الديوان » العصر العباسي » ابن هانئ الأندلسي » الشمس عنه كليلة أجفانها

عدد الابيات : 100

طباعة

الشمسُ عنْهُ كليلَةٌ أجفانُها

عَبرَى يَضِيقُ بسرّها كِتمانُها

لو تستطيعُ ضِياءَهُ لَدَنَتْ لهُ

يَعْشو إلى لَمَعانِهِ لَمَعانُها

وأُريكَها تَخْبو على بُرَحائِها

لم تَخْفَ مُذْعِنَةً ولا إذعانُها

إيوانُ مَلْكٍ لو رأتْهُ فارسٌ

ذُعِرَتْ وخَرّ لسَمكِهِ إيوانها

واستعظَمَتْ ما لم يُخلِّدْ مثلَهُ

سابورُهَا قِدْماً ولا ساسانُها

سجَدَتْ إلى النيرانِ أعصُرَها ولو

بَصُرَتْ به سَجَدَتْ له نيرانُها

بل لو تُجادلُها بهِ ألبابُها

في اللّه قامَ لحُسنِهِ بُرهانُها

أوَما ترى الدّنْيا وجامعَ حُسنْهِا

صُغرى لديه وهي يعظُمُ شانها

لولا الذي فُتِنَتْ به لاستعْبَرَتْ

ثكلى تَفُضُّ ضُلوعَها أشجانها

خَضِلُ البشاشةِ مُرْتَوٍ من مائها

فكأنّهُ متَهَلِّلٌ جَذْلانُها

يَنْدى فتنْشأُ في تَنَقُّلِ فَيْئِهِ

غُرُّ السحائبِ مُسبِلاً هَطَلانها

وكأنّ قُدسَ ويذبُلاً رَفَدا ذُرَى

أعلامِهِ حتى رَسَتْ أركانُها

تَغدو القصورُ البِيضُ في جَنَباتِهِ

صُوْراً إليه يَكِلُّ عنه عِيانُها

والقُبةُ البَيضاءُ طائِرَةٌ بهِ

تَهوي بمُنخَرقِ الصَّبا أعنانُها

ضُرِبَتْ بأرْوِقَةٍ تُرَفرِفُ فوقَها

فهوى بفُتْخِ قوادم خَفقَانها

عَلياءُ مُوفِيَةٌ على عَليائِهِ

في حيْثُ أسلَمَ مُقلَةً إنسانُها

بُطْنانُها وَشيُ البُرودِ وعَصْبُها

فكأنّما قوهِيُّها ظُهرْانها

نِيطَتْ أكاليلٌ بها مَنظومَةٌ

فغَدا يُضاحِكُ دُرَّها مَرجانُها

وتَعرّضَتْ طُرَرُ السُّتورِ كأنّها

عذَباتُ أوشِحَةٍ يروقُ جُمانها

وكأنّ أفوافَ الرّياضِ نُثِرْنَ في

صَفَحَاتِها فَتَفَوّفَتْ ألوانُها

فأدِرْ جُفونَكَ واكتحِلْ بمناظِرٍ

غَشّى فِرندَ لُجَيْنِها عِقْيانها

لِترى فنونَ السحْرِ أمثِلةً وما

يُدري الجَهولَ لَعَلّها أعيانُها

مُستَشرِفاتٍ من خُدورِ أوانِسٍ

مصفوفَةٍ قد فُصّلتُ تِيجانها

مُتَقابِلاتٍ في مَراتِبِها جَنَتْ

حرْباً على البِيضِ الحِسانِ حسانها

فاخلَعْ حميداً بينها عُذْرَ الصِّبا

ولُيبْدِ سِرَّ ضمائِرٍ إعلانُها

وحَباكَها كِلفُ الضُّلوع بحسنها

رَيّانُ جانحةٍ بها مَلآنها

تُسْلي المُحِبَّ عن الحبيبِ وتجتَني

ثمرَ النفوس مُحَرَّماً سُلْوانُها

رَدّتْ على الشّعراء ما حاكَتْ لها

غُرُّ القوافي بِكرُهَا وعَوانُها

وأتَتْ تُجَرِّرُ في ذيولِ قصائدٍ

يكفيكَ عن سِحْرِ البَيان بيانها

أعْيَتْ لَبيباً وهي مَوقِعُ طَرْفِهِ

فقَضَى عليه بجهلِهِ عرفانُها

إبراهِمِيّةُ سُودَدٍ تُعزَى إلى

نَجْرِ الكِرامِ جِنانُها ومَعانُها

فكأنّهُ سيفُ بنُ ذي يَزَنٍ بها

وكأنّها صَنعاءُ أو غُمدانها

سُحِبَتْ بها أردانُه فتَضَوّعَتْ

عَبَقاً بصائِكِ مِسكِهِ أردانُها

وكأنّما لَبِسَتْ شَبيبَتَهُ وقَدْ

غادى النّدَى متهَلِّلاً رَيعانها

وكأنّما الفِرْدَوسُ دارُ قرارِهِ

وكأنّ شافعَ جودِهِ رِضْوانها

أبدَتْ لَمرآكَ الجَليلِ جَلالَةً

يعلو لمكرمةٍ بذاك مَهانها

وهَفَتْ جوانبُها ولولا ما رَسا

من عبء مجْدكَ ما استقَرّ مكانها

ولَنِعْمَ مَغنى اللهوِ تَرأمُ ظِلَّه

آرامُ وَجْرَةَ رُحْنَ أو أُدْمانها

ونخالُها صَفراء عارَضَتِ الدُّجى

وسَرَتْ فنادَمَ كوكباً نَدمانُها

قدُمتْ تُزايلُ أعصُراً كَرّتْ على

حَوبائِها لمّا انقَضَى جُثمانها

وأتتْ على عهدِ التّبابعِ مُدّةً

غَضّاً على مَرّ الزّمانِ زمانها

يَمَنِيّةُ الأرْبابِ نجرانيّةُ ال

أنسابِ حيثُ سَمَتْ بها نَجرانُها

أو كِسْرَويّةُ مَحتدٍ وأرومةٍ

شَمطاءُ يُدعَى باسمِها دِهقانُها

أو قَرقَفٍ ممّا تنشّى الرّومَ لا

نَشَواتُها ذُمّتْ ولا نَشوانُها

كان اقتناها الجاثلِيقُ يُكِنُّهَا

ويَصُونُ دُرّةَ غائصٍ صَوّانها

في مَعشرٍ من قومه عَثَرَتْ بهم

نُوَبُ الزّمانِ فغالَهم حِدثانها

كرُمَتْ ثَرىً متأرِّجاً وتوسّطتْ

أرضَ البَطارقِ مُشرِفاً أفدانها

لم يُضرِموا ناراً لهَيبتِها ولمْ

يَسطَعْ بأكنافِ الفَضاء دُجانها

فكأنّ هيكَلَها تَقَدّمَ رايَةً

وكأنّ صَفّ الدّارعينَ دِنانُها

غَنِيَتْ تطوفُ بها ولائدُهمْ كما

طافَتْ برَبّاتِ الحِجالِ قِيانها

قد أُوتِيَتْ من عِلمِهمْ فكأنّها

أحبارُ تلك الكُتبِ أو رُهبانها

جازتْهُمُ تَرْمَدُّ في غُلَوائِها

فتُخُرّموا وخَلا لها مَيدانُها

فكَلَتْكَ ناجودٌ تديرُ كؤوسَها

هِيفٌ تُجاذبُ قُضْبَها كُثبانها

من قاصراتِ الطَّرْفِ كلّ خريدةٍ

لم يأتِ دونَ وِصالها هِجرانُها

لم تَدْرِ ما حَرُّ الوَداعِ ولا شجَتْ

صَبّاً بمُنْعَرَجِ اللوى أظعانها

قد ضُرّجَتْ بدم الحياء فأقبلتْ

متظلّماً من وَردها سُوسانها

تشكو الصِّفادَ لبُهْرِها فكأنّما

رَسَفَانُ عانٍ دَلُّها رَسَفانها

سامتْهُ بعضَ الظلم وهي غريرةٌ

لا ظُلمُها يُخْشَى ولا عُدوانها

فأتَتْهُ بين قَراطِقٍ ومَناطِقٍ

يُثْنى على سِيَرائِها خَفْتانها

وإذا ارتمَتْهُ بما تَريشُ ومُكّنَتْ

فأصابَ أسْودَ قلْبِهِ إمكانُها

لم تَدْرِ ما أصْمَى المليكَ أنَزْعُها

بسديدِ ذاك الرّمْي أو حُسبانها

في أريَحِيّاتٍ كرَيْعانِ الصِّبَا

حَركاتُها وعلى النُّهى إسْكانها

ولئن تَلَقّيْتَ الشّبابَ وعَصْرَهُ

بالمُلْهِياتِ فَعَصْرُها وأوانها

ولئن أبَتْ لك خفْضَ ذاكَ ولِينَهُ

نفسٌ كهَضْبِ عَمايَتينِ جَنانها

فلقبلَما أسْلتْكَ عن بِيض الدُّمى

بِيضٌ تُكسَّرُ في الوغى أجفانها

وضرائبٌ تُنبي الحُسامَ مَضارِباً

أردَتْ شَراسَتُها فخِيفَ لِيانُها

وأُبُوّةٌ هجَرَتْ مَقاصِرَ مُلكِها

فكأنّمَا أسْيافُها أوطانُها

قَوْمٌ هُمُ أيّامُهُمْ إقدامُها

وجِلادُها وضِرابُها وطِعانُها

وإذا تَمَطّرَتِ الجِيادُ سَوابِقاً

فبهم تَكَنُّفُها وهم فُرسانها

وإذا تَحَدّوْا بَلْدَةً فبِزَأرِهِم

صَعَقاتُها وببَأسِهِمْ رَجَفانُها

آلُ الوَغى تَبدو على قَسَماتهمْ

أقْمارُهَا وتحفُّهُمْ شُهبانُها

يَصْلَونَ حرَّ جحيمها إن عرّدَتْ

أبطالُها وتَزَاورَتْ أقرانها

جُرْثومَةٌ منها الجِبالُ الشُّمُّ لم

يُغْضَضْ متالِعُها ولا ثَهلانُها

رُدّتْ إليك فأنتَ يعرُبُها الذي

تُعْزَى إليه وجعْفَرٌ قَحطانها

فافخَرْ بتيجانِ المُلوكِ ومُلكِها

فلأنتَ غيرُ مُدافَعٍ خُلصانُها

للّهِ أنْتَ مُواشِكاً عجِلاً إلى

جَدوَى يَدٍ مَدُّ الفُراتِ بَنانها

يَفديكَ ذو سِنَةٍ عن الآمالِ لم

يألَفْ مَضاجعَ سُؤدَدٍ وَسْنانها

تَرِدُ الأماني الخِمسُ منه مَشارِعاً

مِلءَ الحِياض مُحَلَّأً ظَمآنُها

من كل عاري اللِّيتِ من نَظم التي

رَجَحَتْ بخيرِ تجارَةٍ أثمانها

يُدني السؤالَ إليه عاملُ صَعدَةٍ

مُتَغَلْغِلٌ بين الشِّغافِ سِنانها

أعْلتْكَ عنهم هِمّةٌ لم يَعتلِقْ

مَثْنى النّجوم بها ولا وُحدانها

دانَيْتَ أقْطارَ البلادِ بعَزْمَةٍ

مُلقىً وراء الخافِقَينِ جِرانها

وهي الأقاصي من ثُغور المُلك لا

تُخشَى مخاوِفُها وأنتَ أمانُها

متقلّداً سيفَ الخِلافَةِ للّتي

يُلقَى إليه إذا استمرّ عِنانُها

تُزْجَى الجِيادُ إلى الجِلاد كأنّما

سَرعانُ واردةِ القَطا سَرعانها

وتُهَزُّ ألويَةُ الجنودِ خَوافِقاً

تحتَ العَجاجِ كَواسِراً عِقبانها

حتى إذا حرِجَتْ به أرْضُ العدى

مُتَمَطّياً وتَضايقَتْ أعطانها

ألقَتْ مقالِيداً إليه وقبلَهُ

ماانفكّ خالعُها ولا خُلعانها

لا قلتَ إنّ الدّينَ والدّنْيا لَهُ

عِوَضٌ ولُؤمُ مقالةٍ بُهْتانُها

أمَدُ المَطالبِ والوفودِ إذا حَدَتْ

فَوْتَ العيونِ رِكابُها رُكبانها

ألِفَ النّدَى دَأباً عليه كأنّهُ

رَتْكُ المَطِيِّ إليهِ أو وَخَدانها

غَفّارُ مُوبِقَةِ الجَرائم صافحٌ

وسَجِيّةٌ من ماجِدٍ غُفرانها

شيم إذا ما القول حن تبرعت

كرماً فأسجح عطفها وحنانها

إنّي وإن قصّرْتُ عن شكريه لم

يَغْمَطْ لَدَيّ صنيعَةً كُفرانها

كنتُ الوليدَ فلم يُنازِعْهُ بنو

خاقانَ مكرمةً ولا خاقانها

مِنَنٌ كباكِرَةِ الغَمامِ كفيلةٌ

بالنُّجْحِ موقوفٌ عليه ضَمانها

يا وَيْلَتَا منّي عليّ أمُخْرِسي

إحسانُها أو مُغرِقي طُوفانها

ما لي بها إلاّ احتراقُ جوانحي

يُدني إليك ودادَها حَرَّانها

دامَتْ لنا تلك العُلى متَفَيّئاً

أظْلالُهَا مُتَهَدّلاً أفنانها

واسلَمْ لغَضّ شبيبَةٍ ولدولَةٍ

عَزّتْ وعَزّ مؤيَّداً سلطانها

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن هانئ الأندلسي

avatar

ابن هانئ الأندلسي حساب موثق

العصر العباسي

poet-ibn-Hani-Andalusia@

119

قصيدة

2

الاقتباسات

346

متابعين

محمد بن هانئ بن محمد بن سعدون الأزدي الأندلسي، أبو القاسم، يتصل نسبه بالمهلب بن أبي صفرة. أشعر المغاربة على الإطلاق. وهو عندهم كالمتنبي عند أهل المشرق. وكانا متعاصرين. ولد ...

المزيد عن ابن هانئ الأندلسي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة