سعدي المتوحدُ و الأفعى لا يعرف أن يأكلَ في المطعمِ والمطعمُ مكتظٌّ بزبائنهِ . المطعمُ يَبعُدُ أمتاراً حَسبُ عن النهرِ . به سَمَكٌ ، ومُخَلّلُ مانجو الهندِ ، وأرغفةُ التنّورِ ، وكان الناسُ سكارى بالعَرقِ المسمومِ ورائحةِ البارودِ الباردِ في الجيبِ الخلفيّ . وفي هذا الغسَقِ ارتعشَ الضَّوعُ قليلاً . هل نادى اللبلابُ زهورَ البوقِ؟ وهل تَخْطُرُ في الأبخرةِ امرأةٌ ؟ سوف يكون الناسُ سعيدينَ ? يموتُ الناسُ سعيدينَ : العَرَقُ الطافحُ ، والبارود? سعدي المتوحدُ و السيف لا يعرف أن يجلسَ في بهوِ سياسيِّين كم حاولتُ ، طويلاً ، أن أدخلَ في البهوِ المفتوحِ ! لقد أمضيتُ العُمْرَ بهذي اللعبةِ . يُغريني المشهدُ عن بُعدٍ : أبواقٌ ، وسماسرةٌ ، وحقائبُ . أحياناً تأتي امرأةٌ بالويسكي في أكوابِ الشاي . وقد يُمسِكُ قردٌ بمُكبِّرِ صوتٍ . يَصّاعَدُ في الليلِ رصاصٌ أعمى. حُجِزتْ كلُّ مقاعدِ هذا البهوِ ، وعندَ البابِ اصطفَّ المنتظرونَ . لماذا؟ هل تسألني؟ أنا لا أعرفُ كُوعي من بُوعي . أنا لا أعرفُ حتى سترةَ من يسألُني . سعدي المتوحدُ و الحلزون لا يعرف أن يتقدمَ ( حتى بين رفاقِ العمر ِ) مُظاهرةً خيرٌ لكَ أن تجلسَ ملتصقاً بالمصطبةِ الخشبيةِ . ماذا ستقولُ لو استعجلْتَ وراء القومِ ؟ فأنتَ هنا ، ملتصقاً بالمصطبة الخشبيةِ ، سوف ترى المشهدَ مكتملاً . لن تدفعَ بالمنْكبِ جاراً . لن تتدافعَ كي تحظى بالصورِ الفوتوغرافيةِ ? قد يجلسُ لِصقَكَ مَن أنهكَهُ السيرُ . وقد تتحدثُ عن قاراتٍ أخرى. هل تُنْكرُ أن العالمَ يبدو أجملَ حين تراقبُه من مصطبةِ الحانةِ ؟ إنّ رفاقكَ يندفعون خِفافاً في الشارعِ. أنت تراهمْ . هذا يكفي . سعدي المتوحدُ والمِرآةَ يحاولُ أن يتصوّرَ ما هو أبعدُ منها? أنتَ رأيتَ ? فماذا بعدُ ؟ الأشجارُ وفوضى الشارعِ والمرأةُ والطيرُ جميعاً في المِرآةِ . ووجهُكَ أيضاً في المرآةِ . إذاً ، ماذا بَعدُ ؟ ألمْ تسأمْ هذا؟ لكنكَ لن تغلقَ نافذةَ المَرأى طبعاً ? أوَلَمْ تتفَكَّرْ في ما خَلَقَ المَرءُ ؟ إذاً ، فَلْتَبْرأْ من هذا الصّلصالِ طيوراً ! إنكَ لم تأتِ لكي تتملّى المِرآةَ ، ولم تأتِ لكي تكسرَها . هل أتعَبَكَ الدربُ ؟ وهل خذلتْكَ خُطاكَ ؟ انظُرْ تحتَ غطائكَ ، وانتظرِ الصّبَواتْ .
سعدي يوسف شهاب،ولد عام 1934 بالبصرة.وتخرج في دار المعلمين العالية ببغداد 1954.عمل سعدي مدرساً ومستشاراً إعلامياً, ومستشارا ثقافياً, ثم رئيساً لتحرير مجلة (المدى) الدمشقية, ثم تفرغ للشعر. غادر العراق في ...