لا أحب المرايا
المرايا تذكّرني كل يومٍ
بأن الزمان يطاردني
ويداه المخضبتان بدمع أبي
ترسمان التجاعيد حول جفوني
وفوق جبيني
تهمسان لقلبي
بأن الشباب انتهى
والكهولة تزحف مسرعةً
نحو شيخوخةٍ باردةْ.
* * *
لا أحب المرايا
البيوت مرايا
الطريق مرايا
الدكاكين مزدانةٌ بالمرايا
المقاهي مرايا
الثياب التي نرتديها مرايا
هنا تتضخم فيّ
وفي الآخرين "الأنا"
حين نبصر أشكالنا
في المرايا .
* * *
لا أحب المرايا
لا أحب الوضوح الذي يتمرأى
على سطحها
هكذا قال وردُ الحديقةِ
والشجرُ المتسلق جدرانَ
غرفتنا .
هكذا قالت السيدات
المسنّات
والفتيات اللواتي
على باب سن الزواجْ
* * *
لا أحب المرايا التي
لا تحب النساء
ولا تتنفس ريحة أجسادهنّ
المرايا التي افتقدت لذّة
الاندهاش تجاه الجمال
ولا قلبَ في صدرها
يشتكي خَدرَ الأعين الساحرات
ولا ثغرَ تملكه
يحتسي من رحيق
الشفاه .
* * *
لا أحب المرايا ...
فهي لا تتذكر تاريخها
حين كانت زجاجاً شفيفاً
نرى خلفه مدناً حالماتٍ
قواربَ من فضةٍ
تتجول في الأفق
باحثةً عن سلامٍ
لإنسانِ هذا الزمان .
وتخطف للمدن الباكيات
مناديلَ من غيمةٍ شاردةْ
* * *
لا أحب المرايا ...
إخوتي لا يحبونها
أصدقائي
إذا فاجاءتهم على حائطٍ ميّتٍ
وجدوها تحدّق في فلوات الفراغ
المدى يتشظى
ولايأنسون إليها .
ما الذي يلفت العينَ
في حجرٍ لامعٍ
وسرابْ ؟!
* * *
يقولون :
إن المرايا محايدةٌ
لا أحب الحياديَّ
كيف يحايد من تشتوى روحه
في أتونٍ من الموجعات
ومن لا يرى غير حشد ٍ
من السيدات الثكالى
تسير وراء جنائز أولادهن
وقد غرقت في الدماء
النعوش ؟!
* * *
لا أحب المرايا
فهيَ سلبيةٌ
ومخاتلةٌ
كالصديق المداجي
لا تُريني عيوبي ،
لا تدل خُطايَ
على أكثر الطرقات
أماناً
وأكثرها حكمة
وامتلاءً بماء الصوابْ .
* * *
كلما كثرت في البيوت
المرايا
كثرت في البلاد
الضحايا .
ينظر القادة النرجسيون فيها
مواكبَهم والقصور التي بدم الشعب
ضاءتْ قناديلُها
فيزيد توحشهم .
ولها يقتلون ويختلسون
ولا صوتَ يعلو على صوتهم
أو نداء .
* * *
لا أحب المرايا
فهي شاردةٌ
لا ترى أحداً
لا ترى ذاتَها
كلما شئتُ أن أستثير
عواطفَها
حين أضحك
أو حين أبكي
لا أراها تُثار
وهل يستثار الجماد ؟!
* * *
كان أسلافنا
يزعمون بأن المرايا
زجاجٌ تحجّر مذ سكنته صغار العفاريت ،
والجن هم وحدهم
من يعيدون تجسيد أشكالنا
في المرايا .
وكانوا إذا فاجأتهم
أشاحوا بأبصارهم
واستعاذوا برب السموات والأرض
من حجرٍ عاريةْ !
* * *
لا أحب المرايا
ولي في السماءِ
وفي صفحة البحرِ
ما أجتلي وجهَ روحي
ولي من قصائد من سبقوني
من الشعراء مرايا
إذا ما نظرت إليها
اغتسلت بماء الكلام الجميل
وسافرت دون دليلٍ
على لغتي الحافيةْ .

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عبد العزيز المقالح

avatar

عبد العزيز المقالح حساب موثق

اليمن

poet-abdulaziz-al-maqaleh@

40

قصيدة

403

متابعين

ولد الشاعر والأديب اليمني المقالح سنة 1937م،في محافظةإب اليمنية،ويعد من ابرز الشعراء في العصر الحديث،تخرج من دار المعلمين في صنعاء سنة 1960م،الى أن حصل على الشهادة الجامعية سنة 1970م ، ...

المزيد عن عبد العزيز المقالح

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة