أما لَمحتَ البارِق العُلويَّا
نآى يَمانياً فشمأليَّا
حتى إذا آضَ حياً سويَّا
سقى التلاعَ المعطِشات رِيَّا
وأخصبَ الأجراز والفليا
ثمَّ استَمرَّ رعدُهُ وبرقُهُ
فانهلَّ وشْكاً وبلهُ وودقه
والتجَّ سيلاً غربُه وشرقهُ
ثم استنارَ باِسماً مَبعقهُ
ردَّ البصيرَ أكْمَهاً عميَّا
ثم اسبكرَّها طِلاً فجادا
وطبَّقَ الأصلادَ والوهادا
وامْتاح في خطرتهِ انقيادا
وألبَسَ الروْضَ له أبْرادا
وحاك زهْراً بالرُّبى موشيا
يخفُقُ بينَ أبيضٍ وأحَمرِ
وأزرقٍ متَّسقٍ وأصفَرِ
ويانعٍ في أسودٍ من أخضر
يَروقُ عينَ الناظرِ المغرّرِ
مُستأنَفاً في حسنهٍ بهيا
ثم انثنى مصوِّحاً قد هاجا
مُنزِعجاً عن حالِه انزعاجا
ونشَّ ما كانَ به مجّاجا
وعزَّ عن قطّافِه ما راجا
وقد يكونُ يِانعاً جَنيا
فهكذا ُكلُّ نعيمٍ زائلِ
وهكذا كلُّ سرورٍ حائلِ
واعْتَبرِ الباقينَ بالأوائل
إنْ كنتَ في الأمة عين العاقلِ
فانَّبع الدينَ المحمديا
ولا تَزغْ عن مَنْهجِ الرَّسولِ
محمدِ المخصوصِ بالتفضيلِ
ولا تُطعْ أمِنية التضليلِ
فلم تفز في الخلد بالمقيلِ
حتى توالي المصطفى النبيا
يا غاِفلاً عما بهِ يرادٌ
إذا حوى كلَّ الورى المَعادُ
أينَ ثمودٌ ذهبت وعادُ
إيهٍ وأينَ ربُّها شدَّادُ
لم يُبقِ منهم دهرُهم بقيا
أينَ ذوو الأجنادِ والجحافلِ
أين أولو الدَّولاتِ والمعاقلِ
والعَدَد الأكثر والصواهل
وأين من يخطب في المحافلِ
إن كنت عن أهل الجدال عَيَّا
أين ذوو التُّخوت والتيجانِ
وأين أهلُ العزّ من قحطانِ
وأين أملاكُ بني غسّانِ
ألْوَت بهم نوائبُ الزَّمانِ
فأسْلكَتْهم مَسْلكاً وبيَّا
ذو يَزَنٍ أين وذو رُعَينِ
ومُضْرطُ الصخر وذو اليومينِ
وذو نَواسٍ هاطلُ اليدينِ
طالَبَهم صرف الرَّدى بديَنِ
فلم تر في دورهم نجيا
أبرهَةٌ أين وذو المنار
وأين من يدعى بذي الإذعارِ
والتُّبعُ الأسعدُ ذو الفخارِ
والأقرنُ المشهورُ في الآثارِ
طواهم ريْب الزمان طيا
أين امرُؤ القيسِ وأين المنذرُ
وأين كهلان وأين حمْيرُ
وأين جدي ذو العُلا مظفرُ
وأين نبهان الهمام الأفخرُ
أصبحَ منهم ملكهُمْ خليا
أين مرادٌ ذهبتْ وجرهُم
وأين أقيال جذامَ الأنجمْ
ويعربٌ قرْم الملوكِ الأعظم
ألوى بهم أمر الإله المُبَرمُ
وكان حتماً أمره مقضيَّا
أين ذوو الأراءِ والراياتِ
وأين أهل الفضل والهِباتِ
وضاربو الرقابِ والهاماتِ
صاحَ عليهمْ هادمَ اللذاتِ
فاختلس السعيدَ والشقيا
صب عليهم صرفَه الزمانُ
فانقرضوا كأنهم ما كانوا
والدهر خِبٌّ بالورى خوَّان
فكلما قضى به الديان
لم تلق عنه مهرَباً قصيا
يا رِاقداً عن أهبة المَعادِ
كيفَ ترى السيْرَ بغير زادِ
ما الراي في مظلمة العبادِ
والموقف المحفوف بالأشهاد
وقد عصيتَ الصمد القوَّيا
يا خاطِئاً ما قَدَّم المَتابا
هيَئْ ليوم النفخة الجوابا
إذا يقول كافرٌ قد خابا
يا ليَتني كنتُ إذاً ترابا
وكنت نَسياً قبلها منسيا
ماذا تجيبُ عن سؤال الخالقِ
إذا بدت فضائحُ الخلائقِِ
واحتوت النارُ على المشاققِ
والكافر الكائدِ والمُنافقِ
فصرت كالأولى بها صِليَّا
إن قالَ يا عبدي عصيت أمري
وما انزَجرْت طائعاً لزجري
ولا اتَّقيت سطوتي وقهري
لو كنت آمنت بيوم الحشرِ
لم تجْنِ هذا المنكر الفريا
هلاَّ سَمِعتَ قبلها وعيدي
هلا قرأت واعياً تهديدي
وما توعَّدت به عبيدي
من العقابِ البائسِ الشديدِ
حتى ركبت المفظع الشنيَّا
هلا اعتبرتَ سالفاً بمن مضى
ومن تَقضَّاه الحمامُ فانقضى
أدلى عليهم دلوَهُ صرف القضا
فبدَّلو ضيقَ اللحودِ بالفضا
قسراً وضاهي المعدمُ الغنَّيا
واشتَبهَ السوقةُ بالملوكِ
والمترف الموسعُ بالصعلوكِ
والمالكُ القاهرُ بالملوكِ
وانفرجتْ غياهبُ الشكوكِ
وأظهر الموت لك المخفيَّا
لم لا ذكرتَ الموقف العظيما
لم لا رهبتَ هوله الجسيما
وكيف يقوى جسمك الجحيما
وقد ألفتَ قلبها النعيما
وكنت جبَّاراً بها عصيَّا
أينَ المَفُّر من سؤآلِ الموقف
أين المناص من قصاصِ المنصفِ
أين المحيص يوم لا من مزحف
ولا حميمٍ شافع مستوقفِ
عقاب يوم لم يزل دهيّا
لهفي على ما فات من شبابي
في الغيّ واللذَّة والتصابي
ويْلاهُ مِمَّا خُطْ في كتابي
إن لم أتب في ساعة المتابِ
ولم أكن مع خالقي مرضيا
أين مفازاتي وما اعتِذاري
إذا وقفت بين أيدي الباري
وهتُكِّت بين الورى أستاري
ودهدهوني صاغرا في النارِ
أهوِى بأقصى قعرها هويا
هيهات يا مجرمُ أن تفوزَا
يومَ يقومُ الخلق أو يجوزَا
وأن تنالَ عن لظى تبريزا
وقد عصيت ربَّك العزيزا
ولم تزل لأمره أبيّا
كيف ترجّي الفوز في المعاد
وأنت لله من الأعادي
أم كيف ترجو رتبةَ العباد
وأنتَ منعاجٌ عنِ الرشادِ
متَّبعاً شيطانك الغويا
يا ربّ بالبيت العتيق الأعظمِ
والمروتين والصَّفا وزمزمِ
وبالنبيّ الهاشمي المكَّرمِ
كن لابن نبهان اَلمليك المجرمِ
براً رؤوفاً راحماً حفيَّا
وامحُ الذي أحدثه وأجرما
واغفر لما أخّره وقدما
وكن بما يرجوه منك منعما
فإنَّه مؤملٌ أن يُرحما
إن كنت عن عذابه غنيَّا
سليمان بن سليمان النبهاني. ملك شاعر، من بني نبهان (ملوك عُمان)، خرج على الإمام أبي الحسن بن عبد السلام النزوي. واستولى على عُمان (بعد ذهاب دولة آبائه النبهانيين) وحكمها مدة ...