الديوان » العصر المملوكي » شهاب الدين الخلوف » تغنوا على العود الطيور وهينموا

عدد الابيات : 546

طباعة

تغنوا على العود الطيور وهينموا

فلذ مقام فيه تغنوا وزمزموا

وصلى إلى الروض القضيب مسلما

فيا حبذا منه المصلّي المسلم

وترجم على سر الربا صامت الشذى

فيا طيب ما أبدى الصموت المترجم

ونمنم صدغ الأس خد شقيقه

فيا حسن ما أهدى الطراز المنمنم

وقبل خد الورد ثغر أقاحه

فبا نور ذا خد ويا طيب ذا فم

ونم بأخبار الرياض عبيره

لذلك قد جاء الصبا يتبسم

وهيج شجوي بلبل الدوح إذ شجا

فيا لفصيح هاج شجواه أعجم

ولاح وميض البرق فانهل مدمعي

ولولا الهوى ما كنت أبكي ويبتسم

وسال لجين الماء فوق زبرجد

من النبت بالنور البديع يرقم

وزفت عروس الروض في ثوب سندس

يوشي بأنداء السماء ويوشم

وللبرق قد صيغت أساوير عسجد

فلاح لكف الروض بالنهر معصم

وللغصن ساق بالخليج مخلخل

وللنور جيد بالرذاذ منظم

وللدوح بالزهر الأنيق تبهرج

وللشمس بالغيم الرقيق تكتم

وللورق تغريد على قضب بأنها

فللبان أعراس وللطير مأتم

وللشمس وجه بالظلال مبرقع

وللزهر ثغر بالكمام ملثم

وللطل ختم في الأزهار محكم

فللورد دينار وللزهر درهم

سقى الدمع أكناف الغضى وأهيله

على أنهم شبوا الفؤاد وأضرموا

وحي الحيا مرباع ليلا وجاده

هتون من الوسمي بالدمع بسجم

فكم في حماها عاشق متفجع

وكم ف ذراها صادع مترنم

مغاني غوان إن دجى ليل حجبها

تلجت بعلباها بدور وأنجم

أجلت بها دمعي وأوقفت ناظري

فجدد وجدي عهدها المتقدم

ويممت مغناها لألثم تربها

ومن لم يجد إلا الثرى بتيمم

وقمت وطير القلب قد حام دهشة

وحادي السرى بالبين يحدو ويرزم

ففي كل سمع من نداه توجس

وفي كل قلب من سراه تألم

فيا راكب الوجناء أرسل زمامها

فقد ساقها وجد به الصبر يهزم

وسل يا رعاك الله عن معهد به

ظباء رعوا حب الحشا وتصرموا

وجزعن شعاب الجزع واحذر أسوده

وسل عن ظبي سلع وسل عليهم

وعرج إلى جرعاء نجد فأهله

عريب لهم غور الحشاشة معلم

هم أهل وادي الأجرعين فيا ترى

ترى الأجرعين فيهم الدهر تسجم

عريب نقي بيداهم الفكر مثلما

مراحهم الصدر الذي فيه يرسم

فمن فيض أجفاني لهم مورد ومن

حشاشة قلبي مرتع ومخيم

فكيف بكى جفني وهم نور عينه

وكيف التظى قلبي وهم فيه خيم

وقالوا بمن قد جن قيس فؤاده

فقلت بليلى جن قيس المتيم

وبأنه روض هزها الشوق لا الصبا

وقد أصبح القمري عنها يترجم

معممه بالطيلسان تغرنا

وكم غر بالناموس شخص معمم

فبت لها أشكو الهوى مثلما اشتكت

وسيان منها مفصح ومغمغم

فلا أنا أدري قولها فأريحها

ولا هي تدري ما أقول فترحم

عدا أنني بالشوق أعرف حالها

كما أنها بالشوق حالي تعلم

شكوت لها حالي فأبدت غضاضة

وهل تنفع الشكوى بمن ليس يرحم

تغنى بها ورق كرهبان ببعة

تصوت بالإنجيل ثم تهينم

وإلا كأحبار بسفح كنيسة

تعبر عن توراتها وتفهم

وإلا كوعاظ ترقوا منابرا

وباحوا بأسرار المعاني وفهّموا

وإلا كسمار على سور قلعة

ترجع ألحانا بها تترنم

فكاهنهم ذكرى حبيب ومنزل

وراحهم دمع به الوجد يضرم

أبا عاذلا فيمن أحب دع العنا

فهيهات أن يسلوا الأحيّة مغرم

رضع لبان الحب من قبل نشأتي

ومن يرضع ثدي الهوى كيف يفطم

وأطعم طرفي السهد والمهجة الأسى

جميعا فما استوخمت ما أنا أطعم

ونعمت بالبلوى فؤادي ولم أكن

لأعلم أني بالعذاب أنعم

وأخلصت في دين الغرام ولم أمل

لمن لام حتى لذ عندي التألم

وما سئمت نفسي هواها وإنما

يعاد فتى يسمو هواه فيسام

أبى الحب إلا أن تكون مدامعي

على الخد تجري والجوارح تحسم

ومن لي بأن يرضى بذاك وإنني

لراض بما يقضي علي ويحكم

هواي يماني وحبي معرق

ووجدي نجدي وشوقي متهم

ودين الهوى فرضي وولي فيه سنة

يقصر عنها عروة ومتمم

ولي في الهوى وصف رقيق لأنني

رقيق لمن أهواه بالحب مغرم

وما الحب إلا عبرة تحرق الحشا

وسهد به الجسم المنعم يسقم

وماذا عسى أن يبلغ الصب في الهوى

سوى أن ينادي مات ذاك المتيم

وليلة وافى طيف لبلاي طارقا

وللبدر فرع بالدجنة أسهم

وعاد حبيب الوصل بعد ذهابه

وغابت بمسراه وشاة ولوم

ألم بنا وهنا على حين غفلة

فتم عليه نشرها والتبسم

أيا مانعي شكواي في موقف النوى

أما آن أن أشكو إليكم فترحموا

سلبتم فؤادي واطرحتم بقيتي

وأسهرتهم طرفي القريح ونمتم

وألبستم جسمي ثياب سقامه

مشهرة بالدمع لما سلبتموا

وأوقفتموني خائفا مترقبا

أسام بتعذيب كاني مجرم

وقلتم أنمت العين من بعد بعدنا

وكيف تنام الليل عي تهوم

وملتم وقلتم ملت عنا لغيرنا

نعم ملت لكن عن سواكم إليكم

وبنتم وقلتم أنت في الحب غادر

صدقتم أهذا كان مني صدقتم

وحلتم ولم ترعوا ذمامي ولم أحل

وأبرمت حبي فيكم فنقضتم

حكمتم بسلب أوجب السهد والأسى

وبالسلب والإيجاب عدلا حكتمم

ولم تسمحوا لما قدرتم بعفوكم

فيا ليتكم لما قدرتم عفوتم

وعذبتموني بانتزاع تصبري

وحاشا وكلا أن أقول ظلمتم

وأهلكتم جسمي وقلبي وناظري

بصد فهلا يا قسامة رحمتم

وقطعتم حبل اتصالي بينكم

فهلا عليكم غذ قطعتم وصلتم

وأتلفتم لبي بغير غرامة

وفي شرعكم أن المفرط يغرم

وأليتم أن تحفظا العهد دائما

فما بالكم لما انقضى الحول حلتم

وأعرضتم عن مدنف شفة الضنى

فما ضركم أن لو مننتم وزرتم

وأضرمتم بالدمع في القلب حرقة

ولم أدر أن النار بالماء تضرم

وأشمتم النمام إذ نم بالذي

أكنته أحشائي فقال وقلتم

وكنتم عهدتم أننا نكتم الهوى

فغركم دمعي النموم فبحتم

وهل نافعي كتم الدموع لما جري

وقلبي بما سن الأسى بتكلم

وسقمي بما أخفيت بين جوانحي

يصرح بالشكوى ولا يتكلم

فمن ذا الذي أرجوه والصبر ذاهب

ومن ذا الذي أشكوه والخصم يحكم

أسلم في الدعوى له غير كاره

وأطرح الشكوى لمن لا يسلم

فإن شئتم صدوا وإن شئتم صلوا

فليس لحال يرتضوها مذمم

فأنتم أحبائي على السخط والرضا

مقامكم عندي شريف معظم

أهيم بأحداق الحدائق والظبا

لإخبارها بالسحر والطيب عنكم

وأهوى عيون العين من أجل قولكم

لعين تجازي ألف عين وتكرم

وأكتم حبي والدموع نذيعه

ومن لي بدمع للمحبة يكتم

وأصبو إلى وادي العقيق وإنه

لدمع به جمر الصبابة يضرم

وألهو يسعدى والرباب وزينب

وأنتم مرادي في الحقيقة أنتم

وبين فتاة الحي هيفاء قامة

لها الورد خد والإفاحة مبسم

فتاة سرى مسكا فتيتا نسيمها

فأنجد فيها العاشقون وأتهموا

وحيرهم معنى به قد تفردت

على أن معنى الحسن فيها مقسم

فوجنتها والثغر نار وجنة

وقامتها واللحظ رمح ومخدم

توزع عطفيها كثيب وبانة

وحل بجفنيها غزال وضيغم

لمرفوع صدغيها على الخد نصبة

يجر بها قلب له اللحظ يجزم

و في خدها عين الحياة أما ترى

بها غصن الأصداغ أضحى بنعم

عجبت ليتم الدر في كنز ثغرها

وليس عليه ذل من يتيم

وأعجب أن الورد زاه بخدّها

ولم أر وردا أنيتته جهنم

ولا غرو إن لم تقتطفه نواظري

ففيه لسر الحسن كنز مطلسم

بنت جفنها الماضي على الفتح إذ بنت

على الكسر أحشاء بلا النفي يجزم

وهدت قوى صبري بتشديد صبوتي

وصارت كما قد قبل تبني وتهدم

إذا عمرت بالسحر ألحاظها ترى

ربوع اصطباري حين تعمر تهدم

منعة لو لامس الورد خدها

لخبشها وهو الرطيب المنعم

تيتم قلبي في هواها بنظرة

ومن ذا يرى ليلا ولا يتيتم

تغازل عن لحظ به السحر كامن

وتبسم عن ثغر به الدر ينظم

وتسفر عن وجه يصان يسالف

ولم أدر أن الرض يحميه أرقم

وترشق عن قوس الحواجب أسهما

نواش بأهداب لها القلب مغنم

بديعة معنى الحسن ثم جمالها

ولا بدر إن خففت إلا المتيم

فيا ليل ما أبداه فاحم شعرها

وللصبح ما أهدى سناه التبسم

وللغصن ما زرت عليه ثيابها

وللزهر ما أخفاه عنا التلثم

أعانق منها الغصن والغصن قامة

وألثم منها البدر والبدر مبسم

أعد نظرا في خصرها وجفونها

تجد مسقما يشكو له الضعف مسقم

وسل ثغرها المعسول عن لعس به

وإلا عن الصهباء بالمسك تختم

تظلم شاكي لحظها إذ شكوته

وواعجبا من ظالم بتظلم

وأزرى علي الخصر إذ قلت زها

فويلاه حتى خصرها بتهضم

وأبدع معنى الرسم في الخد خالها

ألم تره بالمسك في الورد يرسم

ولا تنكر وافتك العيون بمهجتي

فقد حكمت أن لا يصان لهادم

وإن شئتم أ تعلموا شرح قصتي

وما قد جرى لما جرى الماء والدم

فمنشا سهادي ناظر متناعس

وأصل بلائي معطف متنعم

فؤادي جمادي والغرام ربيعه

ودمعي شوال ونومي محرم

رفعت لها حالي لترحم فانبرت

توقع للأبقى على الحال أحكم

وقدمت رسم الدمع كما تكفه

فقالت بإجراه على الخد أرسم

فيا روضة قد قايس الورد خدها

بلا خجل للورد خدك أنعم

ويا بأنه رام القضيب انشاءها

بلا حسد للغصن قدك أقوم

ويا نسمة قد قارن الدهر عرفها

بلا نسبة للزهر عرفك أنسم

ويا ظبية قد ساوم الظبي جيدها

بلا حضرو للظبي جيدك أوسم

لئن حكمت عيناك بالفتك في الحشا

فإني لها سمعا وطوعا اسلم

وإن رمت تعذيبي ببؤس النوى فلي

بمدح رسول يا نعم أنعم

خليل حبيب هاشمي مرفع

رسول نبيّ زمزميّ مكرم

سراج منبر أريحي مكرم

بشير نذير أبطحي مزمزم

فصيح مليح صادق القول طاهر

نقي تقي أكملي معظم

إمام همام ظاهر البشر جامع

لأوصاف معنى الحسن بدر متمم

هو البدر لا والله بل هو أكمل

من البدر في حال التمام وأوسم

هو الشمس لا والله بل هو أنور

من الشمس في أفق المعالي وأعظم

هو الغيث لا والله بل هو أجود

من الغيث في بذل النوال وأكرم

هو الليث لا والله بل هو أشجع

من الليث في وقت الجلاد وأقدم

هو الغصن لا والله بل هو أميس

من الغصن عند الانثناء وأقوم

هو الزهر لا والله بل هو أطيب

من الزهر حال الانتشاق وأنسم

هو المورد العذب المروي من الظما

هو الغوث إذ نادى به المتظلم

هو القصد يغني السائلين نواله

هو الحصن يأوي الهاربين وبعصم

هو الباسط الكف التي لا تكف بل

هو الشامخ الأنف الذي لا يرغم

هو الفوز كل الفوز يا من يؤمه

هو الأمن كل الأمن يا من يحوم

هو المخجل السحب العواذي بجوده

ولم لا ومنه يستفاد التكرم

هو الغاية القصوى لمن هو طالب

هو الآية الكبرى لمن يتفهم

هو الرحمة العظمى التي عم نفعها

هو العروة الوثقى التي ليس تفصم

هو النقطة الأولى التي امتد حظها

إلى أن نشبت عنه بدور وأنجم

هو الأصل والأكوان عنه تفرعت

فيا حبذا اصل به الفرع يكرم

همام لسرح الدين حام وحامل

غمام لجدب الأرض بالخصب مسجم

حلي لجيد الدهر إذ هو عاطل

صباح لأفق الكون إذ هو مظلم

ترفع قدرا في العلا عن مشابه

وهل يشبه الياقوت في القدر صلدم

جميل المحيا أزهر اللون أدعج ال

عيون أسبل الخد يدر متمم

ضليع فم أقنى أشم مفلج

شنيب عن الياقوت والدر يبسم

ندي يد عبل الذراعين واضح ال

جبين أزج الحاجبين منعم

بهي زكي بادن متماسك

قويم سوي الصدر فخم مفخم

جليل مشاش ربعة القد أبلج

كريم السجايا كامل الحسن أشيم

صباح الهدى في وجهه متهلل

وقطر الندى في كفه يتديم

أتم الورى حسنا وأعلاهم علا

وأوسعهم جاها وإن كان منهم

حبيب أراد الله إظهار نوره

فأبرزه للكون والكون معدم

حبيب يراه الله من قبل آدم

وأرسله من بعد بالحق يعلم

حبيب هو الياقوت والجوهر الذي

هو الفرد لا يحكى ولا يتقسم

حبيب هو النور المشمشع والذي

به الخطب يصحو جوه المتغيم

حبيب به قد لاذ آدم فارتقى

مقاما علبا للجلالة مبسم

حبيب به شيت توسل فاكتسى

رداء له بالفخر طرز معلم

حبيب به إدريس رفع قدره

فأمست به العليا تعز وتكرم

حبيب به نوح دعا الله ربه

فانقذ من يمّ به القوم أعدموا

حبيب به هود كفيَ كبد عاده

وقد أظهروا بغيا وساؤوا وأجرموا

حبيب بعلياه توسل صالح

فوفّي من نحر به القوم دمدموا

حبيب به لوط كفي شر قومه

وقد ألفوا العدوان وهو محرم

حبيب به ابراهيم أصح آمنا

وقد قذفوه في لظى يتضرم

حبيب به إسماعيل من ذبحه نجا

يذبح عظيم ليس فيه تغلصم

حبيب به إسحاق الغيور غدا أبا

لرسل كرام قد أجلوا وعظموا

حبيب به يعقوب بوي منصبا

به عزز الأسباط قدما وكرموا

حبيب به في ظلمة الجب يوسف

تسربل ثوبا بالنجاة يسهم

حبيب به زكى شعيبا إلهنا

وكذب أقواما عصوه فذمموا

حبيب به موسى العليم علا العلا

وصار على الطور الكريم يكلم

حبيب به هارون قد نال رتبة

يمتع فيها كيف شاء ويحكم

حبيب به ردت ليوشع شمسه

نهار سدوم بعدما كاد تكتم

حبيب به للخضر لاحت مناهج

بأسرارها أمسى لموساه يعلم

حبيب لداود به سخر الصفا

وأوب أجبال وأوقف حوم

حبيب به نادى سليمان فاعتلى

ودان له إنس وجن وصلدم

حبيب به من يمه يونس نجا

وأرسل بالدعوى لقوم فأسلموا

حبيب به أيوب عافاه ربه

ونجاه من ضر به يتألم

حبيب به ذو الكفل أضحى مكرما

يكفل له بالعز والفضل يسهم

حبيب به إلياس الفتى طار في العلا

مطارا مع الأفلاك دانت وسلم

حبيب به لقمان كرم فاعتدى

حكيما له قول صدوق محكم

حبيب يضافي عزة البسع ارتدى

فأصبح يكسي بالبها ويعمم

حبيب لجمع الخلق أرسل رحمة

به لزكريا لم ير النشر يؤلم

حبيب به يحيى تاثل حكمه

وقد قام في الكفار بالحق يحكم

حبيب به يعسى تبتل فارتقى

وعزت به في جنة الخلد مريم

حبيب به ائتم النبيون كلهم

وليس بيدع فالإمام ميمم

حبيب هب قد أقسم الله في العلا

وباهي به الأملاك فخرا فسلموا

ولم يدعه بالإسم بل بالكنى ولم

يزل يعله فوق العلا ويكرم

وأنشأه من نور فلا ظل إن مشى

وليس عليه للذباب تحوم

قضى الله أن الرسل أكرم خلقه

وأن النبي طه من الرسل أكرم

وكل رسول آية انقرضت به

وآيات طه باقيات تعظم

فمن ذا يضاهي قدره وهو جوهر

ومن ذا يناوي أمره وهو ضيغم

بشرعته جلا الشرائع كلها

فلا شرع إلا وهي أقوى وأقدم

إمام جميع الرسل بدء وعودة

ألا به يبدأ الوجود ويختم

وكلهم في الحشر تحت لوائه

وما منهم إلا الرسول مقدم

وفي أفق علياه تراءوا كأنجم

أحاط بها البدر المنير المتمم

وإلا كرشح وهو بحر معجج

وإلا كظل وهو غيث مدوم

وعن مجده يروون كل فضيلة

ومن نوره بهدون أبان يمموا

فإن كان يسمو آدم بأيوة

فطه له فوق البراق تسنم

وإن كان إبراهيم قد أخمد اللظى

فكم من يد المختار قد سال مفعم

وإن كان موسى قسم البحر بالعصا

فكم من يد المختار قد سال مقصم

وإن أوقفت طير لداود في الفضا

فطه عليه الشهب أمست تسلم

وإن كان أرسى لسليمان في الهوى

فللمصطفى فوق المعالي مخيم

وإن كان عيسى قد شفى معضل الضنى

فطه له في الكون سر محكم

نهاية آيُ الرسل مبدؤه وكم

له غاية لا يحصها الكتب والفم

بمولده الأصنام والجن أخبروا

وقس وشق والسطيح وأكثم

ولما أحست أمه الحمل أصبحت

تنور وتزهو الجمال وتوسم

ومذ حملت لم تلق من حلمه أذى

ولم تشك من شيء يضر ويؤلم

وقيل لها بشراك لا تحزني فقد

حملت بمن لولاه ما حل محرم

فسميه بعد الوضع منك محمدا

وعانيه بالإكرام فهو المكرم

ولا تختشي من كيد حاسد مجدد

فمنك به الباري أبر وأكرم

وحين أتاها الطلق ألقته ساجدا

على الأرض يدعو ربه ويعظم

وألقته مختونا دهينا مسررا

كحيلا له جسم رطيب منعم

ولاحت لها بصري وأعلام جلق

وأحنت عليه من علا الأفق أنجم

وهد له إيوان كسرى مسرة

وأخمد من نار المجوس التضرم

وغاض له ماء بساوة نافع

وقد أصبح التشكيك بالحق يهدم

وقامت بإرضاع الكريم حليمة

فنالت من الخيرات ما ليس يكتم

وبالعدل في حال الرضاع قضى لها

ولم يرضع ثديا به الأخ يسهم

لنور محياه البديع تشعشع

له أبصر العميان والأفق مظلم

حبيب إذا ما نام طرفا قلبه

دؤوب على الفعل الجميل مصمم

حبيب له قد مال ظل يحيرة

ووقاه حر الشمس أفق مغيم

حبيب أحل الله مكة ساعة

له وحماها عن سواه محرم

حبيب له قد صارت الأرض مسجدا

طهورا إذا الماء عز يكفي التيمم

حبيب على الأقدام قام ليله

إلى أن عراها للقيام التورم

حبيب طوى كشحا لطيفا من الطوى

ولو شاء لاستدعى للطعام فيطعم

حبيب كفى ألفا بصاع كما اكتفى

حليب منه جيش عرمرم

حبيب أمد الشمس من نوره لذا

له الشمس ردت بعدما كاد تكتم

حبيب له أنطق الطفل مثلما

له ظبية الوادي غدت تتكلم

حبيب له الراعي أناب ولم يكن

ليعلم لولا ذئبه المتكلم

حبيب أجار الظبي من كيد صائد

فولى يصلي فرحة ويسلم

حبيب به لاذ البعير من الردى

فأنقذه من شر ما يتألم

حبيب به الطود احتمى وهو جاهد

وخاطبه يعفوره وهو أبكم

حبيب أعاد الكف من بعد قطعها

يزين بها من بعدها شين معصم

حبيب أعاد الجدل سيفا بكفّه

وفيها جرى سيل من الماء مفعم

حبيب حوى قسم المعالي فاغتدى

له البدر أعجازا كما شاء يقسم

حبيب له البدن ازدلفن ليبتدي

بما يرتضي من نحرها وهو محرم

حبيب أعاد العين بعد ذهابها

وأعملها صرفا لمن يتسنم

حبيب أظلّته الغمامة مثلما

له بغزير الماء جاءت تيمم

حبيب أتت لنصرته الصبا

فذل بها باغ وعزز مسلم

حبيب يؤم الرعب راية جيشه

مسيرة شهر حيث شاء ييمم

حبيب له الشمس المنيرة أوقفت

وقد أبطئت نوق الأعادي فأرجموا

حبيب له الأصنام خرت وقد رأت

لواء الهدى بالفتح والنصر برقم

حبيب له أنبا الذراع بما حوى

من السم لما لاكه بتطعم

حبيب في العقد لتة والحل لتة

عليها عقود الحرب والسلم تنظم

رمى عن قسيّ الفكر سهم إرادة

تقرطس أفلاذ الصواب وتسهم

فكم قد شفى بالتفل عاهة مسقم

وكم قد حلا من ريقه العذب علقم

وكم آية كالشمس جل بها العمى

فلا ناظر في صدقه بتوهم

ففي الغار نسج العنكبوت أبان عن

أمان به باض الحمام المحوم

وفي طيه نشر لمعناه قد غدا

لإظهاره أنف المعاند يرغم

وفي الحال قد قامت على البب سرحة

توقيه من باغ أتى بتحمحم

وفي ظنه الصديق قد سد كوة

بكعف عليها رقطها بتقحم

وقال له لا تخش فالحق حاضر

ولا تجزعن فالله أعلى وأعظم

مقام العلا أغناه عن كل معقل

فما الطور ما جودبهم وما يلملم

وقدرته صانته من كل فاتك

فما السهم قللي ما لظبا ما المقدم

وفي الطرف لما ساخ آية مبصر

وارشاد ضلال غدا يتهدم

وفي الضب والغضبا وفي النبت والظبا

إقامة برهان لمن يتوهم

وفي النخل لما أن دعاها وأقبلت

وولت بأمر منه قول مسلم

وفي عروة إذ جاءه وفضالة

لما أضمروا استظهار ما كان يكتم

وفي حجب على الغيب عن كل مارد

وإحراقه استبصار من كان يفهم

وفي وفد زيد الخير وابنة حاتم

ووفد أخيها ما يرى المتوهم

وفي قرب سلمان وبعد أبي لظى

سرور لبيب لم يكن يتجهم

وفي شأن كسرى والنجاشي شواهد

فذاك بها يخزي وهذا ينعم

وفي بيعة الرضوان كم راض جامحا

وتوج بالرضوان من جاء يسلم

وفي شأن أملاك السماء وقد أتت

لنصرته فتح مبين مختم

وفي الصوم والإحيا أبان عجائبا

يؤيدها سر من الله محكم

وف ياللوح والتوراة والصحف كم بدت

وفي الذكر والإنجيل آي تترجم

حبيب به أسرى الإله إلى العلا

من الحرم المكي حيث المخيم

إلى المسجد الأقصى إلى سدرة المنى

إلى منتهى فيه ابتداه التكرم

وسار وأملاك السماء تحفه

وجبريل يحدو بالبراق ويعلم

إلى أن رقى السبع الطبا استوى

به اسمع الأقلام وهي تترجم

فقدم بالأملاك والرسل في علا

مقام له من قبل فيه التقدم

وسار به جبريل حتى انتهى إلى

مقام به جبريل في الكون يعلم

فناداه جز هذا مقامي وليس لي

وحقك عنه في العلا متقدم

فجاز جبريل الأمين مخلف

إلى محفل فيه الكريم مقدم

وجاوز ما لم يحكه وصف واصف

ولا يحصى ما قد سار فيه منجم

ما زال حتى جاوز الججب وارتقى

على رفرف للبسط فيه مختم

وساد ينعليه السباط ولم يقل

له اخلع لها إذ قدر نعليه أعظم

وأنس بالتكبير إذ ريع قلبه

ونودي ليسكن روعك أنت المكرم

فكبر إجلالا فناداه ربه

صدقت أنا الأعلى العلي المعظم

وقربه قرب الكمال ولم يزل

يرفع من مقداره ويعظم

ووله ما لم ينله مقرب

وأدناه منه حيث لا أين يفهم

وأفناه عنه بالبقا وأقامه

بمعناه فهو الفرد لا يتقسم

وشرفه وضعا ورفع قدره

على منصب بالخفض للعيش يجزم

هو المرتضى عدلا ومعرفة وهل

لأحمد صرف وهو بالجمع قيم

دنا فتدلى حيث لا كيف فانبرت

تقربه من قاب قوسي أسهم

وشاهد وجه الحق والحق ناظر

له وعلي بالقبول مسلم

وأوحى بما أوحى إليه وخصه

براح اتصال لم يشبها تضرم

وأيد مسراه به وأمده

بما ليس يحصيه لسان ولا فم

وأظهر فيه سره فهو مظهر

به الله يعطي من يشاء ويحرم

وأرجعه للخلق بالحق مرشدا

فأسلم أقوام وقوم تلوموا

ومن فرشه للعرش في حينه ارتقى

لمشهد حسن فيه للعين مغنم

وعاد قرير العين بالقرب والرضا

وما افتر للإصباح في الشرق مبسم

وأصبح ينبي عن عظيم مقامه

ويا حبذا ذاك المقام المعظم

جواد إذا ضن الغمام بقطره

غفور وإن ثاني إلى الذنب محرم

فترغيبه في واضح الدين غرة

وترهيبه في جبهة الكبر ماسم

فعول إذا ما قال في السلم قائل

فعول إذا ما هتز في النقع لهذم

كريم المساعي فهو للأمن معقل

وللرشد منهاج وللحق معلم

أنيق مجاري الخصب والأرض جدبة

شريف رحاب البشر والوقت أقتم

أقام قناة الدين بعد اعجواجها

فصار لها من بأس كفيه لهذم

وأبرى باللمس المصبا كما به

كفى الداء مضرورة وعوفيّ مسقم

وباللمس عادت لعائد غرة

أضاءت بها الآفاق والجو أفحم

ودرت له بالمس شاة أم معبد

ولم تك بالأدرار من قبل تعلم

وحن إليه الجذع شوقا وطالما

عليه بأمر الله سلم صلدم

وذل له الفحل الهصور ولم يكن

يذل لشخص قبله وهو معلم

وأبرأ عيني حيدر يوم خيبر

بتفلته إذ جاءه يتألم

وأنبت شعر الأقرع الراس لمسه

ودرت له العجفا ولم تك تعلم

وأنبأ عما كان وهو كائن

حذيفة حتى صار بالغيب يعلم

واوسع أهل الجهل علما ونعمة

ولان لأرباب الجفا يتحكم

حبيب له في كل سمع وناظر

محل به يزكو الزمان ويوسم

سعادته روح لها المجد جثه

وهمّته وجه له البشر منسم

وجثمانه بالحق قامت صفاته

وأسماؤهُ في الخلق تسمو وتعظم

لآلي المعاني في علاه تنظمت

فصار بها للكون عقد منظم

له الأمن يوم الحشر والخلق هلع

له السبق يوم النشر والناس جثم

له البشر يوم الخزي والناس كلح

له الحوض يوم العرض والناس هوم

هو الشافع المقبول أن أثقل الورى

تحمل أوزار بها الظهر يقصم

تراهم سكارى هائمين وما هم

سكارى ولكن العذاب يهيّم

لدى موقف خزي المذاهب ضيق

يسرّ به بر ويحزن مجرم

وتسقط ذات الحمل في الحال حملها

وتذهل عما أرضعت فيه مفطم

وتغلي رؤوس الخلق من حر شمسه

وبالعرق الهامي يغشو ويلجم

ينادي مناديهم هلموا لنتخذ

شفيعا فقد طال الوقوف المهوم

فيأتون طرا نحو آدم سرعا

وأكبادهم مما دهاها تحسم

ويدعوه قم يا أبانا وكن لنا

شفيعا عسى أنا بك اليوم نرحم

يقول لهم يا قوم لست لها ولا

أقول سوى نفسي عسى اليوم تسلم

ولكنكم امضوا لنوح فإنه

نبي كريم أولي مقدم

فحين يلاقوه يقول ألا اسمعوا

فقولي كما قد قال آدم فاعلموا

عليكم بابراهيم فهو الفى الذي

له الله أطفا النار وهي تضرم

فلما يوافوا يناديهم ارجعوا

وسيروا لموسى البر فهو المكلم

فعند ملاقاة الكليم يردهم

لعيسى الذي قامت بمعناه مريم

فيدعوهم عيسى المسيح ألا ابشروا

فليس لها إلا الحبيب المعظم

فلوذوا به واستشفعوا بجنابه

فما أحد منه على الله أكرم

فيأتون طه لائذين وكلهم

ينادي بأعلى صوته يا مكرم

قم اشفع لنا يا مجتبى يا مقرب

فأنت الشفيع المجتبى البر الأكرم

فينهض طه وهو يدعو أنا لها

كما هي لي والله أعلى وأعلم

ويأتي لساق العرش يسجد تحته

ويبدأ بالتحميد شكرا ويختم

ويدعوه يا رحمن أنت وعدتني

ووعدك حق ليس فيه توهم

فلا تخزني يا رب وقبل شفاعتي

فأنت بما أجوه يا بر تعلم

فيدعى اتئد وارفع وسل تعط واشفع

تشفع وقل يسمع فأنت المقدم

سأقسم هذا اليوم شطرين بيننا

ليأمن فيه المسلميون ويسلموا

فشأنك فيه أن تكون مشفعا

وشأني به أعطي وأعفو وأحلم

على طاعة القيوم قام مبادرا

فأرشد ضلالا عن الحق أحجموا

وشاد على الخمس القواعد جوسقا

هو الدين نضحي تحته ونعتم

وملك رق القوم في الباس والندى

فتمم فعلا والكريم يتمم

وأنقذ اسرى الأرض من كل غاضب

ظلوم له وجه من الليل أظلم

وتوج بالدين الحنيفي أمة

أنابوا له طوعا ودانوا وأسلموا

هم القوم قد شادوا لأتباعهم علا

يحاط بتاسيس التقى ويدعم

كرام بأوج المدح حلوا وألبسوا

حلى السعد لما بالفخار تعمموا

وبالشمس قد غشّوا والصبح منطقوا

وبالدر قد حلوا وبالزهر ختموا

صدور دعا شم رؤوس أئمة

بدور هدى زهر منيرون أنجم

عيون حمى غر كرام أعزة

بحور سما سحب ملبون قوم

زهور أولي صيد عظام أجلة

كماة تقى شوس مزكون صوم

فمن مثل فخر الصحب شيخ التقى الذي

له السبق لما قال طه ألا اسلموا

ومن مثل فاروق المعالي الذي أتى

بما حكم الذكر الحكيم المحكم

ومن مثل ذي النورين من له

بما صير الأجر العظيم المتمم

ومن مثل زوج الطهر حيدر الذي

به نصر الدين القويم المقوم

ومن مثل سعد أو سعيد وطلحة

إذا عد أرباب المعالي وقسموا

ومن مثل مقداد وابن عوف وعامر

إذا كمل العشر الكرام وتمموا

ومن مثل عميه وسبطيه في علا

به أشرقوا كالزهر حين تتمم

ومن مثل أزواج شرفن به علا

جميع النساء إذ قدرهن معظم

ومن مثل باقي الصحب فالهج بمدحهم

معظم علا مقدارهم فهم هم

أليس بأن الله شرف قدرهم

وفي محكم التنزيل أثنى عليهم

بصحبته امتازوا وعزوا بجاهه

فهم شهب تهدي وسحب تديم

وهم أوجه النادي وهم أبحر الندى

وهم زهرة تندى ودر ينظم

هداهم لنهج الحق هاد به أضا

مناخ ضلال أغبر اللون أقتم

وبالصبر قد أم القتال مكبرا

فصلى الأعادي جمرة تتضرم

وشمر عن ساق الجلاد لكي يرى

وجوه الأعادي بالحتوف تلثم

وألمع في أفق العلا برق أبيض

به ينجلي ليل من البغي معتم

وثقّف للإرشاد رمحا مقوسا

لمعوج غي لم يكن يتقدم

وضمر خيلا للكفاح كأنها

سفائن في بحر المدامع عوم

فمن أدهم صك الصباح جبينه

فمن غيظه خاض الضبا يتحمحم

ومن أبلق بالصبح والغيهب ارتدى

فصار كدر بين مسك ينسم

ومن أحمر قد سود الليل ذيله

وأطرافه لما تغشاه عندم

ومن أشقر قد موه التبر جسمه

وأضحى له بالنور في الوجه ميسم

ومن أبيض عنّى لنهار أهابه

فخوض أحشاء الظلام يدمدم

فألجم لما إن تثاوب قسورا

واسرج إذ رام المطار يحوم

فأمسى كبدر مسرج بهلاله

وأضحى كبرق بالثريا يلجم

جوار على بحر الهياج كأنها

بروق تبارى أو نسور تحوم

تعاف حياض الماء إذ شبّت الوغى

فلا ورد إلا أن يراق لها الدم

تسنمها فتيان صدق إذ سطو

فما الصيد في أعلى المعاقل تهجم

أسود بهم في كل قلب ومنحر

تغل المواضي والعوالي تحطم

بضرب مواضيهم وطعن رماحهم

صليل الأسماع العدو مصمم

وفي باطن النقع المثار لنبلهم

جراح لها من قدح زند الصبا دم

يؤمهم فرد هو الجمع نجدة

وحسبك فرد بالجميع مقوم

عليم بطب الحرب إن أعضل الوغى

يصرفها بالمردعات ويحسم

إذا أرعد الهندي في أفق كفه

أراك سحابا بالدماء يديم

وإن طعن الشهم الكمي برمحه

وجدت زهيرا بين كفيه أرقم

رمى أوجه الأعدا بترب فأدبرت

وشاهت وقد صارت لحصباه ترجم

وقل عروش المشركين بشرعه

وقادهم للموت من حيث أحجموا

فسل عنه أحزابا وبدرا وخيبرا

وسل عنه أحدا واحد الوقائع عنهم

أبان ببدر للعصاة مصارعا

فما لبثوا أن جاوزوها ودمدموا

وقال وجدت الوعد حقا فهل كما

وجدناه يا أهل القليب وجدتموا

فعاديه في نار الجحيم معذب

وعافيه في دار النعيم منعم

أقام صلاة الحرب قائم سيفه

فصلوا صلاة الخائفين وسلموا

وأمدهم سوق الحتوف ليشتروا

فباعوا نفوسنا بالعذاب تسوم

وأرخصهم لما على الفوز فاشتروا

سعير هوان سعرته جهنم

وذوقهم سم الطعان بأسمر

وأشهره في الحرب لا شك أرقم

رمى كل شيطان بشهب نباله

ولا بدع فالشيطان بالشهب يرجم

جلا الزيغ والأهوا بأبيض سيفه

وللشرك طرف في وغى البغي أدهم

وللرمح كف بالنجيع مخضب

وللسيف ثغر بالدماء ملثم

وللحلق فرق بالأسنة أشيب

وللنقع قرع بالعجاجة أسحم

بكى بالدما هنديه وهو ضاحك

ومن عجب يبكي الدما وهو يبسم

وخط بوقع البيض في أوجه العدا

حروف حتوف بالأسنة تعجم

ووارى عن الأعداء سلم فوزهم

فليس لهم نحو المفاوز سلم

وفي ساحة البلوى أضاف جموعهم

فعامل خفض فعله ليس يجزم

فليس لهم إلا الرزية مشرب

وليس لهم إلا المنية مطعم

وأثخنهم ضربا وطعنا فأهلكوا

ومن ذا الذي مما قضى الله يسلم

أتته مفاتيح الكنوز فردّها

وآب بخزي وجهها المتجهم

ولم يله علياه تزخرف حسنها

وهل هي إلا جيفة تتجسم

وزفّت له الدنيا عروس جلالها

فقال لها ميلي فحبك يحرم

ويا طالب الدنيا بجمع حطامها

ستترك ما جمعت يوم تحطم

ألم تر الناس غفل عن الردى

وأن المنايا بينهم تتوسّم

ألم تر أن الواصلي حيالها

لهم بين أطباق التراب تصرم

ألم تر أن البسط يعقبه العنا

وأن الذي يبني المباني يهدم

ألم تر أن الدهر إن سر برهة

أساء دهورا بانقلاب يدمدم

ألم تر أنا راحلون وزادنا

قليل ومرعى سرحنا متوخم

كان الفتى لم يحظ فيها بطائل

ولم يك في دنياه قط ينعم

كأني به والموت يسلب روحه

ويلبسه ثوب الفناء ويعدم

وقام عليه أهله يندبونه

فمستعبر باك وآخر يلطم

ويلحد في قبر كريه حلوله

ويطوى عليه بالتراب ويختم

فعرج عن الدنيا وجنب سبيلها

ويمم إلى الأخرى ففيها الميمم

وإن جاءت الدنيا عليك فجد بها

ولا تبق للوراث ما لا تقدم

ونول لمن استعطاك واكنف من التجا

وسلم لمن آذاك فالدهر يحكم

وكاف على المعروف واسمح لمن اسا

وصل من جفا واكرم جليسك تكرم

وإن لم تخف عقبى مقال فقل به

وإن خفت من عقباه فالصمت أسلم

ولا تفش سر الصديق فربما

جفا ففشا السر الذي أنت تكتم

ولا تحزنن يوما على فوت فائت

وكيف ينال العبد ما ليس يقسم

ولا ترج إلا الله واخضع لعزه

وهل غير باري الكون يعطي وينعم

وسلم له التدبير واعلم بأنه

سميع بصير عالم متكلم

يضلّ ويهدي من يشاء بأمره

ويقضي علينا كيف شاء ويحكم

وجانب قرين الغي واصحب أخا التقى

ولا تصحب الغوغا فتزرى وتهضم

ولا تصنع المعروف مع غير أهله

فإك بالمعروف أجدر منهم

ولا تضع الأشياء في غير موضع

أعدّت له إن كنت بالقسم تحكم

ويحي ويفني ثم يحي عباده

لنيل مجازات تسر وتؤلم

له الملك والتدبير والخلق والجزا

فإما عذاب دائم أو تنعم

تنزّه عن زوج وعن ولد وعن

وليد وعن ند ينير ويظلم

وقدس عن قول المعطل كنهه

وعن من يرى التشبيه أو من يجسم

ورفّع عما يرسم الفكر في الحجى

وهل هو إلا غير ما يتوهم

فلا الكم يحصيه ولا الأين يدنه

ولا الوقت يحويه ولا الكيف يعلم

عليم بما قد كان أو هو كائن

محي فلا يخفاه سر مكتم

قدير مريد لا مرد لأمره

قديم بديع الصنع ينشي ويعدم

فلو شاء لم تأوي الطيع جنانه

ولو شاء لم تحو العصي جهنم

له المنع والانعام ينجي ويبتلي

له النقض والإبرام يعفو وينقم

قضى ينعيم أو بجحيم لخلقه

فعذب أقواما وقوم تنعم

وأنزل قرآنا مبينا محكما

أبان لنا عما يحل ويحرم

وأرسل أرسالا هداة فما وَنوا

بأن أسمعوا صما عن الحق قد عموا

وأرشدنا بالمصطفى بعد ضلّة

ولولاه ما نال الرشاد ميمم

يشاهده قلبي ويذكره فمي

فلم يخل منه لا فؤاد ولا فم

وعندي له شوق شديد مبرح

ولا صبر إن الصبر عنه محرم

علمت به معنى المحبة في الحشا

فلا عضو إلا للحب فيه مرسم

وأسقيت فيه الحب صرفا لذا انبرى

يمازجه لحمي وعظمي والدم

وبحت بحبي فيه لا عن تكتم

ومن كاني هوى المصطفى كيف يكتم

هو القصد إن غنى بمكة منشد

وإلا فما ركن وحجر وزمزم

وما البيت ما لامسعى وما مرو ما الصفا

وما عرفات ما منى ما المخيم

به شرفت تلك الأماكن كلها

ولولاه ما كنا لهن نعظم

ودينوا به حبا ولوذوا بمدحه

وصلوا عليه كل وقت وسلموا

وهيهات أن توفوا ببعض حقوق من

يصلّي عليه ربنا ويسلم

وأقسم بالله العظيم جلاله

وحسبي أني بالجلالة أقسم

لو أن الأراضي والسموات كلها

طروس وأوراق تمد وترسم

وكل مياه الأرض حبرا وما حوت

من النبت أقلام تخط وترقم

وجمع البرايا يكتبون مدى المدى

جوامع ما أوتيه طه المكرم

لما أدركوا معشار عشر الذي به

تخصص يس النبئ المعظم

وأنّى لهم أن يحصروا وصف من أتت

بمدحته نون وفتح ومريم

ولكنني يممت باب هباته

بمدح طفيلي له الفقر مئسم

وخيرت فيه المدح علما بجوده

ومن يمدح الأجواد يحظى ويكرم

وما ذاك من حولي ولا هو قوتي

ولكنه فضل به الله منعم

أراد فأجرى ذكر مدح حبيبه

على سمع أقوام أنابوا وأسلموا

فردّ لساني آلة لمديحه

وأنطقني فيه بدر ينظم

وذلك فضل الله يؤتيه مني شا

ومن ذا الذي يعطي سواه وينعم

سعدت بأن الله كرم مقولي

بوصف معاني من به الكون يكرم

وصرت أنادي يا خديم محمد

وطوبى لمن أضحى له يتخدم

ووالله ما نولت ذاك بحيلة

وما لا قضى الباري به كيف يسقم

فيا رب لا تسلب جميلا صنعته

وتمم بإيجاب فأنت المتمم

ويا رب جد لي بالقبول تكرما

فأنت الجواد المنعم المتكرم

ولولاه ما قلنا السموات ترتقي

ولولاه ما خلنا الأراضين توسم

ولولاه ما هبت جنوب وشمال

ولولاه ما لاحت شموس وأنجم

ولولاه ما كان الحيا مترسلا

ولولاه ما كان الصبا يتنسم

ولولا ما هد الجناحين طائر

ولولاه ما طال السماكين مرزم

ولولاه ما أظما الجوانح هائم

ولولاه ما أضنى الجوارح مغرم

ولولاه ما وطى الموطا مالك

ولولاه ما أبدى لنا الخير مسلم

ولولاه ما كانت حياة وصحة

وموت وأسقام وعيد وموسم

ولولاه ما كان الوجود بإسره

ولا زخرفت عدن وشبت جهنم

تردى لباس الباس والجود حلة

مهفهفة فيها الكمال يجسم

وكوّن من نور فلا ظل إن مشى

وليس عيه للذباب تجثم

أيا أمة الهادي المشفع أبشروا

ولوذوا به واستعصموا وترحموا

فأنتم بطه خير امة أخرجت

إلى الخلق طرا فاهنأوا وتنعموا

علوتم به قدرا وطلتم مكانة

فطولوا وصولوا وافخروا وتعظموا

فكل نبي أو رسول مقرب

بسيدنا يسمو ويعلو ويعظم

هنيئا لكم بشرى لكم مرحبا بكم

وأهلا وسهلا بكم أنتم الناس أنتم

فيا عزكم يا فوزكم يا فلاحكم

سعدتم ظفرتم بالغنائم فاعلموا

ويا رب كن للعبد وارحم خضوعه

فإنّك يا حرمن بالعبد أحرم

ويا رب وفق واكشف الضر واستجب

فأنت بما أرجوه يا بر أعلم

ويا رب سامح واعف واحلم تفضلا

فإنك يا غفّار تعفو وتحلم

دعوتك مضطرا وجئتك خائفا

وأنت مجيب مستغاث مسلم

فإن لم تجد لي يا عفو برحمة

فمن ذا الذي يعفو سواك ويرحم

ويا ليت شعري إن منعت العطا فمن

سواك على سؤاله يتكرم

حبيبي أجرني ليس إلاك يرتجى

أنلني أقلني ليس إلاك يحلم

فلا تخزني يا رب واقبل توسلي

بجاه حبيب جاهه الجاه الأعظم

ومن بعود عن قريب لمكة

ليجمعني بالبيت عيد وموسم

وأسعى على وجهي لباب سلامها

ويبرد نار الشوق بالقرب زمزم

وانظر ليلى في الغلائل تنجلي

وأشهد خال الخد منها وألثم

وأذهب بالخيف المخوف وفي مني

أقضي لباناتي وأهدي وأوسم

وفي عرفات الخير أرتاح عارفا

يعرفني أين الأحبة خيموا

وأصرف أعناق المطايا معرجا

إلى أرسم يا حبذا هي ارسم

وأنظر بدرا في حنين كماله

ويصبح لي ما بين أهليه معلم

وأذهب بالصفراء صفر قطيعة

تقطع منها القلب فهو متيم

وتعتاد قلبي في المفرح فرحة

بها جيش أحزاني يذاد ويهزم

وأنشر في وادي العقيق مدامعا

كحمرته في السلك حين ينظم

وأكحل أجفاني بأنوار روضة

بها قد ثوى الجسم الكريم المنعم

وأدخل من باب السلام مسلا

عليه وأبدا بالسلام وأختم

وألقي عصا التسيار عن غاربي وفي

حماه أقضي ما بيه العمر يغنم

واصبح جارا للحبيب وحبذا

جوار به للصب مغنى ومغنم

وأدعوه يا غوث الطريد ومن به

على الله يوم الحشر والنشر أقدم

قصدتك محتاجا فجد لي تكرما

فمن عادة العرب الكرام التكرم

ولي ذمة بالاسم والحب والثنا

وأنت بها والله أوفى وأكرم

فكن لي شفيعا يوم لا يغن شافع

عداك وكل من مقامك يحجم

وقابل مديحي بالقبول وجازني

بفضل يد منها الندى يتعلم

فبيني وبين الحق وحشة مجرم

يعض يديه إذ عراه التندم

فمثلي من يجني ومثلك من عفا

ومثلي من يرجو ومثلك من ينعم

وحاشاك أن أخزى وقد جدت في الكرى

بحرب به قد زال عني التوهم

وحاشاك أن أظما وفي النوم جدت لي

بشربة ماء عرفها يتنسم

وحاشاك أن أقصى وللخلد في الكرى

مع الصحب قد أدخلتني يا مكرم

وكم من مراء قد رآها أولوا النهى

قضت لي بتخصيص كما أنت تعلم

أيا سيد السادات يا من يحبه

وأمداحه أنجو وأعطى وأكرم

أيحسب دهري أنّني خاضع له

وأنت ملاذي ساء ما ستوهم

وقد ضمني سامي حماك وحبذا

مناخ على الإحسان والبر يرسم

فلا تقصني يا رب وارحم تذللي

فإنك رحمان توالي وترحم

ولا تخز وجهي يا كريم وجازني

ففضلك أزكى والمواهب أكرم

تحملت أوزارا ثقالا حمولها

بأيسرها الظهر الممتن يقصم

وسودت وجهي بالذنوب وكيف لي

بعذر وقد أصبحت بالذنب ألحم

وإن أك قد جئت العظائم كلها

فعفوك عن تلك العظائم أعظم

فيا رب يا الله كن لي ولا تكن

عليّ إذا ضاق القضاء المقتم

فحقق رجا ابن الخلوف فقلبه

يسلم وحسن الظن لي فيك أسلم

ويسر لي الذكرى وسهل مذاهبي

لخير به عني المكاره تحسم

ونور بنور العلم قلبي وغشني

بنعماك علي بالنعيم أنعم

وخلص على خير وجد لي بتوبة

تحط بها الأوزار عني وتحطم

وسلم ووف الدين عني ونجني

من الكبد والأهوا فأنت المسلم

وديم على الأشياخ ديموم رحمة

تخصص آبائي بها وتعمم

وكرم أصحاب يونسلي وإخوتي

فأنت الكريم المستماح المكرم

وكن لجميع المسلمين وجازهم

بعدن وجنبهم لظى يتضرم

وخذ بيدي أخذا كريما وحلني

بخاتم إحسان به أتختم

وصل وسلم ثم بارك مواصلا

على المصطفى ما عظم الله مسلم

وصل على الأملاك والرسل كلهم

وآل التقى ما جانب الحل محرم

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن شهاب الدين الخلوف

avatar

شهاب الدين الخلوف حساب موثق

العصر المملوكي

poet-Shehab-Al-Din-Al-Khalouf@

401

قصيدة

64

متابعين

أحمد بن محمد بن عبد الرحمن شهاب الدين. شاعر تونسي، أصله من فاس، ومولده بقسنطينة، وشهرته ووفاته بتونس اتصل بالسلطان عثمان الحفصي، وأكثر من مدحه. زار القاهرة أكثر من مرة. ...

المزيد عن شهاب الدين الخلوف

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة