ماذا يريد الناسُ مني إن كنتُ قد أكثرتُ حزني أفنيتُ عمري في البكاء وفي الرجاءِ وفي التمني ذهبَ الشبابُ وما ملأتُ بنوره قلبي وجفني يا منزل الفتيان والفتيات ضاعت عليكَ شبيبتي وحياتي وبقيتُ فيك مخلَّدَ الحسرات إنما العمر الطويلُ يشبهُ العمر القصيرا إنما الحظُّ القليلُ يشبه الحظَّ الكثيرا ودفنتُ فيك مودتي وودادي وأطلتُ عنكَ تغيُّبي وبعادي وجهلتُ بعدكَ موردَ اللذات فَطَموني عنكَ طفلاً لاهياً في غفلاتي تاركاً صحباً وأهلا تاركاً فيكَ حياتي فنزلتُ في أرض الغريبِ وحيدا متحملاً بأسَ الزمانِ شديدا طاوي الضلوع على لظى الجمرات أننا كنا جميعاً ستَّةً أُمّاً وأَب رزقا أربعةً غُر راً مياميناً نُجُب فتفرَّقَ الأبناءُ قبل أوان أسفاً وغُيِّبَ في الثرى الأبوان في فترةٍ حُسِبا مع الأموات دفن الأبناءُ بدراً دفن الأبناءُ شمسا قد أعادا الجفنَ بحراً وأعادا القلبَ رمسا هلا ذكرتَ أبي وطول حنانه وسناءَ طلعته وحُرَّ جنانهِ وكمال أخلاقٍ وغرَّ صفات كان لم يُبلِ الشبابا مشرقاً كالنيرات أنه صار ترابا وعظاماً نخرات فذكت عليه أضالعٌ ونفوس أَخذت عليها للشقاء نحوس عهداً على أن تسكن الظلمات يا لها اللَه نفوساً حُرةَ الطبعِ كريمه حالفت ياساً وبؤساً وجراحاتٍ أليمه لم تنسَ أمي وهي جوهرة الحمى بنتُ الطهارة أختُ سكان السما نزل الكمالُ بها بأكرم ذات أنها عاشت حزينه بعده عشرين شهرا وهي للداء رهينه تحسب الليلة دهرا نزل السقامُ بها فأكثر همَّها وأزال رونقها وأبلى جسمها وغدت كذابلة من الزهرات فقضت ذاتَ مساءِ وابنُها في البعدِ مُكرَه في ديار الغرباءِ لم تباركهُ بنظره اليوم يذكرها ويكبي آيسا من عمره ذاكي الأضالع تاعسا دامي الجفون مفلَّلَ العزمات إيه يا أم حياتي ذهبت فيك أنينا صامتاً في خلواتي أَذرفُ الدمعَ السخينا أتذكر العيشَ القديمَ وكلنا يتلفُّ حولكِ ناعمين بانسنا لاهين عن دهرٍ وعن أوقات قاتلَ اللَه القضاءَ لم يراعَ لك حرمه أنه صبَّ البلاءَ قاتلاً من غير رحمه لو كنتِ بالمهجات توقين الردى يا أم قَلَّت أن تكونَ لك الفدا فتمَنَّعين بهذه المهجات ليت أني ما ولدتُ ما الذي في العيش أَلقى أنا يا أم وجدتُ أنني يا أم أَشقى كنتِ الأمانَ لروحي المتفزع كنتِ الشفاءَ لقلبي المتقطع كنت الحياةَ إذا فقدتُ حياتي إنَّ قلبَ الأم كنزٌ كله حب وسعد وهو بين الناس رمزٌ فيه لطفُ اللَه يبدو لكن فقدتُ حنانه المتدفقا يروي شبابي في الحياة ليورقا مستبشراً بالزهر والثمرات انضب الأدمعَ دهري غير أن النفس تبكي بدموع مثل جمر في الحشا تذكو وتذكي قومي انظريني بعد موتك عانيا يا أم أني متُّ موتاً خافيا لما فقدتُ لندبك العبرات من ليأسي واحتراقي ولبؤسي وشقائي ما الذي صرتُ ألاقي من تباريح العناء ضاعت عليكَ شبيبتي وحياتي وبقيتُ فيك مخلدَ الحسرات يا منزلَ الفتيان والفتيات ماذا يريد الناسُ مني إن كنت قد أكثرت حزني أفنتيُ عمري في البكاءِ وفي الرجاءِ وفي التمني ذهب الشبابُ وما ملأتُ بنوره قلبي وجفني
خليل بن إبراهيم بن عبد الخالق شيبوب. شاعر من أدباء الكتاب، من طائفة الروم الأرثوذكس. سوري الأصل، ولد بالاذقية، واشتهر وتوفي بالإسكندرية. له (الفجر الأول-ط) وهو الجزء الأول من ديوان ...