الجسد الجريح يخبط الماء ناسيا خلفه السنوات أي نسيان هذا الذي لا يتركك تنام؟ * * * اليوم تكسر السيجارة كأنما تكسر السنوات لأنك لا تستطيع التدخين كما كنت تفعل في الماضي مطلا من النافذة الى الصباح والثلج والطيور الى جبل ((فيتوشا)) الى النساء تنضح عيونهن بالشبق الذي يؤجله نهار العمل، تكسر السيجارة التي ستعود إليها بعد قليل. * * * لابد أنه الصيف بجحافله القادمة من الربع الخالي مكتسحا المدينة مثل هولاكو كل شيء سيتوقف أكثر مما كان حتى عادات النساء الشهرية حتى عبور النمل بين جحرين كل شيء بانتظار الفرَج. * * * البارحة بقرية (سرور) أسمع دوي الفراغ بين خرير المياه وسمت الجبال، يصمّ الآذان. في كهف لا تخفقُ تحت ضلعه الشمس ولا تطاله نسائم البحر ترتجف اللغة وتُزبد مطالبةً بالملأ الأعلى بالحرية. * * * الضلالة لا تجد في الاستقامة إلا ضلالة أخرى ستمطرها بوابل اللعنات ولا تجد هديها إلا في منارة عمياء في قعر بحر مظلم: كذلك الباحث عن الحقيقة لن يجد إلا دخان الأزمنة تحت القدم العابرة. * * * مشَاءون يتامى في حقول معطوبة. * * * ليس للبحر نكهة خارج اضطرابه المقدّس. * * * كل يوم أزيح طرف الستارة لأرى الثور الهائج ينقض من النافذة. * * * تفاهمات كبرى على إيقاع خسارة أكبر. * * * يسقط الخصم على أرض العراك الأبدية ملفعا بدمائه. يرفع المنتصر شارة النصر بين نجومه ومحبيه.. وماذا بعد ذلك؟ * * * نتذكر أولئك الذين يسيل من أشداقهم لعاب الكرامة والشرف وحب الآخرين ونكران الذات: ترى أي قرون ضوئية من الشساعة، في بعدهم عن هذه القيم التي ولدوا ليكونوا على النقيض منها على طول الأزمنة ومع ذلك هم أكثر المتحدثين باسمها. * * * تمور الرغبة في شفتيك وأطراف أصابعك، وتحتشد، كمن يرمي أعشابا وصباحات في بحيرة مسحورة. * * * أيها الفجر، الفجر المندلع كحريق أمام نافذتي أرجع لي ودائع طفولتي لقد سرقتها مني أنا توأم البحر والغروب. عمرو بن قميئة ألهذا يا عمرو بن قميئة سافرت في دجنّة الصحرء مع الملك الضلّيل وحيدا من غير أدلة ولا حاشية ولا خيل؟ ملك مهزوم ويتيم ضائع كانت الروم أبعد من سهيل وكان الدرب دونك فبكيت أنّبك الملك الشاعر لأنك لم تكن تطالب باستعادة ملك مندثر أو حالما بثروة كنت صديق الشاعر في الملك رفيق المتاهة. الصحراء تمتد والطريق أبعد من سهيل وكالمنكح الثريّا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيان يا عمرو بن قميئة؟ أفراس بيضاء تهبط من أفق قاتم أشباح النائمين في الخلاء الصحراء تمتد وموتك المنجَز منذ الولادة. يد في آخر العالم يد وحيدة تلوّح في البعيد وحيدة من غير مسافرين ولا أرصفة أو قطارات يد وحيدة جاثمة بوحشتها تلوّح في ليل الأجداث وحيدة في غيمها الجريح يد الشاعر أو القرصان أو بائع اليانصيب ووحيدة تحتفي بقدوم الغرقى من محيط الهند أو البحر العربي محمولين على محفة طائر يد نحيلة في غسقها الاستوائي تحلم باجتياز المضيق بالنهد والفاكهة وملامسة الرعد يد الغرباء الذين قدموا من بلاد مجهولة وطفقوا يسردون الحكايات يد اليأس والندم والمحبة تلوّح في البعيد نحو جزر مستحيلة ومدائن، لم يبق من أرومتها غير طعم الغياب تمنحني مساءاتها الثقيلة ووجوهها وتمنحني قهوة الصباح. يد الهذيان الذي تجرفني وديانه كل ليلة على أبواب الربع الخالي.
شاعر و كاتب عماني ورئيس تحرير مجلة نزوى الثقافية الفصلية التي تصدر في مسقط. ولد في قرية سرور بولاية سمائل بالمنطقة الداخلية سنة 1956. درس في القاهرة وعاش في أكثر ...