لقد نضج الموت في حقولي فمتى القطاف ؟ تنسحب الحلزونة إلى صدفتها ينطوي الذئب الجريح على نفسه تنحسر الخلايا داخل متاهاتها وحتى المحيط يحشر نفسه في مغارة والحائر يلتف في قشرة صمته فمتى متى يلملم قلبي الضال مواسم جنونه ومتى تحنو القسوة على ذاتها وترق الشراسة على جروحها ؟ ............. كلهم يتساقطون عني في براري الهرب والغربة يتدثرون بخدرهم كلهم يتناثرون عن مسيرتي الأكيدة نحو قارة الصحو اللامتناهي ... بياض جدران المستشفى بياض أبرة المصل بياض الصمت تنتظم أنفاسها متواترة مع أنفاس الليل الوديع ... وحدها آلامي تتلاحق نبضاتها وتشمخ نائية وتنتصب كعمود النار الراقص ... وسط الغابة الساكنة ... .............. حين يتعب جسدي من الرجال جميعا ... يتسلل " السيد الحزن " ليعانق روحي ... يعرف جيدا رقم هاتفي ... ويعرف طريقه إلى مخدعي ... ويدوس بقدميه الثابتتين جثث عشاقي المتلاشين حولي ... و أستقبله دونما دهشة أو بكاء .. مرصودة له .. وتسجد الضوضاء حين يسعى إلي حبيبي ... ويحبس كوني أنفاسه حين يحتويني حبيبي " السيد الحزن " ... وتتلصص الصقور والغربان لترى عرسي الوحيد الحقيقي ... ............... وحين أتأمل وجه حبيبي " السيد الحزن " حين أتأمل وجهه جيدا أرى وجهي كما لو كنت أحدق في مرآة أتأمل عمري على شاشة الجدار الأبيض : آه كل ذلك الضجيج لا يجدي ... كل ذلك الصخب والعتب ومسرحيات الوصال والشجار وكل ذلك الركض المسعور في الليل والأحاديث الهاتفية الصباحية المحمومة واللمسات المختلسة والنظرات الخجلة المشحونة بالصراخ كل ذلك لا يجدي ... ف " السيد الحزن " يعرف دوما طريقه إلي ... وحين يمد أصابعه الشفافة تنهار كل حصون الزحام والصخب مثل بيوت من ورق اللعب .. هدمتها في غمضة عين رفة عصفور ... .................. لقد جربت كل الوصفات ضد حبيبي الحزن .. وحملت كل الأحاجي العتيقة .. ولففت على جسدي كل التعاويذ .. ومارست كل ما تعرفه المرأة منذ أقدم العصور وكل ما اكتشفته في آخر الزمان .. واتخذت من أوسم الرجال دروعا واختبأت داخل أجسادهم منه ... لكنه يا إلهي كضبع الاساطير وحين يهمس تحت نافذتي لا أملك إلا أن أتبعه مسحورة منومة .. إلى وديان الأنين الباكي .. اسكن قصرا ؟ في الشوارع ينطلق قلبي في الشوارع ينطلق قلبي وحيدا تحت المطر بلا معطف وبلا مظلة بلا مظلة ............... يا حبيبي يا طفلي يا حبيبي يا حصني ضد زحف الكوابيس افتح عينيك ومد اهدابك سقفا فقلبي وحيد وحيد كإصبع مقطوع عن جسده وروحي شهقة بدأت بالتلاشي بالتلاشي ... مغفورة خطايا كل الرجال الذين عرفت مغفورة خطايا الذين احببت فأنا لم أخلص لأحد منهم وكنت باستمرار أخونهم مع حبيبي " السيد الحزن " حتى وأنا معهم بل بالذات وأنا معهم ... ............... .الليل طويل طويل لكنه لا يتسع لتنهيدة من صدري ... والشوارع مظلمة مظلمة لكنها تضن بالمفاجأة أو الدهشة ... والأبجدية شاسعة لكن الحوار قد اهترأ ... وحده الحزن يطل لا متناهيا واثقا من نفسه وحده يعرف كيف يمتلكني وفي ملكوته وحده أعرف شهقة التلاشي ...
غادة أحمد السمان كاتبة وأديبة سورية.ولدت سنة 1942م، في دمشق،ضمن عائلة شامية عريقة. والدها أحمد السمان الذي كان رئيس جامعة دمشق كما استلم منصب وزير التعليم السوري لفترة قصيرة، ووالدتها ...