يكن من مدى بين أحجارها والسماء غير أسئلتي جهمة وغبار ردائي لم يكن من نديم سوى حلم يتناثر: ظبي البراري اليتيم دمك الجمر يتبعني، أم حنين القديم؟؟ لم يكن غير حشد من الغيم أبيض ينحل في طرف الأرض، يبزغ، ينحل ثانية، يتقدمني، يتمشى خفيضا ورائي وأنا ضائع بين أحجارها والسماء حلمي، حلمي، أيها الأشيب، المدلهم الخطى واليدين، جسدي طلل، أين أقداحه، وندماه أين؟؟ لم يكن في المنام سوى حلمي، وعصاي، لم يكن غير راحلتي، (هل هواها الممض هواي؟) عبرت غيمة حائط النوم، أيقظني عطرها: ذي بلاد من الماء، تأوي إليّ تحدثني: عن جنائنها، وأحدّثها: عن قراي نهضت غيمة غادرت خيمة النوم: حشد من الأنبياء ينوحون في طلل، ويغطون بالدمع مئذنة شاحبة ورأيت بلادا تجاهد ألا تضيع شممت أريج منائرها المتربة وتملكني هاجس: تلك بيروت أم قرطبة؟ وغزال صباي المشرد أم تلك خمرته الطيبة؟ ثم أسرت بنا خضرة الغيم، أسرت بنا خضرة النوم قافلة من نجوم مكدرة، الطريق يئن، وكان ضجيج هواجسنا كضجيج خطانا: لم يكن في الطريق سوانا لم يكن في العناء سوانا فإلى أين تقتادنا يا هوانا؟ نديمي هذا الظلام، وصحراؤه الشاسعة نديمي أرض تجاهد ألا تضيع، وكأسي سماء كآبتنا السابعة نديمي هذا الأنين القديم: أيفضي الطريق إلى وطن ضائع، أم إلى أمّة ضائعة؟ ودخلنا أزقتها: الشرفات أنين وورد، ومسجدها سيد غارق في مهابته، حين بادرته بالسلام انحنى، وتلألأ في شفتيه غبار الكلام ثم ضج أنين الحجارة، واستعت ظلمة، وتسامى عمود من الضوء، ينحل في طرف الأرض ثم سمعت نواح الكتابة بين الحجر ورأيت طيور المطر تتجمع في مقلة الشيخ، تغسل أحزانه المتربة، وتساءلت ليلتها: قرطبة! أو تلك خيول تقبل أم أنها ضجة الأتربة؟ ونما حلمي، ورأيت دمائي فرسا يتبختر ما بين قرطبة والسماء وأسرى بي الغيم أسرى بي النوم هذا غزال الطفولة يتبعني، وعلى كتفي عباءة هذا الظلام، وفي قدحي ضوء خمرته الطيبة ونما حلمي، قلت للحلم: يا سيدي للقصيدة: يا زهرة الروح، للحزن: يا ضجة الأتربة هل أسميك فاتحة أسميك بيروت أم قرطبة؟
علي جعفر العلّاق شاعر وأستاذ جامعي عراقي. ولد في سنة 1945م. حصل على الإجازة في اللغة العربية من الجامعة المستنصرية في بغداد عام 1973
ثم الدكتوراه من جامعة إكستر في ...