الديوان » اليمن » عبد العزيز المقالح » القبر والخيول المهاجرة

(إلى أمل دنقل... بعد انتقاله من الغرفة رقم 8)
يترنَّحُ ظلُّ الخيولِ
على وجهِ مِصْرَ العتيقِ
فتبكي
ويسقطُ منْ جفنِها فارسٌ
وتموتُ القصيدةْ.
* * *
مِصْرُ
يا أُمَّ كلِّ الرِّجالِ الذينَ أضاءوا
وماتوا
وكلِّ النساءِ اللَّواتي سكنْتِ بأحشائِهِنَّ،
ويا أُمَّ نهرِ (الأسيّةِ) والصبرِ..
منذُ متى ومياهُكِ ثكلى
وعيناكِ ملفوفتانِ بعشبِ البكاءِ
وثوبٍ منَ الصمتِ..
لا تخجلي،
واحْزَني مثلَ كلِّ المدائنِ
والأُمّهاتِ،
اخْرُجي منْ ثيابِكِ صارخةً
خلفَ آخرِ نعشٍ،
ولا تخجلي منْ قميصِ البكاءِ،
فلا وقتَ للكبرياءِ
ولا وقتَ للصبرِ،
إنَّ الزَّمانَ زمانُ التفجُّعِ
والوقتَ وقتُ البكاءْ.
* * *
أيّها النيلُ..
تطفو قصائدُنا كأغاني الحصادِ
على ضِفَّتَيْكَ،
وترقدُ أرواحُ أطفالِكَ الشُّعَراءِ
على قدمَيْ نخلةٍ في الرِّمالِ..
ألا تتوقَّفُ؟
منذُ متى أنتَ تركضُ،
لا تتوقَّفُ؟
هل أنتَ تخشى منَ السجنِ
تخشى منَ الموتِ؟
هل أنتَ مثليَ تركضُ
تبحثُ عنْ زمنٍ ليسَ فيهِ سجونٌ،
ولا موتَ
تبحثُ عنْ لحظةٍ للأمانْ؟
* * *
ضائعاً أتوكَّأُ عُكّازةَ الحرفِ
والخوفِ
تمضي بيَ السَّنواتُ إلى حيثُ لا أَصدقاءَ
ولا شِعْرَ..
لا شيءَ غيرُ القبورِ الصديقةِ.
والشّامتونَ،
خناجرُهم مُشْرَعاتٌ
أَظافرُهم مشرعاتٌ
ووجهُ القصيدةِ يرقصُ تحتَ الرَّمادِ
ولا شيءَ غيرُ القبورِ الصديقةِ.
والظِّلُّ يشرخُني
يتقاذفُ وجهي
ويرفعُني تارةً شاهداً
فوقَ قبرٍ قديمٍ
ويرفعُني تارةً شاهداً
فوقَ قبرٍ جديدْ.
* * *
قبرُهُ ساهرٌ في أقاصي البلادِ
ولكنّهُ بينَنا
شِعْرُهُ بينَنا
وجهُهُ بينَنا..
كلَّما تعبتْ نجمةٌ في الفضا،
أو شَكَتْ منْ توحُّدها في الفضا؛
هَبَّ يطعمُها نارَ أشواقِهِ
نارَ أحداقِهِ،
فتعودُ إلى اللَّمَعانِ،
ويسمعُها تتراجعُ،
يسمعُ نجماً ينادي:
هوَ الشعرُ يكبرُ بالموتِ
يكبرُ بالسجنِ
يخرجُ منْ حَجَرٍ،
مطمئنّاً يسيرُ
ويبقَى نديّاً
ويخرجُ منْ وردةٍ،
ويجوعُ، ويبقى قويّا.
* * *
ملءَ عينيكِ يا مِصْرُ، كانْ
ملءَ عينيكِ يا مِصْرُ سوفَ يكونْ
ملءَ عينِ القصيدةِ كانَ
وسوفَ يكونْ..
البياضُ يحاصرُهُ منْ طفولتِهِ،
ويحاصرُ طقسَ الكتابةِ..
كلُّ الحروفِ محاصَرَةٌ بالبياضِ
ومطفأَةٌ بالبياضِ.
لماذا يصيرُ البياضُ سواداً
يصيرُ السَّوادُ بياضاً
لماذا... لماذا؟
لماذا يكونُ البياضُ الكَفَنْ؟

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عبد العزيز المقالح

avatar

عبد العزيز المقالح حساب موثق

اليمن

poet-abdulaziz-al-maqaleh@

40

قصيدة

408

متابعين

ولد الشاعر والأديب اليمني المقالح سنة 1937م،في محافظةإب اليمنية،ويعد من ابرز الشعراء في العصر الحديث،تخرج من دار المعلمين في صنعاء سنة 1960م،الى أن حصل على الشهادة الجامعية سنة 1970م ، ...

المزيد عن عبد العزيز المقالح

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة