الديوان » العصر المملوكي » ابن منير الطرابلسي » أقوى الضلال وأقفرت عرصاته

عدد الابيات : 62

طباعة

أَقْوَى الضَّلالُ وأقْفَرَتْ عَرَصَاتُهُ

وعَلا الهدى وتبلَّجَتْ قسماتُهُ

واِنْتَاشَ دينَ محمَّدٍ محمودُهُ

من بعد ما عُلَّتْ دماً عَبَراتُهُ

رَدَّتْ على الإسلام عصرَ شبابِهِ

وَثباته مِن دونِهِ وثباتُهُ

أَرسَى قَواعِدَهُ وَمَدَّ عِمادَه

صُعُداً وشيَّد سورَه سوراتُهُ

وَأَعادَ وَجهَ الحَقِّ أَبيضَ ناصِعاً

إصْلاتُهُ وصِلاتُه وَصَلاتُهُ

لَمّا تَواكَلَ حِزبُهُ وَتَخاذَلت

أَنصارُهُ وَتَقاصَرَت خطواتُهُ

رَفَعت لِنورِ الدّينِ نارَ عزيمَةٍ

رَجَعَت لَها عَن طَبعِها ظُلُماتُهُ

مَلكٌ مَجالسُ لهوه شدَّاتُه

ومشُوقُهُ بين الصُّفوف شذاتُهُ

يُغْرَى بِحَثحثةِ اليَراعِ بَنانُهُ

إِنْ لذّ حَثحَثةَ الكُؤوسِ لِداتُهُ

ويروقُهُ ثَغْرُ العداء قانٍ دَما

لا الثّغْر يَعبِق في لَماهُ لثاتُهُ

فصَبُوحُهُ خمْرُ الطَّلَى وغُبُوقُه

تطف النّفوس تديرها نشواتُهُ

فتحٌ تعمَّمتِ السَّماءُ بفخرهِ

وهَفَتْ على أغصانها عَذَباتُهُ

سَبَغَتْ على الإسلام بيض حُجُوله

وَاِختالَ في أَوضاحِها جبهاتُهُ

واِنْهَلَّ فَوقَ الأَبطَحينِ غَمامُهُ

وسَرَتْ إلى سَكِينها نَفَحَاتُهُ

للَّه بَلجَةُ لَيلَةٍ مَحَصت بِهِ

واليوم دَبَّجَ وشْيَهُ ساعاتُهُ

حَطَّ القَوامِص فيهِ قِماصها

ضَربٌ يُصلصلُ في الطّلى صعقاتُهُ

نَبذوا السّلاحَ لِضَيْغَمٍ عاداتُه

فَرْسُ الفوارسِ والقَنا غاباتُهُ

لِمُجرّب عُمَرِيَّة غضباتُه

للَّه مُعْتَصِمِيَّةٌ غَزَواتُهُ

تَحيا لِضِيق صفاده أُسَراؤه

وَتغيض ماءً شؤونها نقماتُهُ

بَينَ الجَبالِ خَواضِعاً أَعناقُها

كَالذَّوْد نابَت عن براه حداتُهُ

نَشَرت عَلى حَلبٍ عقودُ بُنُودهم

حُلَل الربيعِ تَناسَقَت زهراتُهُ

رَوضٌ جَناهُ لها مكرُّ جيادِه

وَاِستَوأَرَتْ حمّاله حملاتُهُ

مُتَسانِدين على الرّحالِ كَما اِنتَشى

شرْب أمالت هامَه قهواتُهُ

لم تُنْبِتِ الآجام قبل رماحِهِ

شجراً أصولُ فروعِه ثمراتُهُ

فلْيَحْمَدِ الإسلامُ ما جَحَدت له

شربات غَرس هَذِهِ مَجناتُهُ

وَسَقى صَدى ذاكَ الحَيا صَوبَ الحَيا

خَيرُ الثَرى ما كنتَ أَنتَ نباتُهُ

نَصَبَ السّريرَ ومالَ عَنهُ وَمَهّدَت

لِمَقَرِّ مَنصِبك السّريّ سراتُهُ

ما ضَرّ هَذا البدرَ وهو محلّقٌ

أَنَّ الكواكبَ في الذُّرا ضرّاتُهُ

في كُلِّ يَومٍ تَستطيلُ قَناتُهُ

فَوقَ السّماءِ وتعْتَلي دَرَجاتُهُ

وَتَظلّ ترقم في الضُّحَى آثارُهُ

مَجداً وَأَلسِنَةُ الزَّمانِ رُواتُهُ

أَين الأُلَى ملأوا الطُّرُوسَ زَخارِفاً

عَن نَزفِ بَحرٍ هَذِهِ قَطَراتُهُ

غَدَقوا بِأَعناقِ العَواطِلِ ما لهُ

مِن جوهرٍ فَأَتتهم فذاتُهُ

لَو فَصّلوا سِمطاً بِبَعضِ فتوحِهِ

سَخِرت بما اِفتَعلوا لهم فِعلاتُهُ

يُمْسِي قَنانيه بَناتُ قيونه

فَوقَ القَوانِسِ والقينا قيناتُهُ

صِلَتان من دونِ المُلوكِ تُقرّها

حرَكاتهُ وتُنيمُها يقظاتُهُ

قَعَدَت بهم عَن خَطوِهِ هِمّاتُهم

وَسَمَت بِه عن قَطوِهم همّاتُهُ

سَكَنوا مُسجَّفة الحجالِ وأسكنَت

زُحَل الرّحال مع السُّها عزماتُهُ

لو لاحَ لِلطّائِيّ غُرَّةُ فتْحِهِ

باءَت بِحَملِ تَأوّه باءاتُهُ

أو هَبَّ للطَّبَرِيّ طِيبُ نسيمِه

لَاِحْتَشَّ من تاريخهِ حَشواتُهُ

صَدَمَ الصَّليب على صلابَةِ عُودِهِ

فتفرَّقَتْ أيدي سَبا خَشَباتُهُ

وَسَقى البِرِنْس وقد تَبَرْنَسَ ذِلَّةً

بالرُّوج ممقر ما جَنَتْ غَدَراتُهُ

فَاِنقادَ في خِطَمِ المَنِيَّة أنفُهُ

يَومَ الخَطيمِ وأقطرت نزواتُهُ

وَمَضى يُؤنِّب تَحتَ إِنِّبّ همَّةً

أمْسَتْ زوافر غيّها زفراتُهُ

أسدٌ تَبوأ كالغرنفِ فجأتهُ

فتبوّأتْ طرفَ السِّنان شواتُهُ

دونَ النُّجُومِ مغمضاً ولَطالَما

أَغضَت وَقَد كَرَّت لها لحظاتُهُ

فَجَلَوته تَبكي الأَصادِق تَحتَهُ

بِدَمٍ إِذا ضَحِكَت لَه شُمَّاتُهُ

تَمشي القَناةُ بِرَأسِهِ وَهوَ الّذي

نَظَمتْ مدار النَّيِّرَيْن قناتُهُ

لَو عانَقَ العَيُّوقَ يوم رفعتَهُ

لأَراكَ شاهِدَ خفضه إخْبَاتُهُ

ما اِنْقادَ قَبلَكَ أَنفُهُ بِخُزَامِهِ

كلّا وَلا هَمَّت لها هدراتُهُ

طيّان خفّ السَّرْح طالَ زَئيرهُ

نَطَقَت سُطاكَ لَهُ فَطالَ صُماتُهُ

لَمّا بدا مُسْوَدُّ رايكَ فَوقهُ

مُبْيَضُّ نصْرك نُكسَتْ راياتُهُ

وَرَأَى سُيوفَك كَالصَّوالِجِ طاوَحت

مِثل الكرين تَقَلَّصت كرّاتُهُ

ولّى وقَد شَرِبَت ظُباك كُمَاتَه

تحت العَجاج وأَسْلَمَتْه حُمَاتُهُ

تَرَكَ الكَنائِسَ وَالكناس لِناهِبٍ

بِالبيضِ يَنهبُ ما حَواهُ عُفاتُهُ

غَلّاب أَروع لا يُميتُ عِداته

داءُ المطال ولا تعيشُ عُداتُهُ

لِلوَحشِ مُلْقىً بالعرا يقتاتُهُ

ما كان قبلُ بصيدِهِ يقتاتُهُ

اليَّومَ مَلّككَ القراعُ قِلاعَهُ

مُتسنِّماً ما اِستَشرَقَت شرفاتُهُ

وَغَداً تحلّ لَكَ الحلائل أَسهُم

مُتَوزّعات بَينَهنّ بناتُهُ

أَوطَأتَ أَطرافَ السَّنابكِ هامَهُ

فَتَقاذَفَت بعتيقها قذفاتُهُ

لا زالَ هَذا الملك يَشمَخُ شأنه

أبداً ويكفت في الحضيض شتاتُهُ

ما أَخطأتكَ يَدُ الزّمانِ فَدونهُ

مَن شاءَ فلتُسْرع إليه هناتُهُ

أَنتَ الَّذي تُحلي الحياةَ حياتُهُ

وَتَهبُ أَرواح القصيدِ هِباتُهُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن منير الطرابلسي

avatar

ابن منير الطرابلسي حساب موثق

العصر المملوكي

poet-Ibn-Munir-Trabelsi@

125

قصيدة

23

متابعين

أحمد بن منير بن أحمد، أبو الحسين مهذب الدين. شاعر مشهور من أهل طرابلس الشام. ولد بها، وسكن دمشق، ومدح السلطان الملك العادل (محمود بن زنكي) بأبلغ قصائده. وكان هجّاءاً ...

المزيد عن ابن منير الطرابلسي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة