الديوان » العصر العباسي » أبو بكر الصولي » أبغضته من بعدما بذل الرضا

عدد الابيات : 71

طباعة

أَبَغِضِتَهُ مِنْ بَعْدِمَا بُذِلَ الرِّضَا

هذَا تَجَنٍّ مِنْ حَبِيبٍ يُرتضَى

لاَ تجْزَعَنْ للْبُعْدِ تُوعَدُهُ غَداً

فاللهُ يَصْرِفُهُ بما فيهِ قضَا

ظُلِمَ الحَبِيبُ فَأَظْلَمَ الْبَيْتُ الَّذِي

أَمَّتْ مَطاياهُ بهِ ذات الأَضَا

قَدْ قالَ بَشَّارٌ وكانَ مُسَدَّداً

يَحْوِي المعَانِي إنْ رَمَى أَوْ أَنْبَضَا

قَدْ ذُقْتُ أُلْفَتَهُ وذُقْتُ فِراقَهُ

فَوَجَدْتُ ذَا عَسَلاً وذَا جَمْرَ الغَضا

خُذْ مِنْ زَمانِكَ ما صَفَا لَكَ قَلَّما

يُغْنِيكَ غُمُّكَ بِالتَّكدُّرِ إِذْ مَضا

واصْبِرْ عَلَى غَرَقٍ بِنُعْمى نلْتَهَا

إنَّ الزمانَ لَمُقْضٍ مَا أَقْرَضا

فَهَوَيْتَ فِي لُجٍّ عَلاكَ عُبابُهُ

لا بُدَّ أَنْ تَلْقَى الَّذِي لَكَ قُيِّضَا

إنْ قُمْتَ فِيهِ لَمْ تَطُلْهُ لِغُزْرِهِ

ورَأَيْتَ تَحْتَ الرِّجْلِ مِنْهُ مَدْحضَا

وَتَسَرَّعَتْ مِنْهُ إلَيْكَ حِجَارَةٌ

تَذَرُ الصَّحِيحَ مِنَ الْعِظَامِ مُرَضَّضَا

وَكساكَ مِنء يَدِهِ وَلَمْ تَسْتَكْسِهِ

عُشُراً يُؤلِّفُهُ المُدُودُ وَعِرْمضا

نَجَّاكَ مَنْ نَجَّا بِلُطْفٍ يُونُساً

مِنْهُ وكَانَ لِقَبْضِ رُوحِكَ مَعْرِضا

هَذَا وَقَدْ ثَلَمَ الزَّواقِلُ جَانِبِي

فَأَفْضْتُ دَمْعاً عنْدَ ذَاكَ مُغَيَّضَا

أَبْكي كِساءً كانَ أَوْثَقَ عُدَّتِي

إنْ أَخصرَ البَرْدُ العِظامَ ونَقَضَّا

وَمِخَدَّةً قَدْ كانَ يَأْلفُ لِينُهَا

خَدِّي فأَضْحى الْجِسْمُ مِنْها مُمْرَضا

وَنَفِيسَ فَرْشٍ كالرِّياضِ نُقُوشُ

ما كان من دُونِ الرِّياشِ مُرَحَّضَا

وَمُجَمَّعاً قَدْ كُنْتُ أجْمَعُ آلةً

فِيهِ وكَانَ مِنَ الْبَلاءِ مُفَضَّضَا

والصُّفْرَ أَبْكِي كالنُّضارِ وَشَمْعَةً

زانَتْ يَدُ الْمَاشِي بِهَا والْمِقْبَضَا

صَرَّحْتُ بِالشَّكْوَى إليكَ تَأَنُّساً

بِنَدى يَدَيْكَ إذا غَرِيبٌ عَرَّضا

فَلأنْتَ أعْلَى فِي المُلُوكِ مَحِلَّةً

وأَجَلُّ من رَاشُ العُبَيْدَ وَأنْهضا

مِنْ بَعْدِ ما غالَ الْمَشِيبُ شَيْبَتِي

وَنَضا لِباسَ تَجَمُّلِي فِيما نَضا

وَأحارَنِي مَرَضاً وَأَوْهَنَ قُوَّتِي

فَغَدَوْتُ مِنْهُ وَقَدْ صَحِحْتُ مُمَرَّضا

وإذا دَنَتْ سَبْعُونَ مِنء مُتَأَمِّلٍ

دانى وَلَمْ يَرَ فِي اللَّذاذَةِ مَرْكَضا

وَجَفاهُ نَوْمٌ كانَ يَأْلَفُ جَفْنَهُ

قِدْماً وَأَضْحى لِلحُتُوفِ مُعَرَّضا

وإذا بَلَغْتُ إلى الأمامِ مُسَلِّماً

ورَأَيْتُهُ زَالَ التَّخَوُّفُ وانْقَضى

وَنَسِيتُ رَوْعَاتِ لإِرْجافٍ فَشا

ما زلْتُ للإِشْفاقِ فِيهِ مُرْمَضا

ذادَتْ مَوارِدُهُ الكَرى عَنْ مُقْلَتِي

وَأَبَى عَلَيَّ حِذَارَهُ أَنْ أُغْمضا

فَعَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ رَأَيْتُكَ سالماً

صَوْمٌ وعِتْقٌ عاجِلٌ لا يُقْتَضَى

بِمُحَمَّدٍ رَضِيَ الإلهُ خَلِيفَةً

فِي الأَرْضِ فَهُو بِذاكَ راضٍ مُرْتَضَى

جاءَتْهُ طَوْعاً لَمْ يُسَيِّرْ لَفْظَهُ

فِيهَا ولاَ أَضْحى لَهَا مُتَعَرِّضا

فَهُوَ الْحَقِيقُ بِهَا الْمَعانُ بِقُوَّةٍ

فِيهَا بِحُكْمٍ فَاصِلٍ لَنْ يُدْحَضا

أَللهُ أَقْبَلَ لشي بِوَجْهِ نَوالِهِ

فَرَفَضْتُ وَجْهَ الدَّهْرِ لَمَّا اَعْرَضا

بَدْرٌ يُضِيءُ دُجى الظَّلامِ وَلَمْ يَزَلْ

لِسَوادِ ما تَجْني الخُطُوبُ مُبَيِّضا

بِكْرُ الزَّمانِ فَلَيْسَ يُنْتَجُ مِثْلُهُ

أَبداً وَلاَ يُلْفَى بِهِ مُتَمَخِّضا

عَالِي الْمَحلِّ بنَى لَهُ آباؤُهُ

شَرَفاً أَبَتْ أَرْكَانُهُ أَنْ يُنْقَضا

مَنْ شَامَ عِزَكَ ذَلَّ دُونَ منَالِهِ

أَوْ رامَ ما رَفَّعْتَ مِنْهُ تَخفضا

أَحْسَنْتَ حَتَّى مَا نَرَى مُتَسَخِّطَا

يَشْكُو الزَّمَانَ وَلاَ نرَى لَكَ مُبْغضا

كَمْ مُبْغِضٍ حُطَّتْ إلَيْكَ ركَابُهُ

نالَ الغنيّ عَجِلاً فَأَغْنَى المُبْغِضَا

بِعُلُوِّ فَخْرِكَ فِي الْمَفَاخِرِ يُعْتَلَى

وَبِنُورِ هَدْيِكَ في الدِّيانَة يُسْتضَا

وَجليلِ خُطْبٍ عَابَ مِنْكَ عَزِيمَةً

فَأَتَى إليَكَ بِمَا هَوِيتَ مُفَوِّضا

وَمَضَتْ بُرُوقٌ في العِراقِ فَأَخْلَبَتْ

وَرَأَيْتُ بُرْقَكَ صَادقاً إذْ أَوْمَضَا

قَزَعٌ أَرَذّ فَما غَذَتْ أَخْلافُهُ

غَرْساً وَلا هُوَ بالْجَمائلِ رُوِّضَا

وَتَداءَبتْ بِذَوِي الضَّلالةِ هِبْوةٌ

أَبْقَتْ لَهُمْ أَسَفاً وَخَوْفاً مُمْرِضا

وَسَيكْشِفُ الْهَبَواتِ ربُّكَ نِقْمَةً

تَدَعُ البِناءَ مِن الضَّلالِ مُقَوَّضا

سَتَرى الْقِيامَ به قُعُوداً عاجِلاً

فَزِعاً وَيَرْجِعُ ساكناً مَنْ حَرَّضا

وَيَصِحُّ مِنْ غَمَراته مَنْ لَمْ يَزَلْ

فِيما قَضَيْتَ مِنَ الأُمورِ مُمَرَّضا

وَيَعُودُ ساعٍ في الْجَهالةَ عاثِراً

لا يَسْتَطِيعُ من النَّدامَةِ مَنْهَضا

وَيَرَى غَوِيٌّ رُشْدَهُ فَيُشِيمُ ما

قَدْ كانَ مِنْ نَعَمِ الضَّلالةِ رَبَّضا

وَيَفُلُّ غَرْبَ جُمُوعِهِمْ لَكَ حاسِمٌ

مِنْ جَيْشِ رَأْيكَ كَالسِّهامِ المُنْتَضى

ويُذِيقُهُمْ جُرَعَ المَنايا بجَكَمٌ

وَكَذاكَ عادَةُ بَجْكَمٍ فِيما مَضَى

سَيْفُ الخِلافَةِ والْمُبِيرُ عَدُوَّها

بِسَدِيدِ عَزْمٍ صائِبٍ إِنْ أَعْرَضَا

أَنْحى عَلَيْهِمْ بِالسُّيُوفِ فَخِلْتَهُمْ

لِتَناثُرِ الأعْضَاءِ حَصْباءَ الْفَضَا

دَلَفَ الرِّجالُ إِلَيْهِمْ فَكَأَنَّما

كانُوا نِساً حِينَ دُمُّوا حَُّضا

فَعَفَوْتَ عَنْ طَلَبٍ لَهُمْ فَتَبَسَّطُوا

ثِقَةً وَكانَ نَجاؤُهُمْ مُتَقَيَّضَا

كيْفَ التَّورُّط فِي ظَلمِ ضَلالةٍ

والصُّبْحُ فِي سُبْل الهِدايَةِ قَدْ أَضا

يا واحِدَ الْكَرَمِ الَّذِي نَلْقَى بِهِ

وَجْهَ الزَّمانِ إذا تَسَوَّدَ أَبْيَضَا

خُذْها إلَيْكَ قَوافِياً قَدْ لُبّسَتْ

رَقْماً أَبى تَحْسِينُهُ أَنْ يُرْفَضَا

كانَتْ مُجَمَّعَةَ الظُّهُور نَوافِراً

فَأَتَتْكَ لَيِّنَةَ المَقادَةِ رُيَّضَا

لَفْظاً أَلِيفاً للْقُلُوب مُحَبَّباً

لَمْ يُلْفِ وَقْراً فِي المَسامِعِ مُبْغَضا

مِنْ شِعْرِ مَقْصُورِ الْمَدَى مُتَكَلَّفٍ

إنْ رَامَ نَهْجاً في طَرِيقٍ أُدْحِضَا

وكَأَنَّهُ ثِقْلاً فِرَاقُ أَحِبَّةٍ

نَادى به داعِي الشّتاتِ وحَضَّضَا

بَلْ مُرْسَلاً طَبْعاً فَسِيحاً ذَرْعُهُ

قَدْ شَفَّ ذَا الباعِ القَصِيرِ وَأَرْمَضَا

وإذَا أَمالَ إليْهِ سَمْعاً صاعَدَتْ

أَنْفَاسُهُ أَسَفاً عَلَيْهِ واَبْغَضَا

أَحْذاكَهُ مَنْ لاَ يَزالُ ضَمِيرُهُ

عَمَّا كَرهْتَ مِنَ الْمَذَاهِبِ مُعْرضا

أَفْنَى الزَّمانَ بِخدْمَةٍ لَكَ آمِلاً

ما نلْتَهُ فَأَنْلُه غاياتِ الرِّضَا

وَمَدائِحٍ سَبَقَتْ إلَيْكَ بأَسْرهَا

يَأْتِيكَ قَائِلُهَا بِهَا مُتَعَرِّضَا

مَا شَرَّفَتْهُ خِدْمَةٌ لَكَ قَبْلَهَا

حَتَّى مَلَكْتَ فَدَسَّهُنَّ مُعَرِّضَا

وَأَصَابَ مَرْعىً في فنَائِكَ مُمْرِعاً

فَأَخَلَّ فيهِ بالْحُظُوظِ وَأحْمَضَا

إذْ سَيْفُ عَزْمِكَ كَامِنٌ في جَفْنهِ

أَرْجُو انْتضاكَ لَهُ وَلَمَّا يُنْتَضى

هَذي سَوَابِقُ لا يمُتُّ بِمثْلَهَا

مَنْ قَدْ أَتَى خَلْفَ السُّكَيْت مُرْكضا

فَأَفدْ وَعَوِّضْ مَادِحاً لَكَ رَاجِياً

فَلأَنْتَ أَكْرَمُ مَنْ أَقَالَ وَعَوَّضَا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أبو بكر الصولي

avatar

أبو بكر الصولي حساب موثق

العصر العباسي

poet-Abu-Bakr-al-Suli@

26

قصيدة

47

متابعين

محمد بن يحيى بن عبد الله، أبو بكر الصولي، الشطرنجي. نديم، من أكابر علماء الأدب. نادم ثلاثة من خلفاء بني العباس، هم: الراضي، والمكتفي، والمقتدر. وكان من أحسن الناس لعبا ...

المزيد عن أبو بكر الصولي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة