاً قط غير خِلاس

قمر يجود بأن أراه حسرةً

ويضن بالإرشاف والإلماس

يُذكي الجوى ويذودني عن مشرب

خَصر العُلالةِ للجوى مسّاس

وإذا شكوت إليه طول عذابه

فأقلُّ قاسٍ رحمةً لمُقاسي

لقد استوى تَقْويمه ولقد غَدا

لا تستوي حالاهُ عند قياس

يتحمل الأوزارَ لا يعيَى بها

في كل مأسورٍ بدار تناسي

وإذا خطا أعياه ثقْل مؤَزَّرٍ

يرتَجُّ تحت موشَّحٍ ميّاس

فتراه يمشي في الدِّهاس وإنما

يمشي فيجذبه كثيبُ دَهاس

يا للرجال ألا معينَ لأيِّدٍ

صبِّ الفؤاد على ضعيفٍ قاس

أيَضيمُني خَنِثُ الشمائل لو نضا

عنه غِلالته حَساهُ حاس

ومن العجائب أن تحل ظُلامةٌ

بفتى أناس من فتاة أناس

ولقد ينال من القويِّ ضعيفُهُ

ككُليبٍ الطاغي وكالجسّاس

إن أصلَ من نارَيْ هواه وهجرِهِ

ما قد أملَّ حديثُه جُلّاسي

فقد اصطلى نارَيْ هوىً وعقوبةٍ

قبلي سُحيمٌ في ابنة الحَسْحاس

إن الكتابة أصبحت عربيةً

زهراء ترغب عن بني الأكداس

خطبت شريفاً طاهراً وتنزهت

عن أدنياءَ علمتُهم أرجاس

قد كانت الأقلام في أيامهم

حُمُراً فعادت أيما أفراس

تجري إلى الغايات في حَلَباتها

وتجوسُ دار الكفرِ كلَّ مَجاس

بأغرَّ أبلجَ لم تزل أيامُهُ

مشغولةً بالكَيس لا بالكاس

بين الحداثة والرثاثة سِنُّهُ

وكذاك سن البازل القِنعاس

لقي التجارب غانياً عن عُونها

بقريحةٍ أذكى من النبراس

ذاك الذي استكفاه رِعيةَ أمره

كافي الخلائف من بني العباس

فغدا له في زَينه وغنائه

كالعين وهي أعز ما في الراس

ألقى مراسيَهُ لديه ومَا لَهُ

إلا المحبة والوفاء مَراسي

يُمضي مكائدهُ إلى أعدائِه

كالنبل صادرةً عن الأعْجاس

بل كالمقادر إن تحصن دونها

مُتحصِّنٌ هجمتْ مع الأنفاس

لله إسماعيلُ واحد عصره

من جارح في النائبات وآس

المستضاءُ الوجه في بُهَم الدجى

والمستضاء الرأي في الألباس

تجري الأمورُ على السداد إِذا جرت

أقلامُهُ في ساحةِ القِرطاس

أقلامُ ميمونِ النقيبه حازم

يجرين بالإنعام والإبئاس

ما انْفكَّ يُرعِفها دماً ويمجّها

عسلاً مدادهما من الأنفاس

يا سائِلي عنه سألتَ عن امرئٍ

تلْقاهُ وهو من الفضائل كاس

تلقى مُغِيماً مُشمِساً في حالةٍ

هَطِل الإغامة نيِّر الإشماس

فلنا ندى من كفِّه ولنا هدىً

من رأيه في الليل ذي الأغباس

ما ضرَّ مهتدياً به في حندسٍ

عُدمُ الهداةِ وغيبةُ الأقباس

ماء بلا رنقٍ إذا ما استُعرضت

أخلاقُهُ نار بغير نُحاس

جمع السلامةَ والشهامة إنه

شخصٌ يحوز محاسنَ الأجناس

لَذكاؤه لهبُ الحريقِ وحلمُهُ

أندى وأبرد من ندى الأغلاس

وترى شهيداً ظاهراً من جوده

بمغيَّبٍ من جوده هجاس

قد قلت حين رأيتُ باطن كفِّه

أندى منَ المتحلِّب الرجاس

ورأيت جمرةَ ذهنه ولهيبَها

في ساعةِ التبليد والإبلاس

عجباً لأقلام الوزير وكيف لا

تستبدل الإيراق بالإيباس

بل كيف لا تأتجُّ في آلاته

نيرانُ هاجسةٍ بغير مساس

لَحَقَقْنَ أن يُورِقن من ذاك النَدى

أو يحترقن بذلك المِقباس

قدِّمه إن ذكر المكارِمَ ذاكرٌ

فحظوظه منهن غير خِساس

قصد المحامدَ حين أكسد تجْرها

فابتاع كاسدها بغير مِكاس

ورأى العلا مهجورةً فأوى لها

وحنى عليها والقلوبُ قَواس

وأما وإسماعيلَ حلفة صادقٍ

راعي الرعاةِ وسائِس السُّواس

لولا شجاعتهُ لهاب طريقةً

خشناء مقفرةً من الأُنَّاس

ولمثلُه رَكِبَ المهيبةَ وحدَهُ

وتحمَّلَ العظمى بغير مَواس

فيه اثنتان يقلّ من يحويهما

في دهرنا ويجل في المقياس

ينسى صنيعته ويذكر وعدَهُ

أكرِمْ بذلك من ذَكورٍ ناس

أضحت به الدنيا رياضاً كلها

والدهر كالأعياد والأعراس

وكأنما آباؤهُ وجدوده

نُشِروا به طراً من الأرماس

برجائه اكتست الركابُ رحالها

وبجودِه عَريتْ من الأحلاس

صرف السماعُ نوى المقلِّد نحوهُ

وحدا القياسُ إليه بالقَيَّاس

فكلاهما صَدَقَتْهُ عنه شُهودُهُ

واستبدل الإدراكَ بالإيجاس

عند امرئٍ حُرِسَ الأنامُ بحزمه

وكأن ثروته بلا أحراس

يا أيها الغيث الذي بغياثه

أضحت عَواري الأرض وهي كَواس

أنا من سؤالك بين ميسور الغنى

لا شكَّ فيه وبين مُلك الياس

ستُنيلُني الآمال أو ستردني

ملكاً بيأس من جميع الناس

من ذا تخيِّبُهُ فتطمع نفسُهُ

في رفد غيرِك آخرَ الأحراس

أم من تَهشُّ له فيرجفُ قلبُهُ

خَوفَ المفاقر غير ذي وسواس

أعتقتَ من أعطيته وحرمتهُ

من مطمع أبداً ومن إفلاس

من تُعْطه يسعدْ ومن لا تُعطه

يسعدْ بصَوْنِكَهُ عن الأدناس

وكذا الكريمُ حباؤهُ وإباؤهُ

أمران ما بكليهما من باس

وهابُ يأس أو إياس مُنفِسٍ

ولرب يأس قد وَفَى بإياس

والرفدُ يُمنَحَه الفتى حظاً له

واليأسُ يُكْساهُ أعزَّ لِباس

أنت الذي إن جادَ عاد وإن أبى

ترك الكِذاب لمعشرٍ أنكاس

يَعِدون راجيهم مَواعدَ لا يَني

منهن في تعبٍ وطولِ مِراس

ويَدرُّ درُّكَ للألى يبغونَهُ

عفواً بلا مسح ولا إبساس

مهما أتيتَ فأنت فيه مسددٌ

سهمَ الصوابِ لكفةِ البُرجاس

فالناس من تكرارِ وصفك بالحجا

ومن الثناء عليك في مدراس

من قائل أكرِمْ به أو قائل

أحزِم به في المتْح والإمراس

إلا عدوّاً أخرستْهُ ضغينةٌ

لا زال منها الدهرَ في إخراس

ولقد أقول لحاسدٍ لك لن يرى

عُتبَى سوى الإرغام والإتعاس

ما أنت ويبكَ من أبي الصقر الذي

تركتْ تَعَاطيه مُنى الأكياس

سلِّم لإِسماعيل إني ناصحٌ

لك والْهُ عن وَسْواسِك الخناس

حاوِلْ مَعاطِفهُ فهن نواعمٌ

واترك مَكاسِرهُ فهن عَواس

وكذا عهدتك ليناً ذا ميعةٍ

يَسَر الخلائق مُحصد الأمراس

ممن تراعى الوحشُ حول فنائه

وتُراعُ منهُ الأسد في الأخياس

يهتز عودك للنسيم وإن جرت

نُكبَاً معصِّفةً فعودك عاس

وتخفُّ للداعي اللهيف وإن بدا

روعٌ يخف له فطودُك راس

كم خفَّ نهضُك للدعاة وكم رَسَتْ

قدماك في يومٍ عَراك عماس

لك عدلُ ذي تقوى وظلم أخي ندى

لا ظلم غصّابٍ ولا بخّاس

فإذا وهبت ظلمت مالك مُحسناً

وإذا حكمت وزَنْت بالقسطاس

إن كنتَ يوماً مدرِكي بإغاثةٍ

فاليوم يا ابن السادة الرُّواس

أنا بين أظفار الزمان وخائف

منه شبا الأنياب والأضراس

والنائبات لمن نسيت ذواكرٌ

لكنهن لمن ذكرتَ نَواس

فامنُنْ علي بنظرةٍ تنجِي بها

شِلوي من الفَراسة النهّاس

فكم اشتليتَ من امرئٍ مُستلحمٍ

وفرستَ من مستأسدٍ فرّاس

وهب الإله لما بنيتَ من البُنا

شَرَف الذرى ووثاقة الآساس

خذها وإن قلت لمثلك تُحفةً

من فاخرات ملابس اللُّبّاس

إن شئت قلت مليحةٌ ما ضرها

أن لم يقلها المكتني بنُواس

أو شئتَ قلتَ جميلةٌ ما عابها

أنْ لم يقلها المكتنِي بفراس

يا حُسنها بكراً وعند ولادها

ما أنت مانحها وذاتَ نِفاس

هل أنتَ ذاكرُ موعدٍ قدَّمتَه

أم أنت ناسٍ ذاك أم متناس

بي من درورِكَ واختصاصك جانبي

بالجدب حَرُّ صَلاً وحَزُّ مَواس

طال الغليل وقد سقيتَ معاشراً

دوني وما صبروا على الإخماس

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن الرومي

avatar

ابن الرومي حساب موثق

العصر العباسي

poet-abn-rumi@

2020

قصيدة

17

الاقتباسات

2139

متابعين

علي ابن العباس بن جريج، أو جورجيس، الرومي، أبو الحسن. شاعر كبير، من طبقة بشار والمتنبي. روميّ الأصل، كان جده من موالي بني العباس. ولد ونشأ ببغداد، ومات فيها مسموماً، ...

المزيد عن ابن الرومي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة