الديوان » العصر العثماني » الحر العاملي » يا لائمي كف عن لومي وعن عذلي

عدد الابيات : 150

طباعة

يا لائمي كف عن لومي وعن عذلي

فلست أعدل عن جدي إلى العلل

كلا وغير العلا لم يشف من عللي

أصالة الرأي صانتني عن الخطل

وحلية الفضل زانتني لدى العطل

فلي من المجد مصطاف ومرتبع

بل أهله لي ما بين الورى تبع

فنحن قوم لدين المجد قد شرعوا

مجدي أخيرا ومجدي أولا شرع

والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل

لذاك دهري لا ينفك يقصدني

بنبل ظلم وبالأسواء يقصدني

وعن مغاني أقصاني وغربني

فيم الإقامة بالزوراء لا وطني

بها ولا ناقتي فيها ولا جملي

أغدو وما لي بها أهل ولا ولد

ولا على بعدهم صبر ولا جلد

دان إلى قلبي الأشجان والكمد

ناء عن الأهل صفر الكف منفرد

كالسيف عري متناه من الخلل

فأدمعي كغروب الوابل الهتن

وأضلعي في جحيم الوجد والمحن

مذ بان عني من أهوى وفارقني

فلا صديق إليه مشتكى حزني

ولا أنيس إليه مشتهى جذلي

خلت الليالي في الدنيا مسالمتي

جهلا فعوضت حربا من مسالمتي

واها لنفس عن الأحباب راحلة

طال اغترابي حتى حن راحلتي

ورحلها وقرا العسالة الذبل

وزاد ما بي من طول السرى ونما

ولاهب الشوق من وجدي قد اضطرما

وأمطرت مقلتي بعد الدموع دما

وضج من لغب نضوي وعج لما

ألقى ركابي ولج الركب في عذلي

لا أبتغي لذة أسعى لمطلبها

كلا ولا أرتجي دنيا أفوز بها

هيهات ليس سبيل المجد مشتبها

أريد بسطة كف أستعين بها

على قضاء حقوق للعلا قبلي

ولم يزل كاذب الآمال يطمعني

بنيل ما أرتجي والنفس تخدعني

والحظ عن طاعة الآمال يردعني

والدهر يعكس آمالي ويقنعني

من الغنيمة بعد الكد بالقفل

وهمة لي تنهاني عن الكسل

وليس تقنع بالتعليل بالأمل

وتبتغي جمع أشتات المفاخر لي

وذي شطاط كصدر الرمح معتقل

لمثله غير هياب ولا وكل

ذي عزمة بسوى العلياء ما ابتهجت

ونفس حر بغير المجد ما امتزجت

وبالمكارم لا الآمال قد لهجت

حلو الفكاهة مر الجد قد مزجت

بشدة البأس منه رقة الغزل

لما بدا الليل خضنا في دجنته

والعيس كالسفن إذ تسري بلجته

وصاحبي كلما استهوى لغفلته

طردت سرح الكرى عن ورد مقلته

والليل أغرى سوام النوم بالمقل

كأنما نحن إذ نسري من الشهب

نسير فوق متون الدهم والشهب

ولاح في القوم أثر الجد والنصب

والركب ميل على الأكوار من طرب

صاح وآخر من خمر الكرى ثمل

نأى بهمته عني وغادرني

رهن السرى وحليف الكد صيرني

ونام عني وبالأشجان أسهرني

فقلت أدعوك للجلى لتنصرني

وأنت تخذلني في الفادح الجلل

والعيس فوق ظهور البيد سائرة

بنا وأخبار ما نلقاه سائرة

وهمة لك للإسعاف ساترة

تنام عني وعين النجم ساهرة

وتستحيل وصبغ الليل لم يحل

هلا رثيت لقلبي من تلهبه

وللصبابة نهج غير مشتبه

إن كنت تسعف ذا ود بمطلبه

فهل تعين على غي هممت به

والغي يزجر أحيانا عن الفشل

نهضت أعتسف البيداء في الظلم

وغير جدي لا ترضى به هممي

بنجدة لو سطت بي الأسد لم أظم

إني أريد طروق الحي من إضم

وقد حماه رماة الحي من ثعل

من كل من لو بدا ليلا بموكبه

أضاء من وجهه أنوار كوكبه

ورمحه عاد ذا إلف بمنكبه

يحمون بالبيض والسمر اللدان به

سود الغدائر حمر الحلي والحلل

إن كنت عن نصرتي أصبحت منصرفا

فلا أرى لي عما رمت منصرفا

وإن تطولت بالإسعاف منك وفا

فسر بنا في ذمام الليل معتسفا

فنفحة الطيب تهدينا إلى الحلل

والعيس في لجة الظلماء خائضة

وهمتي لطروق الحي ناهضة

ودون ذلك أهوال معارضة

والحب حيث العدى والأسد رابضة

حول الكناس لها غاب من الأسل

والنفس في نصب من هول ما لقيت

ومهجتي بالهوى العذري قد شقيت

نسري ونبغي اعتساف البيد ما بقيت

نوم ناشيءة بالجزع قد سقيت

نصالها بمياه الغنج والكحل

فمن ظباء البوادي قد حوت شبها

وبالبدور البوادي نورها اشتبها

والقلب هام بها حبا وما انتبها

قد زاد طيب أحاديث الكرام بها

ما بالكرائم من جبن ومن بخل

فليس لي في جفاها قط من جلد

والصبر منتقص والوجد في مدد

كذا هوى الغيد لا يبقي على أحد

تبيت نار الهوى منهن في كبد

حرى ونار القرى منهم على القلل

لا كان قلب إليها لم يمل ويهم

غيد حمتها حماة كالأسود بهم

يحمى الحمى بالعوالي من قواضبهم

يقتلن أنضاء حب لا حراك بهم

وينحرون كرام الخيل والإبل

أماجد ما بها ذل لمهتضم

لا تطرق الأسد خوفا أرض ربعهم

والقلب مستأسر في أسر حبهم

يشفى لديغ العوالي في بيوتهم

بنهلة من غدير الخمر والعسل

سقيا لأيامنا بالجزع دانية

منا المسرات والأفراح نامية

كانت بها عني الأحزان نابية

لعل إلمامة بالجزع ثانية

يهب منها نسيم البرء في عللي

مضت لنا برهة يا ليتها رجعت

وضمت الشمل منا والنوى رفعت

أو ليت أن الوغى بالوصل لي شفعت

لا أكره الطعنة النجلاء قد شفعت

برشقة من نبال الأعين النجل

فلا أفر من الشجعان تبعدني

عن الحياة وحوض الموت توردني

ولا أخاف الرماح السمر تقصدني

ولا أهاب الصفاح البيض تسعدني

باللمح من خلل الأستار والكلل

ولا أراع بأهوال أقابلها

ولا بصولات أبطال أقاتلها

ولا أذل لفرسان أنازلها

ولا أخل بغزلان أغازلها

ولو دهتني أسود الغيل بالغيل

فلن ينال الفتى أقصى مطالبه

إن كان ينأى عن الهيجا بجانبه

ولم يقارع عداه حد قاضبه

حب السلامة يثني هم صاحبه

عن المعالي ويغري المرء بالكسل

نيل السلامة لا تلقى له طرقا

ولا تفارق من خوف الردى فرقا

فالشر في الخلق قد أضحى لهم خلقا

فإن جنحت إليه فاتخذ نفقا

في الأرض أو سلما في الجو واعتزل

ولا تمدن عينا للكمال ولا

تنهض إلى سؤدد أو رتبة وعلا

فالمجد عن كل كسلان نأى وعلا

ودع غمار العلا للمقدمين

على ركوبها واقتنع منهن بالبلل

جفا أخو الحزم مثواه وموطنه

واعتد طول السرى عزا فأدمنه

وحل من جانب العلياء أيمنه

رضى الذليل بخفض العيش يسكنه

والعز عند رسيم الأينق الذلل

إن كنت تكره في الراحات عاجلة

وتبتغي الراحة العلياء آجلة

ورمت ترضع ثدي العز حافلة

فادرأ بها في نحور البيد جافلة

معارضات مثاني اللجم بالجدل

ولا تعوقنك عما رمت عائقة

ولا تشوقنك الأوطان شائقة

ولا ديار بها الأحباب فائقة

إن العلا حدثتني وهي صادقة

فيما تحدث أن العز في النقل

إن كنت تطلب حظا في العلا وسنا

فاهجر لطي الفيافي في السرى وسنا

وأرحل ولا تتخذ في بلدة وطنا

لو كان في شرف المأوى بلوغ منى

لم تبرح الشمس يوما دارة الحمل

لقد غدا الظلم في ذا الدهر مجتمعا

والشر منتصبا والخير مرتفعا

والنحس متصلا والسعد منقطعا

أهبت بالحظ لو ناديت مستمعا

والحظ عني بالجهال في شغل

لقد أصاب بحكم الدهر خرصهم

فيه ولم يغن أهل الفضل حرصهم

بل الزمان ببلواه يخصهم

لعلة إن بدا فضلي ونقصهم

لعينه نام عنهم أو تنبه لي

ولي من العيش أمال يقربها

وهمي ويبعدها حظي ويجذبها

فشط عني أدناها وأقربها

أعلل النفس بالآمال أرقبها

ما أضيق العمر لولا فسحة الآمل

لو لم يكن لي من العلياء منزلة

لكان لي في الورى دنيا معجلة

والنفس بالجهل في الدنيا مؤملة

لم أرتض العيش والأيام مقبلة

فكيف أرضى وقد ولت على عجل

أراذل قبحت إذ من سجيتها

بخل ولؤم فيا تعسا لشيمتها

والنفس لا أشتري الدنيا بصونتها

غالى بنفسي عرفاني بقيمتها

فصنتها عن رخيص القدر مبتذل

والحر بالفعل يبدي طيب عنصره

ويزدهي عزة لا عن تكبره

عن كل من لم يفز يوما بمفخره

وعادة النصل أن يزهى جوهره

وليس يعمل إلا في يدي بطل

ما زال دهري بالأسواء يوعدني

منجزا وعن الآمال يبعدني

ولا يجود بمأمول فيسعدني

ما كنت أوثر أن يمتد بي زمني

حتى أرى دولة الأوغاد والسفل

أراذل رفعة الدنيا تحطهم

عند الكمال ويرضي المجد سخطهم

يفل أسياف أهل الفضل سوطهم

تقدمتني أناس كان شوطهم

وراء خطوي إذ أمشي على مهل

زماننا بضروب الظلم ممتزج

أصبحت فيه بضيق ليس ينفرج

ولا على زمني فيما جنى حرج

هذا جزاء امرئ أقرانه درجوا

من قبله وتمنى فسحة الأجل

ففي فؤادي نيران لها لهب

لما جنى زمن للظلم مرتكب

فالنقص للعز في أيامنا سبب

وإن علاني من دوني فلا عجب

لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل

يامنا لم تدع للفضل من أثر

فكل معتبر فيها لمعتبر

أسنى عواقبها تبدو لمصطبر

فاصبر لها غير محتال ولا ضجر

في حادث الدهر ما يغني عن الحيل

وأحذر زمانك واصبر في تقلبه

وسع جميع الورى بالخلق وانتبه

لا تغترر بخليل من تقربه

أعدى عدوك أدنى من وثقت به

فحاذر الناس واصحبهم على دخل

وإنما ميز الأشياء ناقدها

فأين من فاقد الأحزان وأجدها

وأين من واجد الأفراح فاقدها

وإنما رجل الدنيا وواحدها

من لا يعول في الدنيا على رجل

قد طال كدي والراحات موجزة

وليس في الدهر آمال منجزة

صروفه لمنال الحظ معجزة

وحسن ظنك بالأيام معجزة

فظن شرا وكن منها على وجل

دنياك فاحذر بنهج الغدر قد نهجت

وبالقطيعة للأحرار قد لهجت

وكربة لي مدى الأيام ما انفرجت

غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت

مسافة الخلف بين القول والعمل

أهين أهل العلا والمجد ذنبهم

لكن ذوو النقص صاف فيه شربهم

فلا يطاق لفرط العز حربهم

وشان صدقك بين الناس كذبهم

وهل يطابق معوج بمعتدل

فالناس موت المعالي في حياتهم

فاحذر فكل ذميم من سماتهم

والغدر والمكر من أدنى صفاتهم

إن كان ينجع شيء في ثباتهم

على العهود فسبق السيف للعذل

لم يبق في الدهر من عيش الصفا خبر

وكل نفع وبر يرتجى ضرر

وكل صفو يرى بين الورى كدر

يا واردا سور عيش كله كدر

أنفقت صفوك في أيامك الأول

ويا مرجي رجاء بان أقربه

مهلا فلا تشق فيما أنت تطلبه

وخذ من العيش ما التقدير موجبه

فيم اقتحامك لج البحر تركبه

وأنت يكفيك منه مصة الوشل

إن القناعة لا تكدى الطلاب ولا

يناله من سعى في نيله الأملا

وغير ما قدر الرحمن لن يصلا

ملك القناعة لا يخشى عليه ولا

يحتاج فيه إلى الأنصار والخول

وكل ما ساقه التقدير قد وصلا

وكل ما عاقه بالكد ما حصلا

كم نلت من غير سعي نحوه أملا

اقنع تجل ولا تطمع تذل ولا

تعجل تزل ولا تغتر بالأمل

دنياك كم صرعت من قد أعد لها

وكم تمادى بها في غيه ولها

حتى غدت فرحة الدنيا له ولها

ترجو البقاء بدار لا ثبات لها

وهل سمعت بظل غير منتقل

واها لدهر مضى لو كان مرتجعا

أو نلت من حسنه مرأى ومستمعا

فكن بموعظة الأيام منتفعا

ويا خبيرا على الأسرار مطلعا

أصمت ففي الصمت منجاة من الزلل

واطلب من الجد أقصاه وأفضله

ودع من المال أدناه وأسهله

أحسن ختامك إذ أحسنت أولة

قد رشحوك لأمر إن فطنت له

فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن الحر العاملي

avatar

الحر العاملي حساب موثق

العصر العثماني

poet-Al-Hurr-al-Amili@

12

قصيدة

2

الاقتباسات

38

متابعين

أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الحر العاملي(8 رجب 1033 هـ / 1623 - 21 رمضان 1104 هـ / 1692)؛ رجل دين وفقيه ومرجع ومُحدِّث إخباري

المزيد عن الحر العاملي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة