قصير مع نفسه . كلمات لا تعني شيئاً ،
ولا تريد أن تعني شيئاً : «ماذا ؟ لماذا
كل هذا ؟» لم يقصد أن يتذمر أو
يسأل ، أو يحكَّ اللفظة باللفظة لتقدح
إيقاعاً يساعده على المشي بخفَّةِ شاب .
لكن ذلك ما حدث . كلما كرَّر : ماذا...
لماذا كل هذا ؟ أحسَّ بأنه في صحبة
صديق يعاونه على حمل الطريق . نظر
إليه المارة بلا مبالاة . لم يظن أحد أنه
مجنون . ظنّوه شاعراً حالماً هائماً يتلقّى
وحياً مفاجئاً من شيطان . أما هو ، فلم
يَتَّهم نفسه بما يسيء إليها. ولا يدري
لماذا فكَّر بجنكيزخان . ربما لأنه رأى
حصاناً بلا سرج يسبح في الهواء ، فوق
بناية مُهَدَّمة في بطن الوادي . واصل
المشي على إيقاع واحد : «ماذا... لماذا
كل هذا ؟» وقبل أن يصل إلى نهاية
الطريق الذي يسير عليه كل مساء ، رأى
عجوزاً ينتحي شجرة أكاليبتوس ، يسند
على جذعها عصاه ، يفك أزرار سرواله
بيد مرتجفة ، ويبوّل وهو يقول : ماذا...
لماذا كل هذا ؟. لم تكتف الفتيات
الطالعات من الوادي بالضحك على العجوز،
بل رمينه بحبَّات فستق أخضر !
محمود درويش شاعر المقاومه الفلسطينيه ، وأحد أهم الشعراء الفلسطينين المعاصرين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة و الوطن المسلوب .محمود درويش الابن الثاني لعائلة تتكون من خمسة أبناء وثلاث بنات ...