إِنّي لَأَعلَمُ وَاللَبيبُ خَبيرُ
أَنَّ الحَياةَ وَإِن حَرَصتَ غُرورُ
وَرَأَيتُ كُلّاً ما يُعَلِّلُ نَفسَهُ
بِتَعِلَّةٍ وَإِلى الفَناءِ يَصيرُ
تَأَخَّرتُ أَستَبقي الحَياةَ فَلَم أَجِد
لِنَفسي حَياةً مِثلَ أَن أَتَقَدَّما
فَلَستُ بِمُبتاعِ الحَياةِ بِسُبَّةٍ
وَلا مُبتَغٍ مِن رَهبَةِ المَوتِ سُلَّما
فَما أَنا مِن حُبِّ الحَياةِ بِهارِبٍ
إِلى المَوتِ إِن جاشَت عَلَيَّ مَسايِلُه
فَلا تَجعَلَنّي يا اِبنَ مَروانَ كَاِمرِئٍ
غَلَت في هَوى آلِ الزُبَيرِ مَراجِلُه
فَقَد عَجِبتُ وَما بِالدَهرِ مِن عَجَبٍ
أَنّى قُتِلتَ وَأَنتَ الحازِمُ البَطَلُ
وَمازالَ صَرفُ الدَهرِ يَوماً وَلَيلَةً
يَكُرّانِ لي حَتّى مَشيتُ مُقَيَّدا
وَمَن يَعِش زَمَناً في أَهلِهِ خَرِقاً
كَلّاً عَلَيهِم إِذا حَلّوا وَإِن ساروا
يَذمُم مَرارَةَ عَيشٍ كانَ أَوَّلُه
حُلواً وَلِلدَهرِ إِحلاءٌ وَإِمرارُ
و المرء لا تشقيه إلاّ نفسه
حاشى الحياة بأنّها تشقيه
ما أجهل الإنسان يضني بعضه
بعضا و يشكو كلّ ما يضنيه
مِن حَياةٍ قَد مَلِلنا طولَها
وَجَديرٌ طولُ عَيشٍ أَن يُمَلّ
مالي وللدُّنْيَا وهْيَ بَحْرُ هَوَى
فِي حُضْنِهَا نَامَ مُــولــعٌ يَعْـيَـــــــا
أَمْعَنْتُ فِيهَا بَصِــيــرَتِي فَبِـهَا
أَيْقَنْتُ أَنَّ المُنَى ارْتَقَتْ وَحْــــيَــــا
إِنَّ الَّذي يَقبِضُ الدُنيا وَيَبسطُها
إِن كانَ أَغناكَ عَنّي سَوفَ يُغنيني
واللَهُ يَعلَمُني وَاللَهُ يَعلَمُكُم
وَاللَهُ يَجزَيَّكُم عَنّي وَيَجزيني
إذا نظرت إلى الأيام ماضيةً
حسبتها لحظة مرت ولم تزد
وإن تفكرت فيها وهي آتيةٌ
ظننت كل غدٍ أنأى من الأبد
يا مَن تَبَجَّحَ في الدُنيا وَزُخرُفِها
كُن مِن صُروفِ لَياليها عَلى حَذَرِ
وَلا يَغُرَّنكَ عَيشٌ إِن صَفا وَعَفا
فَالمَرءُ مِن غُرَرِ الأَيامِ في غَرَرِ
تمتع بلذات الحياة فإنها
إذا ما انقضت يوماً فليس لها بقيا
وليس لإنسان حياة سوى التي
يعيش بها الإنسان في هذه الدنيا
هي الدنيا فلا سلمٌ
يدوم بها ولا حربُ
فلا يغررك ما منحت
فإن عطاءها سلبُ
هَلِ الدُنيا وَما فيها جَميعاً
سِوى ظِلٍّ يَزولُ مَعَ النَهارِ
تَفَكَّر أَينَ أَصحابُ السَرايا
وَأَربابُ الصَوافِنِ وَالعِشارِ
هيَ الدنيا وأنتَ بها خبيرُ
فكَمْ هَذَا التَّجافي والْغُرورُ
تُدلْي أهْلَها بحبالِ غدْرٍ
فكلٌّ في حَبَائِلِها أَسيرُ
أَرى الدَهرَ يُنسيني أَحاديثَ جَمَّةً
أَتَت مِن صَديقٍ أَو عَدوٍّ يُشيعُها
وَلَم يُنسِنيها الدَهرُ إِلّا وَذِكرُها
بِحَيثُ تَحَنَّت دونَ نَفسي ضُلوعُها
عَوائد هَذهِ الدُنيا ضُروب
يُحملُ عبأها الفطنُ اللَبيب
وَلِلأَيام طَبع مُستَحيل
فَلا دعةٌ تَدوم وَلا لَغوب
فَلا تَفرَح إِذا دَنَت الأَماني
وَلا تَحزَن إِذا دَهتِ الخُطوب
وَكُلُّ اِمرِئٍ يَوماً مُلاقٍ حِمامَهُ
وَإِن باتَتِ الدَعوى وَطالَ بِها العُمرُ
فَأَبلَيتَ خَيراً في الحَياةِ وَإِنَّما
ثَوابُكَ عِندي اليَومَ أَن يَنطِقَ الشِعرُ
إِنَّ الحَياةَ قَصيدَةٌ أَعمارُنا
أَبياتُها وَالمَوتُ فيها القافِيَه
مَتِّع لِحاظَكَ في النُجومِ وَحُسنِها
فَلَسَوفَ تَمضي وَالكَواكِبُ باقِيَه