في واد مكتظّ بالأفاعي والزرافات رأيتُ الرجال الشّقر يرمون اللحم للنسور ويلحقون بها خفية حتى تحط في مكان آخر من البيداء: كان ذلك دليلهم الهندسي الذي يقودهم نحو مواطن الألماس. ***** طريق الحرير جسر الغرب نحو الذهب رأس الرجاء الصالح ابن ماجد في (مالندي) ناهضا من ليلة مُؤرقة أو سادرا يرقب النجوم بين يديه خرائط لكنه يحدق في راحتيه ليقرأ أسرار المحيطات في (مالندي) لم تزده النسوة الافريقيات إلا شبقا بالبحر وهياما بالمغامرة. أراه الآن وحيدا يرقص الموج على جبينه كما ترقص شمس المغيب في تلك الغابات الاستوائية. أحس نبضه محمولا على كواكب سيارة. ربما لسعته أفعى الغابة ربما تذكر طفولته في بحر عُمان وصَحَبه الذين هلكوا وما زالت أرواحهم ترتجف على الصواري وقيعان البحار. أفكّر فيه فيكبر الانسان على أرضه المحروقة. ابن ماجد سليل الخطر، مرّوض العاصفة في ليلة هاج فيها اللج وأزبد وسط ظلام مذعور يرتطم فيه صراخ الغرقى وتضمحل على حائطه الإرادات. قدتّ العاصفة كما قاد أسلافك البغال والأسلحة في تلك المنعطفات الجبلية الوعرة واستشرفتَ نجمة الصباح. كنت في (مالندي) عام 1447 حين قدت فاسكو دي جاما وقراصنة البرتغال الشرسين الى المياه الدافئة: كنت نسر البحر لكشوفاتك الخاسرة. ***** الشجر أرخى غصونه وأفعى الصيف بدأت في تجوالها الليلي في ضوء القمر الكبير. الجيران يحلمون بها تنام على فراشهم فحيحها يغطي عليهم مساحة الجنس الذي تبدأ شموعه ببطء كمريض يتعافى. الجيران الذين لم يتعودوا على الأفاعي وظلمة الكهوف جاءوا بعد اكتشاف النفط محمولين على كاهل الأسطورة وكنوز الصحراء. الصباح أرخى قلوعه هو الآخر تبدأ يومك متطيراً، مرتبكاً تخطو من سريرك نحو الحمّام كأنما تحمل ثقل العالم على كتفك ملاحقا بالحشود والنميمة. لا تحمل فكرة، أية فكرة، كالنظر في المرآة مثلا، فتح شباك، اطلاق نظرة على جبل الأحقاف وصرعى الأوبئة والسراب، استعادة كوابيس البارحة التي أصبحت محض عادة مضجرة كسائر أوجه الحياة. لا تفكر في شيء لا تضمر شيئا، حتى الكراهية التي ربيتها مثل طفلك المدلل ذبلت مع ال الذكريات والمحن والعلاقات. صارت جزءاً من هباء هذا المغيب الذي يضطرم أمامك مثل حريق خرافيّ. لا تبالي من رحَلَ اليوم ومن سيأتي غدا، من فرش الأرض بالدولارات والجثث ومن مات جوعا. من انكسر جبينه أمام الجزّار ومن قتل زوجته خشية انكشاف السرَ. من كتب قصيدة طليعية ومن احتمى بخيام الأسلاف. السكينة، لهب السكينة يدب صقيعه في جسدك المتخثر بفعل الأدوية. سكينة الموتى، سكينة الغيلان في صيف ((سرور)) سكينة المنازل المهجورة التي تخلع مفاصلها الريح من غير رحمة تجز الأوردة ببرود أعصاب. متعة القصاب الذي يداعب ضحاياه التي لا يضرها السلخ بعد أو قضت نحبها وجاوزت عتبة الموت بقرون. تخو نحو الباب كأنما تذرع قارة بكاملها، ترمق الحقائب التي تبعثرت أشياؤها كأحشاء قتيل، دمه ما زال ينزف، حارا حرارة الصيف الساحق، دم المهرج والشاعر، دم التائهين في برية الله. كل هذا وأنت لم تتجاوز عتبة الباب مفكرا في عطل المصعد بعمارة لا مصعد لها.. الجيران بدأوا في الندْب بسبب ظهور شبح الأفعى، يتدافعون على السلالم والممرات هاربين من حرب الأيام الستة وحروب أخرى أكثر فداحة. الجيران الذين كانت حناجرهم تسيل في جوف الليالي المدلهمة، بالغناء والمرح وقرع الطبول، باتوا ينتظرون ظهور الأفعى مصحوبة بقمرها المزدان بزغب الطائر الأسود، قنطرة الخلاص من الضجر المتراكم وسعال البطون المتخمة من قلة الحركة والأحداث السعيدة التي لا يعرفونها إلا من خلال الأطباق والشاشات التي تميد بها أرض البشر كأثينا جديدة تربض بأجنحتها الأولمبية الضخمة على الأجنة والأفئدة والرؤوس. تفكر في عطل المصعد ببناية لا مصعد لها. في السمك المنتن في المطبخ والنور المكسور... الظهيرة، الظهيرة الهادرة في أعماقك في الكون المحيط بأكمله تجعلك لا تستطيع تذكر أي مطر مر بحياتك ولا حتى عبور غيمة في سماء مقفرة... المرأة، المرأة نفسها تعبر السلم، تدلف الباب المفتوح تتسلق لمبة النور والنوافذ المغلقة تتذكر المطر كرنين أجراس بعيدة تستلقي ع تقرأ رسائل من أصدقائك يشكون قسوة المنافي والحنين الى الأوطان الأولى والأحبة الغاربين، تفكر في قضم التفاح مع المرأة المستلقية على مؤخرة ذكرياتها، وتأخذ في استدعاء نمور تقطع أودية وغابات، النمور التي تخبئ الأدغال تحت جلدها كتميمة تتوارثها، تقفر مع الهواء
شاعر و كاتب عماني ورئيس تحرير مجلة نزوى الثقافية الفصلية التي تصدر في مسقط. ولد في قرية سرور بولاية سمائل بالمنطقة الداخلية سنة 1956. درس في القاهرة وعاش في أكثر ...