عدد الابيات : 57

طباعة

أطْبِقْ دُجى ، أطْبِقْ ضَبابُ

أطْبقْ جَهاماً يا سَحابُ

أطبق دخانُ من الضمير

مُحَرَّقاً أطبق ، عَذاب

أطبق دَمارُ على حُماةِ

دمارِهم ، أطبق تَباب

أطبق جَزاءُ على بُناةِ

قُبورِهم أطبق عِقاب

أطبق نعيبُ ، يُجِبْ صداكَ

البُومُ ، أطبق يا خَراب

أطبق على مُتَبلِّدينَ

شكا خُمولَهمُ الذُّباب

لم يَعرِفوا لونَ السماءِ

لِفَرْطِ ما انحنَت الرقاب

ولفرطِ ما دِيسَتْ رؤوسهمُ

كما دِيسَ التراب

أطبق على المِعزى يُرادُ

بها على الجوعِ احتِلاب

أطبق على هذي المُسوخ

تَعافُ عيشتَها الكلاب

في كلّ جارحةٍ يلوحُ

لجارحٍ ظُفرٌ وناب

يجري الصدِيدُ مِن الهوانِ

كأنه مِسكٌ مُلاب

أطبق على الدِيدانِ

ملَّتها فَيافيكَ الرِّحاب

أطبق على هذي الوجوه

كأنها صُوَرٌ كِذاب

المُخرَساتُ بها الغُضونُ

فلا سؤالَ ولا جواب

بُلهاً تدورُ بها العيونُ

كأنَّ صحصَحَها سَراب

ملَّ الفؤادُ من الضمير

وضجَّ بالرُّوح الإِهاب

أطبقْ على مُتفرقّينَ

يَزيدُ فُرْقَتَهم مُصاب

يتبجَّحونَ بأنّ إخوتَهم

يحُلُّ بهم عَذاب

ندِموا بأنْ طلبوا أقلَّ

حقوقهم يوماً فتابوا

وتأوَّبوا للذلِّ يأكل رُوحَهم

نِعْمَ المآب!

أطبق على هذي الكرُوشِ

يَمُطُّها شَحْمٌ مُذاب

مِن حولِها بقرٌ يَخورُ

وحولَه غَرثى سِغاب

أطبق إلى أنْ ينتهي

للخاطبينَ بكَ احتِطاب

أطبق على مُتنَفِّجينَ

كما تَنفَّجت العِياب

مستنوقِينَ ويزأرونَ

كأنهم أُسْدٌ غِلاب

يَزهوهمُ عَسَلٌ ويُلهيهم

عن العلياءِ صاب

يَمشي مِن الأمجاد

خَلْفَهُمُ بميسَرةٍ رِكاب

فاذا التقت حَلَقُ البِطانِ

وجدَّتِ النُوبُ الصِّعاب

خفَقَت ظِلالُهم وماعوا

مِن نُعومَتِهم فذابوا

ونَجَوا بأنفُسِهمْ وراحت

طُعمَةَ النارِ الصحاب

أطبق دُجى ، لا يَنْبَلِجْ

صُبْحٌ ولا يَخْفِقْ شِهاب

أطبق فتحتَ سماكَ

خَلقٌ في بصائرهِ مُصاب

لا ينفتحْ خوفاً عليه !

مِن العمى للنور باب

أطبق إلى يومِ النشور

ويومَ يكتملُ النصاب

أطبق دُجى حتَّى يقئَ خُمولَ

أهلِ الغاب غاب

أطيق دُجى : حتى يَمَلَّ

من السوادِ بهِ الغُراب

أطيق دُجى : حتى يُحَلِّقَ

في سماواتٍ عُقاب

غضبانَ أنْ لم تحمِ أعشاشاً

لها طير غِضاب

أطبق دُجى : يَسْرَحْ

بظلّك ناعماً عار وعاب

من لونك الداجي رِياءٌ

وارتياعٌ وارتياب

يا عِصمةَ الجاني ويا

سرحاً تلوذُ به الذئاب

يا مَن مشتْ بدمائها

فيه الخناجرُ والحِراب

يا مَن يضِجُّ من الشرورِ

الماخراتِ به العُباب

يا مَن تَضيقُ من الهوام

الزاحفاتِ به الشعاب

كُن سِتْرَ مُجرمِةٍ تهاوَتْ

عن جريمتِها الثباب

أطبق : فأين تفِرُّ إنْ

تُسفرْ وينحدرِ النِقاب؟!

هذي الغَباوات الكريمةُ !

والجمودُ المُستطاب !

هذا النفاقُ تَرُبهُ

صُحُفٌ ويُسْمِنُه كِتاب!

أطبق دُجى ، حتى تجولَ

كأنها خيلٌ عراب

هذي المعرَّات الهِجانُ

لها لظُلمتِك انتساب

أطبق : فأنتَ لهذه السوءاتِ

عاريةً حجاب

أطبق : فأنت لهذه الأنيابِ

مُشحذةً قراب

أطبق : فأنت لهذه الآثامِ

شامخةً شباب

أطبق : فأنت لصِبغةٍ منها إذا

نصَلَتْ خِضاب

كُنْ سِتْرَها لا يَنبلِجْ

صُبحٌ ولا يَخْفِقْ شهاب

أطبق دُجى : أطبق ضَباب

أطبق جَهاماً يا سحاب ُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

2341

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة