الديوان » العصر الأندلسي » صفوان التجيبي » خليلي دعوى برحت بخفاء

خَلِيلَيَّ دَعوَى برّحَت بِخَفَاء

خُذا فانزِلا رَحلَ الأَسَى بِفنائِي

وَهُدّا مِن الصّبرِ الجَمِيلِ بِنائي

قِفا ساعِداني لآت حِينَ عَزائي

قِفا نَبكِ مِن ذِكرَى حَبيبٍ وَمنزِلِ

أَيُترَكُ رَبعٌ لِلرِّسَالَةِ سَبسبُ

تَجيءُ بِهِ هوجُ الرِّياحِ وتَذهَبُ

وَلا تَنهَمِي فِيهِ العُيون وَتَسكب

وَتظلم أَعناق الدّموعِ فَتُنهَبُ

بِسِقطِ اللّوى بَينَ الدَّخولِ فَحَومَل

دِيَارُ الهدَى بِالخَيفِ والجَمَرَاتِ

إِلَى مُلتَقَى جمع إِلَى عَرَفات

مَجاري سُيُول الغَيم والعَبَرات

مَعَارِفُ هَدي أصبَحَت نَكِرَات

لِما نَسَجَتها مِن جَنُوبٍ وَشَمأَل

عَذِيرِيّ مِن رُزءٍ بِصَبرِيَ يَعبَث

وَمِن نَبإٍ فِي عُقدَةِ الثُّكلِ يَنفُثُ

وَأَيّ مُصَابٍ عَهدُهُ لَيسَ يُنكَثُ

كَأَنِّي إِذَا مَا القَومُ عَنهُ تَحَدَّثُوا

لَدَى سَمُراتِ الحيّ نَاقِفُ حَنظَل

أَلا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَدرِي تَوَهّجَا

لِمَصرَعِ سبطٍ بِالدِّمَاءِ تَضَرّجَا

فَعَطَّلتُ جيدَ اليَأسِ مِن حِلية الرّجا

فَتَعساً لأقوامٍ يُريدون لي نَجَا

يَقُولونَ لا تَهلِك أسىً وَتَجَمّلِ

عَلَى مِثل مَا أُمسِي مِنَ الهَمِّ أُصبحُ

زَنَادُ فُؤَادِي بِاللّواعِجِ يقدَحُ

وَلَو أَنّ قَلبِي لِلتَّجلُّد يَجنَحُ

لَفَاضَت جُفوني بالسَّوَاكِبِ تَطفَحُ

عَلَى النَّحرِ حَتّى بَلّ دَمعِي مَحمَلِي

عُهود مُصَابِي أَمَّنَت يَدَ فَاسِخ

وَمُحمهُ لا يُتّقى حُكم ناسِخ

فَلَو أَشتكيه للنّجوم البواذِخ

لَعَالَت بِنَعي السِّبطِ صَرخَة صَارِخ

فَقَالَت لَكَ الوَيلاتُ إِنَّكَ مُرجِلِي

أَقولُ لِحُزنٍ فِي الحُسَين تَأَكَّدا

تَمَلّك فُؤَادِي مُتهِماً فِيهِ مُنجِدا

وَلَو غَير هذا الحزنِ رَاحَ أو اغتَدَى

لنَادَيتُه قَبلَ الوصُولِ مرَدِّدا

عَقَرتَ بَعِيري يَا امرَأَ القَيسِ فَانزِلِ

سِهَامَ الأَسَى هَذَا فُؤَادِيَ فانفُذِي

فَفِي أَلَمِيبَعدَ الحُسَينِ تَلَذُّذِي

وَمِن عَبرتي والثُّكل أَروَى وأَغتَذي

فَيَا مُقلَتي مِن أَن تَشحّي تَعَوَّذي

وَلا تُبعدينا مِن جَناكِ المعَلّل

وَرَكبٍ إِذا جاراهُمُ البَرقُ يَعثُرُ

تَذَكّرتُ فِيهِم كَربلا فَتَحيّروا

وَغَيداءَ لا تَدرِي الأَسَى كَيفَ يَخطُرُ

بثَثتُ لَهَا مَا كُنتُ بالطّفِّ أُضمِرُ

فَأَلهَيتُهَا عَن ذِي تَمَائِم مُغيل

مُجَلِّي الأَسَى في مَلعَب الصَّدرِ بَرَّزا

وَمَاطِلُ ذَاكَ الدّمع وَفّى وَأَنجَزا

وَجَلّ الجَوَى مِن قَلبِيَ الصَّبِّ مَركزا

فَغَايَةُ هَذا الحُزنِ أَن يَتَحَيَّزا

بِشِقّ وَشِقٍّ عِندَنا لَم يُحَوَّلِ

عَزَائِيَ فِي عَشواء ثُكلِي خَابِطُ

وسُهدِي إِلَى وَادِي المَدَامِعِ فَارِطُ

وَلِلقَلبِ فِي مَهوَى الوَجِيبِ مَسَاقِطُ

تَعَدَّت شُجُونٌ في القَضايا قَوَاسِطُ

عَلَيّ وَآلت حِلفَةً لَم تُحَلَّلِ

أَمَا لِعُهودِ الهَاشِمِيِّينَ حَافِظُ

فَبِالطَّفِّ يَومٌ لِلرِّسَالَةِ غَائِظُ

عَلَى ثُكلِهِ قَلبُ الكَرِيمِ مُحَافِظُ

فَيَا مُهجَتي إِنِّي عَلَى السِّبطِ فَائِظُ

فَسُلّي ثِيابي مِن ثِيابكِ تنسَلِ

نَجِيعُ حَفِيدِ المُصطَفَى كَيفَ يُسفَكُ

وَرِقّ بَنيهِ بَعدَهُ كَيفَ يُملَكُ

فَيَا كَربَلا وَالكَربُ لِي مُتَمَلَّك

أَيَكفِيكِ مِنِّي إِن ذَكَرتُك مَهلَكُ

وَأَنَّكِ مَهمَا تَأمُرِي القَلبَ يَفعَلِ

أَيَا حَسرتا يَومَ انتَأَوا وَتَحَمّلوا

إِلَى كَربلا مَثوَى الكُروب تَنَقّلوا

لِيُسبَوا عَلَى حُكمِ الضّلالِ وَيُقتلوا

فَيَا رُزأَهُم صَمّم وَمِثلُكَ يَفعَلُ

بِسَهمَيك فِي أَعشَارِ قَلبٍ مُقَتّل

أَيَا فَاسِقاً قَادَ الغُرُورُ شَكائِمَه

فَأورَدَ فِي نَحرِ الحُسَينِ صَوَارِمَه

تَهَيَّأ لِيَومِ الحَشرِ تَجرَع علاقِمَه

فَمَا لَكَ مَنجىً مِن خُصومَةِ فاطِمَه

وَمَا إِن أَرَى عَنكَ الغَوَايَةَ تَنجَلِي

تَبَرّأتُ مِن قَلبٍ بِلَذَّتِهِ اعتَنَى

وَآلُ رَسُولِ اللَّهِ فِي شرّ ما اجتَنَى

إِذا ما اقتَضَوا وِرداً أُحيلُوا عَلَى القَنَا

وَعِترَةُ حَربٍ فِي جَنَى رَوضَةِ المُنَى

غَذَاها نَمِيرُ المَاءِ غَيرِ المُحَلّل

عَصَوا فِي احتِمَالِ الرَّأسِ يَا وَيحَ مَن عَصَى

وَخَلُّوا حُسَيناً بِالنّوى مُتَقَمَّصا

لِكَي يُدرِكوا عِندَ ابنِ حَربٍ تَخَلُّصا

كَأَنَّ حُسَيناً بِالنّوى مُتَقَمَّصا

مَنارَةُ ممسى رَاهِبٍ مُتَبَتِّلِ

فُؤَادِيَ صَرّح بالهَوَى لا تُعَرِّض

وَيَا دَمعُ ذَهِّب وَجنَتي لا تُفَضِّضِ

وَيَا سَهَرِي مِن طِيبِ نَومِي تَعَوَّضِ

فَمَا عُمرُ أَحزَانِي عَلَيهِ بِمُنقَضِ

وَليسَ صِبَايَ عَن هَوَاهَا بِمُنسَل

مُصَابُ حُسَينٍ رأسُ مَالِ الفَجَائِعِ

فَلا تَكُ فِي سَلوَان قَلبِي بِطامِع

وَقَرطِس بِسَهمِ العَتب غَيرَ مَسَامِعِي

ثَكِلتُكَ مِن نَاهٍ عَن الحُزنِ نَازِع

نَصِيح عَلَى تعذالِه غَير مؤتل

إِلَى اللَّهِ مِن عَبدٍ بِسَيِّدِهِ بَغَى

فَغَادَرَهُ تَحتَ العَجاج مُمَرَّغا

يُنَادِي رَسُولَ اللَّهِ فِي أَزمَةِ الوَغَى

أَجِرنِيَ مِن بَاغٍ بِعُدوَانِهِ طَغَى

عَلَيّ بِأَنوَاعِ الهُمُومِ لِيَبتَلِي

أَلا إِنَّهُ يَومٌ عَلَى الطفِّ آزِفُ

بِهِ نُكِّرَت لابنِ البَتولِ مَعَارِفُ

وَسَاعَدَه قَلبٌ هُنَالِكَ وَاجِف

يُنَادِي ظَلامَ اللَّيلِ وَالنَّحرُ رَاعِفُ

أَلا أَيُّهَا اللّيلُ الطَّوِيلُ أَلا انجَلِي

أَيَا جَدّي المُختارُ شَملِي مُمَزَّقٌ

بِعُدوَانِ قَومٍ غَيرهُم يَتَفَرَّقُ

وَكَيفَ تَحِنُّ اليَومَ أَم كَيفَ تُشفِقُ

قُلُوبُ عِدىً عَن مَوقِفِ الحَقِّ تَزهَقُ

كَجُلمودِ صَخرٍ حَطَّهُ السَّيلُ مِن عَلِ

أَيَا أُمَّةَ الطّغيانِ مَا لَكُمُ حِسُّ

عَلامَ بِناءُ الدّينِ إِن هُدِمَ الأُسّ

أَتَرجُونَ إِصباحاً وَقَد غَابَتِ الشَّمسُ

وَزلَّ بِكُم عَن دِينِكُم ذَلِكَ الرِّجسُ

كَمَا زَلّت الصَّفوَاءُ بِالمُتَنَزَّلِ

رَويتُم وَضَحَّ السِّبطُ فيكم تَعَطُّشا

فَسَقّيتُموهُ ظالِمِينَ دَمَ الحَشَا

أَلا رُبَّ حِقدٍ مِن صُدُورِكُمُ فَشَا

فَأَغريتُ منه الصَارِمَ العَضبَ أَرقَشَا

بِجِيدٍ مُعِمٍّ في العَشِيرَةِ مُخولِ

قَضَى اللَّهُ أَن يَقضِي عَلَى القَمَرِ السُّهَا

عِصابَةُ سُوءٍ زَلزَلَت هَضبَةَ النُّهَى

فَشَعرُ حُسَينٍ فِي الدّماءِ تَمَوّها

تَرَى الدَّمَ فِي تِلكًَ الذَّوَائِبِ مُشبِها

عُصَارَة حِنّاءٍ بِشَيبٍ مَرَجَّلٍ

حنىً في ضُلوعِي فَوقَ جَمرِ الغَضَا

وَدَمعِي يُسقّي حَرّ وَجدي فَلا يَجوَى

لِرُزءٍ قَضَى أَن يَغلِبَ الأَضعَفُ الأمرى

وَيُنزِلَ أَهلَ الفِسقِ فِي أربُعِ التَّقوَى

نُزُول اليَمَانِي ذِي العِيَابِ المُحَمَل

بَرِمتُ بِهِ قَلباً عَنِ الصَّبرِ أَجفَلا

تَحَمَّلَ مِن بَرحِ الجَوَى مَا تَحَمّلا

وَلا نَاصِرٌ يُعدى عَلَى حِزب كَربَلا

خَلا أَنّ لي دَمعاً إِذا مَا تَسَيّلا

يكبّ عَلَى الأَذقَانِ دوح الكنَهبل

لِمثلِك مِن رُزءٍ عَصيتُ عَزائيا

وَأَعطَيتُ أشجَانِي قِيَادَ بُكائيا

فَلَو أَنّني نَاجَيتُ طوداً يمانيا

لأذرَفَ دَمعاً يَفضَحُ الغَيمَ هَامِيا

فأَنزلَ مِنه العُصْمَ مِن كُلِّ مَنزِلِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن صفوان التجيبي

avatar

صفوان التجيبي حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-Safwan-Al-Tajbi @

81

قصيدة

79

متابعين

صفوان بن إدريس بن إبراهيم التجيبي المرسيّ أبو بحر. أديب من الكتاب الشعراء، من بيت نابه، في مرسية مولده ووفاته بها. من كتبه (زاد المسافر-ط) في أشعار الأندلسيين، وله مجموع ...

المزيد عن صفوان التجيبي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة